مصر إلى أين..؟ أسئلة “وأعدوا”

لا ينكر منكر خطايا العسكر.. ولكن لدى الإخوان أخطاء من ينكر ذلك يعاند سنن الله تعالى، والذين يدفعون الجماعة نحو حمل السلاح اليوم، وهم خارج مصر ناعمون هانئون في بيوتهم مع أبنائهم في الخارج ومع بعضهم أموال تم تحويلها من مص

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/29 الساعة 01:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/29 الساعة 01:32 بتوقيت غرينتش

لقيني بعد عتاب وانقطاع وبادرني بالقول:
ـ هل تصدق ويصدق أحد أن هناك ثورة في مصر وستكتمل..؟

صديقي واحد ممَنْ عانوا تداعيات "انكسار الحلم الثوري"، ومن الانقلاب وما جرَّه على مصر، ويكفي القول إن "الانقلاب" أعاد مصر إلى ما أسوأ من عهد المخلوع حسني مبارك، وصديقي الذي يحدثني يتجاوز الستين من العمر.. وأبعاد كلماته كثيراً ما لا أتحملها بمنتهى الصراحة، وألقي حجراً في نهر الكلمات بيننا فيحدث دوائر هنا وهناك، وبسببها ينقطع خيط اللقاء، ويتصل بعد حين.

ولكنه هذه المرة يُقرُّ بإن 25 من يناير/كانون الثاني 2011م لم تكن ثورة على الإطلاق، وإنما هي مؤامرة أميركية، فلما قلت له إن الربيع العربي الذي يترنح اليوم هو دافعه لأن يقول هذه الكلمات التي كان يرفض بعضاً منها من قبل.. ومنذ أشهر قليلة فقط، رد:
ـ تم تدريب كوادر أدعتْ الثورية في يوغوسلافيا من قبل على مهاجمة أقسام الشرطة، وما كان من بعد مجرد مسلسل أميركي مُحكم!
وأضاف:
ـ ليس من طبيعة شعب كالشعب المصري "الثورة" وإنما كانت هبّة شعبية استثمرها الجيش ليصل إلى إقصاء جمال مبارك من السلطة، ولم يكن ذلك هدف الجيش وحده، بل هدفاً أميركياً.. أعانتْ الثوار على تحقيقه ثم تخلتْ عن المشهد كله..

تذكرتُ المشهد لما قامت باكستان منذ سنوات بالتفجيرات النووية في المساحة الفارقة بينها وبين الهند!
وفيما يستعد بعض الأصدقاء للاحتفال بذكرى ثورة يناير في مفتتح عامها الخامس، كنت أجلس بينهم صامتاً، فاستثار أكثر من واحد منهم صمتي ليسأل، حتى اضطررتُ إلى القول له:
ـ أنت تعلم وأعلم تماماً أنه لن يكون هناك تغيير في مصر خلال الساعات القليلة المقبلة، وأنني لأتمنى ألا نبادر بدعوة الناس إلى الخروج، لئلا نتحمل دماءهم واعتقالهم!

وفيما ثار نقاش صاخب مع صديق شخصي.. رحت أرقب أسئلته عن ضرورة مواجهة الظالم من الناس والأخذ على يديه، ورحتْ أتساءل:
ـ متى كان في الإسلام أن يخرج المرء عاري الصدر ليواجه عدواً مسلحاً؟!
وكان محاوري يستشهد بضرورة الأخذ على يد الظالم، وأقول له إذا كنا غير مستعدين للأخذ على يديه فما الحل إذن؟
أوليس حسن الإعداد لمواجهته في مرة أخرى أفضل وأكرم؟ وفيما راح الرجل يعدد سبل المقاومة، ويظن أنني إنما أدعو إلى "لملمة الإرث الثوري"، فيما كانت الأحزان تقطر من أرجاء القلب..

لم تكن أميركا لتحيط علماً بالعالم، تلك كانت جملة نهاية الحوار الأول مع الصديق الأول، ولم يكن الله ليرضيه أن يستمر مسلسل إفناء شرفاء مصر عن بكرة أبيهم، ذاك ما أقوله للصديق الثاني، لأن الثورة التي أرادوها لم تحقق أهدافها، هل شهد التاريخ معركة تمت فيها هزيمة طرف من الأطراف فآثر مواجهة القتال حتى النهاية قابلاً إفناء جيشه نظير تحقيق هدفه؟ هل فعل هذا الأمر الرسول -صلى الله عليه وسلم- عقب موقعة أُحد؟ أم أنه أخذ جيشه بعيداً ليعطف على إعداده.. ويخوض به معركة جديدة، وإلا فأين الآية الكريمة:
"وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ" الآية 60 من سورة الانفال.

والآية الكريمة عاشتْ منذ نهاية العشرينيات من القرن الماضي مفجراً لجهود الإخوان، التي لا ينكرها إلا متحامل في مصر، ولكن روح الآية غابت عنهم -للأسف- لما تصدوا لانتخابات الرئاسة في أبريل/نيسان 2012م دون إعداد كافٍ لذلك، وعلى عكس ما أعلنوه على لسان رئيس حزب الحرية والعدالة الرئيس محمد مرسي، قبلها بشهور قليلة؟ وأين "وأعدوا" من عدم فصل الدعوى من الجماعة عن السياسة على مدار سنوات بعد الثورة؟ وأين ذلك من عدم الحرص على توعية الشعب المصري كما ساعدتمونه اجتماعياً؟ وأين "وأعدوا" من الزج بقوة الجماعة البشرية نحو مؤامرة دولية؟ والكلمات للدكتور محمد البلتاجي في منتصف عام 2012م -فك الله أسره- وأين ذلك من محاولة بناء بنيان إسلامي على أنقاض دولة مبارك طوال فترة حكم الرئيس محمد مرسي؟ ولا يقلل من جهده -فك الله أسره- إلا منكر، ولكن أين تمام البنيان والجميع كان يظن أن الله يرضى بنيان على أنقاض دولة مبارك؟

وتتمادى الأسئلة "لماذا تم الدفع بالملايين للاعتصام في "رابعة العدوية" ولرابعة مني كل التقدير العاطفي.. ولكن لماذا حشدتم الناس فيها من أقاصي البلاد..؟ وأحسنتم الظن بالجيش وظننتم ألا يقتلهم.. حتى بعد قيام الانقلاب والتمادي في إحسان الظن من قبل؟ ولماذا لا توجد حتى رؤية حقيقية لكيفية إدارة الصراع في مصر حتى اللحظة؟ ولماذا يتم الزج بالناس لمزيد من الموت والإصابة والاعتقال حتى الآن.. فيما القيادات بالغة الانقسام؟ وأين المحاسبة على ما كان في رابعة وقبلها وبعدها؟ وإذا كان كل مخطئ سيستمر في مكانه ومنصبه فأين التعلم من الأخطاء إذن؟

لا ينكر منكر خطايا العسكر.. ولكن لدى الإخوان أخطاء من ينكر ذلك يعاند سنن الله تعالى، والذين يدفعون الجماعة نحو حمل السلاح اليوم، وهم خارج مصر ناعمون هانئون في بيوتهم مع أبنائهم في الخارج ومع بعضهم أموال تم تحويلها من مصر.. فيما لا يسألهم أحد عن أخطاء واضحة في حق أنفسهم قبل الصف والثوار، وإذا كانت الجماعة -مع بالغ احترامي لها- لا تستطيع تنقية صفها اليوم، فكيف ستتم مثل الصراع الذي تراه صفرياً بينها وبين العسكر؟

وإذا كان في جيش مصر عتاة مجرمين.. فمن يجزم أن الجيش كله كذلك؟ ومتى استطاع الإخوان نيل حق لهم من قبل كي يحصلوا عليه اليوم؟ بل أين دم مرشدهم الأول، رحمه الله، الإمام حسن البنا؟ وهل استطاع الإخوان نيل حقوق من ماتوا في سجون عبد الناصر لينالوا بالغ حقوقهم الآن؟ وهل إن لم ننل حقنا في الدنيا.. وكان القاضي مسيساً.. هل ذلك يعني أننا لن ننال حقوقنا لدى الله؟ وإنه لن ينتقم لنا؟

إذا هاجمك كلب عقور -لا قدر الله- وإذا وقفتْ أطاح بقدمك.. وإن تقدمت عقرك.. فما الحل؟ أليس الرجوع إلى الخلف ثم ضربه بأكبر حجر أمامك؟ وأليس هذا معنى "وأعدوا"؟ وأليس هذا ما أقره نجم الدين أربكان بعد انقلاب الجيش عليه عام 1994م، ومنع حمامات الدم في تركيا، وأوعز إلى رجب طيب أردوغان بالانفصال عن حزب الفضيلة وتكوين حزب جديد استطاع حكم تركيا من جديد.. ورحمتها من طوفان الدماء.. والانتصار للإسلام قبل الأشخاص..

أين منا كل هذه الأسئلة قبل الدعوة إلى الزج بآلاف المصريين من جديد في أتون نيران لا يعرف إلا الله مداها؟
وهل هذا معنى "وأعدوا"؟.. هدى الله الجميع إلى ما فيه خير البلاد والعباد.. الدنيا والآخرة.. وأعاننا وأعانهم..

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد