365 يوما.. ويوم

التغيير مقيم فينا، ولا يلزمنا سوى تعهّده بالرعاية "وما يتم تعهده بالرعاية بأقصى حماس ممكن، يتقدم نحو أقصى اكتمال ممكن" يقول الكاتب الأميركي دين سايمنتن.

عربي بوست
تم النشر: 2016/02/04 الساعة 03:33 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/02/04 الساعة 03:33 بتوقيت غرينتش

أؤمن أنّه بعدد أحرف الكلمات التي سنكتبها معًا، نجد نظيرًا لها ضمن حقل معجمي من قبيل: "أتغيّر، تغيير، أغيّر، تبديل، يتبدّل.." يرددها الكلّ، فللّحظة قد ذكرت زهاء 60 مرة. فما القصة إذن وراء هذه الكلمة "تغيير"؟
ماذا نريد أن نغيّر؟ ولأجل من؟ أنتغير نزولا عن رغبة أحد أم طواعية وقناعة؟
نغيّر جوالاتنا، نغيّر حواسيبنا المحمولة، أثاث منازلنا، ديكورات.. وماذا عنّا نحن؟

في الواقع، إنه متى أدركنا كنه النقص فينا فلن يكون من الصعب إطلاقا إدراك التغيير، وإذن فالأمور تبدأ بتصرف واع إدراكي منّا خاضع لقرار حاسم يوسّع بؤرة الإيجابية. تحرير لطاقة كامنة فينا.. فيكَ.. فيَّ.

"من امتلك شغف التغيير تغيَّر".. قالها هيراقليطس منذ قرون وأعادها كثيرون من بعده بصيغ متشاكلة، غاندي، تولستوي، ابراهيم الفقي، الشيء الوحيد الثابت في الحياة هو التغيير المستمر..
التغيير يرّمم طاقتنا يعيد توجيهها "الطاقة هي البهجة" يقول وليم بليك.

تخيّل معي كم من طاقة يهبها لنا الله مع كل إشراقة لكن سرعان ما تتبدّد بِــ:
إحساس بذنب.. أي ذنب؟.. لا ندري!
شعور بضعف.. لمَ الضعف؟.. نرتبك!
خوف من المستقبل.. الساعة الآن الثامنة والدقيقة الثلاثون صباحا؟.. لننشغل بها فقط.
عدم فعل أي شيء.. لنفعل كل شيء.. شيئا جنونيا.. سنحاول، فيما نعتقد أننا نجيده.
كلها منغّصات، معوقات، إيهامات، مختلقات تحيد عن الهدف الأساس.

قد يتباين إدراكنا وتجلو فروقات من شخص لآخر، غير أنه ما يجب أن نتفق عليه هو أنّ أفول الرغبة في التغيير لا يعني اضمحلالها؛ فكم من أرض هامدة مجدبة اهتزت وربت بعد قطرة، بعد رعشة، فقط نحتاج إلى تلك الدفعة الخفيفة التي تحرك النفس، تلك الشحنة ذات التوتر المنخفض التي تحفز الشق الأيمن من الدماغ نحو الإدراك والتخييل والوعي الداخلي والفراسة والإبداع وبالتالي التغيير.

فاليوم الواحد بعد الـ365 هو يوم الحسم، يوم الانتشاء. نوع من الإجحاف نرتكبه في حقّنا إن توقّعنا أنّ التغيير يأتي بالصدفة، بالحظ، وبلا مقابل، هو يأتي بعد جهد، بعد ثرثرة عقلية جامحة، أخذ ورد، شدّ وجذب، كي يتم الانجذاب والنزوع نحو حتميّة التحرر بل التغير الفعلي الذي ننشده، وسيقودنا إلى ذلك التأمل؛ ومن ثمَّ فـ"التأمل ليس تركيزا، ليس انتباها، إنه وعي ويقظة" يقول أوشو، هو ضرورة قصوى قبل أي خطوة، نتأمل في غاياتنا من هذا التغيير؛ وكل غاية في التغيير محمودة ما دامت تنطلق من وعينا بها، وحصرنا لها في حيز وجودي موقوت. هالة التغيير هي فوقنا، هي تحتنا، معنا، نحتاج لمن يدخلها علينا.. إلينا.. سندخلها نحن، لن نحتاج لمساعدة، فنحن الرغبة بأسرها.
التغيير مقيم فينا، ولا يلزمنا سوى تعهّده بالرعاية "وما يتم تعهده بالرعاية بأقصى حماس ممكن، يتقدم نحو أقصى اكتمال ممكن" يقول الكاتب الأميركي دين سايمنتن.

ومنه سنجعل لفكرة التغيير بين أفكارنا الحظوة ننزلها بين الأفكار السلبية بقناعات حاسمة فتنال "سندا جماهيريا" وبذا تستحيل كل فكرة سلبية إلى إيجابية هو المبدأ الذي ينظّر له روبرت سيالديني، مبدأ السيادة للجماعة ذات الحظوة، بتعبير آخر فإن اقتناعنا بفكرة التغيير وجعلها محور حياتنا، حتما سيفضي إلى نيلها.

أخيرا علينا ألاّ نخشى من الأفكار المتلاحقة، ولا من هاجس المجهول، فالتفكير هو التحديق إلى العالم، وما دمنا نفكر فلا يزال في هذا العالم مثير للرؤية، أي متغير، ومشاركتنا في هذه الرؤية، هو أن نتغير.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد