كنتُ ضحية الجانب المظلم لسياسات «جيب بوش» واستغلال تفجيرات 11 سبتمبر/أيلول

قد تكون ممارسة السلطة الحقيقية شيئاً نبيلاً حين تُمارس وفقاً للحقيقة، والصدق، والتواضع. وعلى حد تعبير الفيلسوفة السياسية حنا أرندت: «لا تتحقَّق السُلطة إلَّا حين يتوافق الكلام والأفعال، فلا تغدو الكلمات فارغةً والأفعال وحشيةً،

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/29 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/29 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش

قال جون كينيدي ذات مرة: "تريد الأمهات جميعاً أن يصبح أبناؤهن رؤساء دول حين يكبرون، لكنَّهن لا يردن لهم أن يتحوَّلوا إلى سياسيين وهُم في طريقهم إلى الكرسي". اكتسب السياسيون، لسوء الحظ، سمعةً سيئةً تصِمُهم عموماً بالكذب، والخداع، والنفاق والتعطُّش للسلطة. ربما يكون أكثرهم كذلك، ولكنَّهم ليسوا سواءً.

في عام 1998، كنتُ أحد أشد المعارضين للاستخدام غير الدستوري للأدلة السرية في محاكم الهجرة الأميركية. لقد كان المسؤولون الفيدراليون يستخدمون هذه الممارسة حصراً ضد العرب والمسلمين مع استثناءات قليلة، باحتجازهم دون السماح لهم بالدفاع عن أنفسهم بأيَّة طريقة مُجدية؛ لأنَّ الأدلة المُقدَّمة إلى القضاة قد أُخفيت من المُعتقلين ومحاميهم. وقررَّنا تشكيل حركة لإلغاء استخدام الأدلة السرية؛ فبدأنا البحث عن شخصيات سياسية يُمكنها تبني هذه القضية المهمة.

وبعد بحثٍ مضنٍ عن حلفاء محتملين بين المسؤولين المنتخبين، أبدى اثنان من أعضاء الكونغرس الأميركي رغبتيهما في دعم أحدث معارك النضال من أجل الحقوق المدنية، وهُما ديفيد بونيور (النائب الديمقراطي عن ولاية ميشيغان) وتوم كامبل (النائب الجمهوري عن ولاية كاليفورنيا). لقد أظهرا اهتماماً حقيقياً وأثبتا شجاعةً كبيرةً في مواجهة تنامي المشاعر المعادية للعرب والمسلمين التي ترعاها العديد من جماعات المصالح وبث الكراهية.

وفي يونيو/حزيران من عام 1999، قدَّم بونيور وكامبل مشروع قانون في الكونغرس لإلغاء استخدام الأدلة السرية وحظر تلك الممارسة. وعبر تعاملي المستمر مع عضوي الكونغرس المذكورين، وجدتهما سياسيين لا تنقصهما الشجاعة في اتخاذ موقف مبدئي يدافع عن جماعة مُستضعفة واضعين حياتهما السياسية في خطر. وقد تحقَّق الجميع من صحة هذا الموقف الشجاع حين مرَّرت اللجنة القضائية في مجلس النواب مشروع القانون في سبتمبر/أيلول من عام 2000.

وخلال الفترة نفسها، خاطبت جيب بوش، حاكم ولاية فلوريدا آنذاك، والمرشح الرئاسي حالياً في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري. سلَّمته رسالةً في مقابلاتنا الأولى أُعرِّف فيها نفسي باعتباري أستاذاً في إحدى الجامعات في الولاية التي يحكمها. شرحت في رسالتي بإيجازٍ مشكلة الأدلة السرية، وأبديت استعدادي لدعم حملة أخيه جورج بوش الابن للترشُّح في الانتخابات الرئاسية سعياً لإنهاء استخدام تلك الأدلة. وفي غضون أيام وصلتني رسالة منه تُوجهني لمخاطبة مسؤولي الحملة المعنيين بالأمر، وبعد فترةٍ وجيزةٍ بدأت أتلقَّي مواد الحملة وجداول مواعيدها.

وفي غضون الأشهر القليلة التي تَلَت هذه الرسالة، التقيت جيب بوش 4 أو 5 مرات: واحدةً في منتدىً تعليميٍ، والأخريات في مناسبات تتعلَّق بحملة أخيه. ثم التقيت أخاه جورج بوش في شهر مارس/أذار من عام 2000، تتويجاً لتواصلي مع جيب، في حفل الحملة في مدينة "بلانت" بفلوريدا. شرحت لجورج بوش باختصار الطريقة البشعة التي تستخدم بها الأدلة السرية، ووصل جيب في هذه الأثناء واحتضن شقيقه الذي قال له بدوره: "التقِ هذه العائلة اللطيفة"، ودعا ابني "الشاب الكبير".

ردَّ جيب على الفور: "أجل، أنا أعرف سامي".

