الشعب يصر على وحدته، فمن يريد تقسيم العراق ؟!

المخاوف من تقسيم العراق باتت جدية اليوم، خاصة إذا ما اطّلع المرء على تصريحات الساسة بأن تقسيم العراق يبقى الحل السحري في حال تعذّر تحقيق «الديمقراطية»

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/09 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/09 الساعة 03:23 بتوقيت غرينتش

منذ احتلال العراق عام 2003 م وحتى اليوم والأحزابُ والسياسيون منشغلون بما يفرق الناس لا ما يجمعُهم، وبما يضرُهم لا ما ينفعهم، وما يفرقهم ويميزُهم عن أبناء بلدهم، أكثرُ مما يجعلهم كأمة وشعب واحد، الأحزابُ والسياسيون يولون اهتماماً بالغاً لأحداث الماضي وحروبه ومشاريعه، الفاشلة منها والناجحة، أكثرُ من الاهتمام بمشاريع الحاضر والمستقبل.

وبدلاً من أن تمتلئ خُطبُ رجال السياسةِ بالدعوة إلى السلام والوئام والانسجام، أصبحت خطباً تهاجم الخصوم وتتهم هذا بمعاداة ذاك، وذاك بخذلان الطائفة الفلانية والحزب الفلاني!

لقد أصبح التحريضُ على الطائفية والتذكيرُ بالاضطهاد الطائفي، المختلَق منه والحقيقي، واستفزازُ العصبيات المذهبية والمناطقية، والمطالَبة بالفيدرالية لحماية "المذهب الفلاني" من الأعداء، أهمُ أسس الخطاب السياسي العراقي. فهل لدعاة الأقلمة والتقسيم حق بتجزئة الوطن الأم وتقرير مصيره بهذه السهولة؟!

الغريب أنه كلّما تعمّقت ورطة المتحكمين والمتلاعبين بمصير العراق، تفتّقت قريحة الآخرين عن "حلول" شيطانيةٍ، تصبّ في اتجاه العبث بوحدة العراق والسعي نحو تمزيقه وتقطيع أوصاله، عبر الترويج لمشروع "التقسيم" أو "الفيدرالية" وأقلمة المحافظات واللعب على وتر الطائفية في التعامل مع تطوّرات الأوضاع الراهنةِ في البلاد.

ومع أن مثل هذا الطرح ليس جديدًا، إذ إنه تردّد على لسان أكثر من مسؤول عراقي بعد غزو العراق واحتلاله.. واللافت في هذا الخصوص "الحماسة" الكبيرة التي بات يبديها البعض لتطبيقه عمليًّا! والتي وصلت بالبعض من الساسة إلى درجة اعتباره الحلَ السحري، والضمانة َالوحيدة للخروج من هذا النفق، في مسعى واضح لاستبدال خريطة العراق بأخرى جديدة! بما يمهّد في النهاية للإجهاز التام على هذا البلد الذي يعاني تداعيات "الفوضى الهدامةِ والوافدة وتخبطِ المنظومة السياسية" التي طالت إزعاجاتـُها غالبية الشعب العراقي، وبما يتنافى مع المعايير الدولية وحقوق الإنسان والمواطنة وأبجديات بناء الدولة الديمقراطية، ليحولوا العراق من دولة محور وعنصر توازن دولي وإقليمي في معادلة الأمن والسلم الدوليين، إلى دولةٍ هشة مثقلة بالاضطراب السياسي والأمني والقانوني المزمن، والفسادِ والجريمة وظواهر التقسيم المزعوم، مع تصريحاتٍ إعلامية تبدو كبالون اختبار لعدد من تجار الطوائف يطالبون بتقسيم العراق إلى أقاليمَ طائفيةٍ وعرقية.

إنَّ البرلمان والطبقة السياسية الحالية تتحمل مسئولية ذلك، كونها غيبت الرأيَ الآخرَ، رأي الشعب، وألغت الحياة َالدستورية، فعن أي عراق ديمقراطي يتكلمون عنه وهم يخططون في الخفاء لتقسيم بلد عمره قد تجاوز سبعة آلاف عام؟! وهل في تقسيم العراق وفدرلتِه يكمن الحل؟! وكيف بعد كل هذه المعاناة وهذا الصبر سينتهي الأمر بتقسيم العراق؟! ولماذا لا تُمنح الحقوق للشعب المظلوم إلا عن طريق تقسيم بلدنا ووطننا العريق؟!

المخاوف من تقسيم العراق باتت جدية اليوم، خاصة إذا ما اطّلع المرء على تصريحات الساسة بأن تقسيم العراق يبقى الحل السحري في حال تعذّر تحقيق "الديمقراطية".. إذا نحن ننتقل من كذبة إلى كذبة، ككذبة أسلحة الدمار الشامل المزعومة، لكن فات هؤلاء جميعًا اليوم أن الشعب العراقي أذكى من ألاعيبهم حينما قاومهم منذ البداية وأسقط عنهم ورقة التوت التي كانوا يتسترون بها حين جاءوا إلى بلاد الرافدين، وأن الجماهير ستقف سدًّا منيعًا في وجه هذه المخططات الشيطانية وفي وجه كل من يحاول النيل من وحدة العراق وشعبه.. فلو أعاد هؤلاء قراءة التاريخ لوجدوا أن العراق وشعبه مرّا بأهوال احتلال ومعاناة لم يشهد مثلها أي وطن، وقد خرج العراق بعدها بشعبه الصامد، موحَّدًا وقويًّا.

إن حكاية العراقيين مع هويتهم الوطنية في الوقت الحالي، هي حكاية مؤلمة، نعم هذه حقيقة العراقيين المؤلمة، فمنذ قرون وحتى الآن، تراهم يجهلون عظمة هويتهم رغم أنهم يعيشون كل لحظة من حياتهم في ظلها.. طرق معيشتهم وتقاليدهم وفنونهم وآدابهم ولغاتهم ولهجاتهم وميراثهم ونفسيتهم وعقليتهم وثيابهم ومأكلهم وأرضهم ومناخهم، كل شيء فيهم يحمل ميراث آلاف الأعوام من تلك الحضارات الواحدة المتسلسلة العريقة الشامخة، منذ فجر التاريخ وحتى الآن.. فماذا جرى ويجري الآن؟!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد