منذ ثلاثة أعوام ويدي تكتب عن الروهينجيا، بدأت القصة مع رسالة من أحد أبناء آراكان في المملكة العربية السعودية، وحديث عبر التواصل الاجتماعي عن المأساة، وعن وجود انتهاكات، ولم يكن في حينها الموضوع ذا بُعد إعلامي، وجدتني من واقع عملي في أحد المجالات التي تهتم بالأقليات أبحث عن الأمر مَنْ هم الروهينجيا؟
سؤال طرحته ببساطة، فلم أكن أتوقع أن يكونوا بمثل هذا الأمر الجلل من سيرة وسريرة تاريخية حضارية، ومكانة اقتصادية، وحاضرة إنسانية كانت قائمة منذ مئات السنين؛ ولذلك لم أعد أستغرب الآن لماذا كل هذا الاضطهاد والتطهير والقتل الذي يتعرضون له.
سأروي عليكم قليلاً مما عرفت وقرأت عن هؤلاء القوم الذين تربطنا بهم وشائج الإنسانية، وروابط الدين والحضارة والتاريخ الذي يراد له الفناء والحذف من ذاكرة الكتب والتوثيق، بعد أن أصبح أبناء الحاضرة الإسلامية خارج سياق البحث والتواصل مع جذورهم وتاريخهم.
تاريخ وحضارة
تمتلك منطقة آراكان -التي أصفها بالمحتلة- تاريخاً إنسانياً حضارياً ضخماً، فقد دخلها الإسلام في القرن السابع الميلادي عبر التجار، وهي طريقة مشهورة جداً لدخول الإسلام أغلب دول العالم وخاصة قارة آسيا، وقد دام حكم الإسلام في مملكة آراكان ما يقرب من 350 عاماً، حيث بدأ من عام 1430 إلى 1784م، وقد نشر ناشطون آراكانيون عملات ورقية آراكانية قديمة، نقش عليها كلمة "لا إله إلا الله" وشعارات إسلامية أخرى، ومازالت الشواهد الحضارية قائمة حتى الآن في آراكان مثل مسجد "بدر مقام" في "أكياب" العاصمة، ومسجد "سندي خان"، وقيل: إن تاريخه تجاوز 560 عاماً، ومسجد "الديوان موسى" الذي بُني عام 1258م، ومسجد "ولي خان" الذي بني في القرن الخامس عشر الميلادي، وقد منعت السلطات الميانمارية الروهينجيا خلال الأيام الماضية من الاحتفال بأحد مساجدهم القائم في ضواحي العاصمة التجارية "يانجون" من الاحتفال بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس المسجد.
اقتصاد وموقع جغرافي
حين بحثت عن ميانمار كدولة كانت الصدمة من حجم ما يمتلكه هؤلاء من قدرات وإمكانات، تبدأ بالموقع الجغرافي المميز؛ حيث يطلق على تلك المنطقة "الصين الهندية"، وهي تقع بين الصين والمحيط الهندي، وتعتبر حلقة وصل في قلب منطقة جيوستراتيجية بين القوى الدولية الأكثر تصارعاً في العالم على النفوذ (الولايات المتحدة – الصين – روسيا – الهند)، تعتبر رمزاً ملاحياً عالمياً لو تم الاهتمام بها، وستصبح آراكان مرفأً بحرياً على غرار "دبي" في جنوب شرقي آسيا وماليزيا، ويحدّها من الشمال الصين، ومن الجنوب خليج البنغال، ومن الشرق الصين وجمهورية تايلاند، ومن الغرب خليج البنغال وبنغلاديش، وتسكن أغلبية المسلمين في إقليم آراكان الجنوب الغربي لبورما، ويفصله عن باقي أجزاء بورما حد طبيعي هو سلسلة جبال "آراكان يوما" الممتدة من جبال الهملايا.
تحد المرتفعاتُ بورما من الغرب حيث جبال "آراكان" و"هضبة شين"، وترتفع أرضها في الشرق نحو تايلاند ولاوس حيث توجد هضبة التوائية، وأهم أنهارها "إيراوادي"، الذي يجري في وسط البلاد من الشمال إلى الجنوب في وسط أرض سهلية، وقسم من نهر "سلوين" قرب حدودها الشرقية، تقدر مساحتها بأكثر من 261 ألف ميل مربع، وتقدر مساحة إقليم آراكان قرابة 20 ألف ميل مربع، ويفصله عن بورما حد طبيعي هو سلسلة جبال "آراكان يوما" الممتدة من جبال الهملايا، تملك أرضها تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي في مناطق مختلفة من ميانمار، بما يشكل 4.1% من الاحتياطي العالمي.
يبلغ حجم التبادل التجاري بين الصين وميانمار أكثر من 3.6 مليار دولار، حيث بلغت صادرات ميانمار من المواد المعدنية والمطاط والفاكهة ومنتجات الأسماك 1.6 مليار دولار عام 2014م.
يا سادة، إنها كنز فمن يحصل عليه؟
إن مساحة 600 – 700 كلمة لا تستطيع أن تتحدث عن أبعاد إستراتيجية وعمق تاريخي وأمن قومي، لكن بكل ما تعنيه الكلمات والمصطلحات السابقة؛ فإن الروهينجيا هم للعرب والمسلمين يمثلون هذه الأمور، وما لديهم من إمكانات وقدرات إنما هم جزء أساسي من أمة عليها أن تعيد صناعة الفعل في محيطها بحثاً عن محاور وأوراق ضغط جديدة تستغل فيها المساحات القادمة التي يحرص عليها النظام الدولي في الاستفادة منها، فلا يمكن أن يتصور الحرص الذي توليه الولايات المتحدة لهذه المنطقة، وعدم سماحها لعدوها اللدود روسيا وحليفتها الصين في السيطرة على تلك المنطقة، إلا لأن لها أثراً ودوراً مهماً في المشهد، وإن أردت أن تعرف من يخطط ويسعى فسأل عن حجم تصاعد الاستثمار الإيراني والتواجد في آراكان وبورما اليوم والذي قد نفرد له مساحة في المقال القادم، إن شاء الله تعالى
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.