من الأمور التي تزعجني في عالم السينما، تصوير الصحفي على أنه شخص مزعج يلاحق الشخصيات طمعًا في الحصول على صورة أو تصريح وينتظرهم أمام بيوتهم بالساعات.. ثم يخرج الشخص المعني ليركب سيارته الفارهة ويغلق بابها في وجوه عشرات الصحفيين.. ما هذا بربكم؟!
لا يا سادة، ما تريد إيصاله السينما والمسلسلات خاطئ ومشوه، نحن نقف بالساعات نبحث عن بصيص أمل للشعوب.. عن جسر للعبور، ننتظر بالساعات ونقف بالمؤتمرات لكي نوصل رسالة الشعوب، نحمل قضايا الفقر والبطالة والإقصاء السياسي ونضعها بأسئلة نحاصر بها الناطق المعني، ننتظر ولكن ليس بهذه الصورة وبهذه الطريقة، نعم ننتظر خبرا ينصف مظلومًا ويوقع ظالمًا، ونقف لساعات لا نجري وراء فنان أو مشهور كما يُفهم، فليست الصحافة الحقيقية التي تجري وراء المال وأصحابه ووراء البضاعة الرخيصة التي تروج لنفسها من خلال "الجنس".
عند وقوع رؤساء الدول بمأزق فإنهم يتصلون بصحفيين كي يحظوا بفرصة توضيح صريحة أمامَ شعوبهم من خلال ثقة شعوبهم بذلك الصحفي، وكبار سلطة هنا أو هناك ينشرون صورهم مع صحفيين متفاخرين بوقوفهم مع شخصيات عظيمة ليست كأي الشخصيات، الصحافة الحقيقية ليست كاميرا مأجورة يا سادة، نحن نلاحَق ولا نلاحِق، نلاحَق من الفسدة لكشف فسادهم ولا نلاحِق كل من هبَّ ودبَّ كما تصور الدراما المأجورة التي تخدع شعوبها.
نحن لسنا شيئًا مخيفًا يسعى لأن يفضح ويثير القلاقل، ما يحاول أشرار الكوكب إيصاله لكم هو تشويه لمن ينقذ العالم، لأشخاص يحملون همه لحل همومه، لموسوعة ثقافية تمشي بين الناس بكاميرات متواضعة، ترصد عيشهم وتنطق باسمهم وتتحمل مأساتهم.. ما لم يعرفه الناس عن الصحفي هو أنه يحمل روحه على كفه كي يساعد شعبًا محاصرًا، إنه يُفني عمره لنهضة أمة..
المصور الصحفي "كيفين كارتر" الذي صور طفلة وهي تزحف إلى أحد مراكز الغذاء وبجانبها نسر يحاول افتراسها، حاز على جائزة "بوليتزر" عن صورته التي أنقذ فيها شعبًا كاملًا من مجاعة عام 1993 في السودان، وتلك الصورة التي هزت العالم ونشرتها وسائل الإعلام وفيها الطفل السوري الذي فقد الحياة وهو يحاول النجاة من الحرب خلال العبور من البحر ممددًا على بطنه عند الشواطئ التركية، الصورة التي فتحت أبواب أوروبا أمام المهاجرين برغم جشع الدولة المجرية! أين الصحفي "الإنسان" من عيون السينما العالمية؟!
غسان كنفاني الصحفي الفلسطيني الذي تم اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد) عندما كان عمره 36 عامًا بتفخيخ سيارته في بيروت، صاحب الرواية المشهورة "عائد إلى حيفا"، كتب بشكل أساسي بمواضيع التحرر الفلسطيني وكان رئيس تحرير جريدة (المحرر) اللبنانية وبعدها مجلة "الهدف"، أين صورة الصحفي المقاوم للاحتلال من عيون السينما العالمية؟!
ليست الشهرة أو المال كما يظن بعض الناس غاية الصحفي، لا أنسى لحظة استشهاد مراسل قناة الجزيرة طارق أيوب، عندما قصفت الطائرات الأميركية مكتبها في بغداد عام 2003، وكيف أنسى وقت أن هتفت شعوب الربيع العربي لمدير قسم التصوير في قناة الجزيرة علي الجابر، بعد تعرضه لكمين من مرتزقة القذافي في ليبيا ما أدى إلى استشهاده.أين الصحفي الرافض للحرب وطمع الدول الناهبة من عيون السينما العالمية؟!
العالم قام ولم يقعد عندما اعتقلت السلطات الألمانية بتواطؤ مع السيسي الصحفي المخضرم أحمد منصور وبأقل من 24 ساعة يعقد البرلمان الألماني في برلين جلسة طارئة، وفي تركيا وقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مطالبًا بفك أسره على الفور ومخاطبًا الشعوب وساستها عن نزاهة وحقيقة الصحفي في مواجهة الانقلاب الدكتاتوري في مصر ومساهمته في كشف فساده.أين الصحفي الحر من عيون السينما العالمية؟!
انا أتصل بزميل صحفي من فلسطين فأسمع نغمة سوف نبقى هنا، وبزميلي من لبنان فيرد علي بـ"موطني موطني".. وبزميلي من قاهرة المعز فيجيبني "الثورة فينا ما بقينا".
الصحفي يا سادة هو وطن بأكمله، هو نسيج بحياكة متقنة مملوء بألوان الانتماء للأوطان والتضحية لها، بألوان قصيدة أبي قاسم الشابي "إذا الشعب يومًا أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر".
نعم أيها القراء إن الصحفي مَن يفرض احترامه على العالم بقوله الحق في أي مكان وأي زمان.. والفخر كل الفخر بأنني أنتمي لهذا العالم الجميل، وشعوري الكامل أنني لا أذهب للوظيفة ولا أعتبرها مهنة.. فأنا أذهب لبيتي وأعتبرها هوايتي، وقولي فيه على الدوام إن الحيادية هي ذاتها "البحث عن الحقيقة والوقوف بجانب الحق".
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.