أذكر هذه الحادثة لأنَّ مراسلاً لجريدة "بالم بيتش بوست" يُدعة بول لومارتير قد وجَّه سؤالاً لجيب بوش حاكم فلوريدا بعد اعتقالي في عام 2003 عن علاقتنا؛ فجاء رد بوش بأننا لم نتلقِ قط. ومع أنَّ هذه الإجابة الكاذبة كانت كاشفةً، إلَّا أنَّها لم تكُن مُستغربةَ بالنظر لرغبته في إخفاء دوره المركزي في التخطيط لفصلي من الجامعة وأيضًا لإدانتي بطريقة مُسيَّسة تماماً.

ولسنوات عديدة قبل الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، كانت الجماعات الموالية لإسرائيل ومؤيدوها يحاولون تشويه سمعتي وعزلي من وظيفتي أستاذاً في جامعة ساوث فلوريدا التي بدأت التدريس بها في عام 1986. لكن خططهم قد فشلت لأنّي كنت أستاذاً دائماً. ومع ذلك، وجدوا الثغرة التي كانوا يسعون إليها في خضم الخوف والهستيريا التي اجتاحت البلاد بعد الحادي عشر من سبتمبر. ضعفت رئيسة الجامعة المُعيَّنة حديثاً –المعروفة بموالاتها لإسرائيل– تحت الضغط؛ فبدأت إجراءات فصلي من الجامعة (دون أيَّة مراعاة للأصول القانونية) في ديسمبر/كانون الأول من عام 2001.

وبعد فترة وجيزة، أصبحت محاولة فصلي قضيةً تحظى باهتمامٍ كبيرٍ على المستوى الوطني؛ مما دفع العديد من أعضاء هيئات التدريس إلى دعم قضيتي ودفع اتحادات أعضاء هيئات التدريس إلى مؤازرتي، ودفع العديد من وسائل الإعلام المحلية والوطنية، بما فيها صحيفة نيويورك تايمز، إلى إدانة تلك الإجراءات. وبحلول ربيع عام 2002، أجرى الاتحاد الأميركي لأساتذة الجامعات (وهي المؤسسة المسؤولة عن الحفاظ على الحرية الأكاديمية ونظام التثبيت الوظيفي للأساتذة) تحقيقاً أسفر عن تقرير يدين تصرُّف الجامعة.

وخلال تلك الفترة حذَّر الاتحادُ رئيسة جامعة ساوث فلوريدا، وأعطاها فرصةً حتَّى خريف العام نفسه لإعادتي إلى عملي أو مواجهة الإدانة، وهو الأمر الذي كان من شأنه أن يُدرج الجامعة في القائمة السوداء لتجاهُلها الحرية الأكاديمية؛ مما كان سيضُر بسمعة الجامعة ضررًا شديدًا. وقبل هذا التحذير، كانت رئيسة جامعة ساوث فلوريدا قد خاطبت المحامي العام المحلي الأميركي، في فبراير/شباط 2002، الذي أعلن بدوره (في خطوة غير معتادة) أنَّ تحقيقاً تجريه هيئة المحلفين الكبرى قد بدأ..

وذكر محامي الجامعة آنذاك أنَّ "إصدار لائحة اتهام من شأنه أن يدعم موقف الجامعة في القضية".

وقد كُشفت علاقة وثيقة بين الجامعة ومكتب التحقيقات الفيدرالي (إف بي آي) في تحقيق أجرته صحيفة عن قضية منفصلة تماماً تخُص أستاذاً آخر.

اتهمت الجامعة "داجين بينغ"، الأستاذ الأميركي من أصل صيني، بسرقة أموال وتزوير وثائق. ووفقاً لرواية بينغ، اجتمع به مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2009 وحاول تجنيده للتجسُّس على الحكومة الصينية، ووعده المكتب بمساعدته في حل مشاكله مع الجامعة نظير تعاونه وأخبروه أن "الجامعة تشعر بالامتنان لعمل المكتب على اتهام العريان في عام 2003". وقال محامي العمل الخاص بي روبرت ماكي للصحيفة نفسها إنَّ الجامعة قد ألغت صفقةً لشراء ولائي بمُقابل يقرب من مليون دولار أميركي لأنَّهم كانوا يتوقَّعون إصدار لائحة اتهام.

كان ماكي يشير إلى عرضٍ تقدَّمت به الجامعة في أغسطس/آب 2002، قبل بضعة أيام فقط من الموعد النهائي لتحذير الاتحاد الأميركي لأساتذة الجامعات. ونظير المليون دولار تلك، طلبت الجامعة مني تقديم استقالتي لتجنُّب إدانة الاتحاد للجامعة في القضية. لكن مجلس الجامعة كان يجب أن يُقر الاتفاق أولاً، فتمكَّن رئيسه -الذي كان يهاجمني علناً لعدة أشهر- من إيقافه..

كان رئيس المجلس ديك بيرد رجل أعمال جمهوري مُعيَّن مباشرةً من قِبل حاكم الولاية جيب بوش. اتصل "بيرد" فوراً بحاكم الولاية لإنقاذ الجامعة ولكن بوش طلب مزيداً من الوقت لمعالجة هذه المسألة.

وبدلاً من أن ترسل إليَّ عرضاً مكتوباً كما وعدت، قدَّمت جامعة ساوث فلوريدا دعوى قضائية لفصلي من عملي، بدأتها في محكمة الولاية، ثمَّ قدمت دعوى أخرى في محكمة فيدرالية. كان من الواضح أنَّ الهدف من هذه الإجراءات هو كسب المزيد من الوقت كما طلب بوش. وبحلول الوقت الذي رُفضت فيه القضيتان كلتاهما بعد أربعة أشهر، كانت الحكومة الفيدرالية مُستعدة للبدء في توجيه اتهاماتها السياسية المُبالغ بها.

ووفقاً لمعلومات أدلى بها مصدرٌ مُطلع داخل إدارة جيب بوش في تالاهاسي، خاطب حاكم الولاية بوش في أسبوعٍ من شهر أغسطس/آب البيت الأبيض ووزارة العدل لتسريع إجراءات التحقيق وإصدار لائحة اتهام؛ فسرَّعت هيئة محلفين كبرى (كانت مُتعطلة عن العمل لعدة أشهر) لقاءاتها السرية في الفترة ما بين سبتمبر/أيلول 2002 وفبراير/شباط 2003 كما يتضح من محاضر الاجتماعات التي جرى استعراضها خلال هذا محاكمتي. كان واضحًا أنَّ لائحة الاتهام التي أُصدرت متسرعةً بشدة؛ فقد احتوت على العديد من الأخطاء الأساسية في وقائع القضية؛ مما اضطرت الحكومة إلى مراجعة لائحة الاتهام في وقت لاحق بعد 17 شهراً وإصدار أخرى مُعدَّلة بطلبٍ من القاضي.

وظهرت حقيقة أنَّها قضية سياسية بصورةٍ صارخةٍ عندما اعترفت الحكومة بأنَّها لم تكن على استعداد للنظر في القضية بعد أن رفضت التنازل عن حقي في محاكمة سريعة حين استُدعيت إلى المحكمة في أبريل/نيسان 2003. أصاب المُدعين حالة من الذعر؛ وطالبوا بتأجيل النظر في القضية 18 شهراً للاستعداد لها، ووافق القاضي على طلب التأجيل بسرعة. في الواقع، وكما يتضح في هذه المناظرة، كانت قضيتي سياسيةً إلى الدرجة التي جعلت كلا المرشحين لعضوية مجلس الشيوخ عن فلوريدا في عام 2004 يتلاعب بالقضية بطريقةٍ تبعث على السخرية. في ولاية يبلغ تعداد سكانها 17 مليون شخص، خُصص أكثر من ربع وقت المناظرة لقضيةٍ كانت ما تزال في انتظار المحاكمة، حيث يفترض أنَّ المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وكما لاحظ بسمارك من قبل: "السياسة هي فن الممكن"، أي الفن الذي تُستخدم فيه أدوات الديمقراطية، مثل المساومة والتفاوض، والتسوية، لتطوير المجتمعات وإدارة الدول الحديثة. يُنتخب السياسيون ويعهد إليهم الجمهور بخدمة المصالح المشتركة وحماية حقوق الشعب والقيم التي يعتز بها المجتمع، مثل: العدالة، والحرية، والمساواة. ولكن حين يتلاعب السياسيون بمواقفهم لترجيح كفة الميزان ويسيئون استخدام النظام، يصبحون محط سخرية الشعب ويفقدون ثقتهم. وفي استطلاع حديث قال 19% فقط من الأميركيين إنَّهم يثقون بحكومتهم، وهي نسبة من أدنى النسب على مدى نصف قرن.

في الواقع، يُعد الجانب المظلم من السياسة الذي يتمثَّل في السعي إلى السلطة بأيَّة وسيلة تدميراً للديمقراطية نفسها؛ والدليل على ذلك ما نراه من نفور المواطنين من السياسيين ذوي التاريخ الطويل وفقدانهم الثقة في أولئك السياسيين لصالح المبتدئين والديماغوغيين كما يتبين من الناخبين المُحتمل مشاركتهم في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري في هذا الموسم الانتخابي.

قد تكون ممارسة السلطة الحقيقية شيئاً نبيلاً حين تُمارس وفقاً للحقيقة، والصدق، والتواضع. وعلى حد تعبير الفيلسوفة السياسية حنا أرندت: "لا تتحقَّق السُلطة إلَّا حين يتوافق الكلام والأفعال، فلا تغدو الكلمات فارغةً والأفعال وحشيةً، ولا تُستخدم الكلمات لإخفاء النوايا بل لكشف الحقائق، ولا تُستخدم الأفعال للانتهاك والتدمير بل لإقامة علاقات وخلق واقع جديد".

المقال الأصلي منشور باللغة الإنجليزية على موقع Alternet

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد