سنقاتلهم بالواقيات الذكرية

تحول شادي إلى أيقونة بسبب أنه قام بفعلٍ شجاعٍ كسر به بعض القيود السياسية والمجتمعية، هؤلاء الشباب الغاضبون من الوضع التوّاقون لكسر شوكته، كثيرون، يائسون، غاضبون للغاية، هم فقط ينتظرون لحظة الانفجار، فاحذروا.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/28 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/28 الساعة 03:43 بتوقيت غرينتش

1

في دولةٍ ملعونةٍ ما، نزلت شابةٌ جميلةٌ كالأحلامِ بباقةٍ من الورود فقُتلت ولم يهتم أحد، فنزل بعدها بعامٍ شابان بأوقية ذكريةٍ وأهدياها لمن قتلوها فانقلبت الدنيا، في أم الدنيا.

2
حين يعم الخوف وتنقطع الألسن ويكون الكلام بلا طائل، تحتاج وقتها العديد من المفاهيم لإعادة النظر بما يتوافق مع الظرف المحيط، فالمفاهيم الكبرى والمعايير المجتمعية والنصوص المقدسة أيضًا لا يمكن أن تكون أقوى من حكم الظرف الراهن، ماذا يقصد ذلك السافل الزنديق الذي يتحدث؟ لنرى.

3
في العرف الديني والمجتمعي تخضع السخرية لكثيرٍ من التقييد، على سبيل المثال لا تصح السخرية من معاناة أحدهم، لا تصح السخرية مما يحترمه الناس لأن هذا يثير حفيظتهم، لا تصح السخرية من الحاكم لأن له حق الاحترام، هذا معروفٌ بالطبع.

هذه وغيرها أحكامٌ مطلقةٌ لا تخضع لحكم واقعٍ بعينه، فلنعيد النظر فيها بحكم واقعنا.

الواقع المتردي دائمًا يحتاج لمراجعة تمهيدًا لتغييره، وقبل التغيير يجب الاعتراف بوجود الخلل، هناك طرقٌ عديدة للاعتراف بوجود الخلل، ولكن الطريقة الأقسى والأكثر فضحًا للعيوب والأكثر جلدًا للذات ستكون دائمًا وأبدًا هى السخرية.

ماذا بيدك إن حاولت إيضاح وجود الخلل ولم يستمع لك أحد؟ ماذا بيدك إن مُنعت من الإيضاح؟ ماذا بيدك إن أُذيت وأنت تحاول؟ مذا تفعل إن أُقفلت الأبواب تمامًا؟ مذا بيدك وأنت الأن ضعيفٌ تمامًا، يائسٌ تمامًا، بلا حولٍ ولا قوة؟

4
في علم الكيمياء إذا ازداد الضغط على الغاز يقل حجمه، فالعلاقة هنا عكسية. ماذا يحدث إذًا إذا زاد الضغط كثيرًا على هواءٍ مضغوطٍ في بالون؟

هذا القانون يسري على البشر أيضًا، الضغط هو تكميم الأفواه، والغاز هو مساحة الحرية، والبالون هو الناس، لنعيد التجربة ثانية.

ماذا يحدث إذا زاد تكميم الأفواه وانكمشت مساحة الحرية للحد الأدنى؟ ينفجر الناس والوضع الراهن بالطبع، لا تحتاج أن تصبح حاصلًا على نوبل في الكيمياء لتدرك هذا.

5
الأخلاق أمرٌ نسبيّ، لا أتحدث هنا عن نسبيتها من ثقافة لثقافة أخرى، بل أتحدث في نفس الثقافة أيضًا، فالفيصل هنا هو الظرف المحيط.

مخطئٌ من يظن أن الأخلاق قانونٌ ثابت، فالسبّ مثلًا ينافي الأخلاق، ولكنه في ظرفٍ من الظروف يكون هو الحد الأدنى المسموح به من اللاأخلاقية، وهذا يخضع للظرف الراهن.

تعالى أيها الصعلوك، سأقتل أخاك، وقد أحبس صديقك، ومن حقي أن أضربك ضربًا مبرحًا أيضًا، ولكن احذر من أن تشتمني فهذا أمرٌ ينافي الأخلاق، لا تكن صعلوكًا قليل الحياء فهناك أشخاصٌ قد يستاءون حين سماع ألفاظك النابية.

ماذا؟ هذا الشخص الصعلوك تجاوز غضبه المدى ولا يستطيع التنفيس عنه؟ قتل أحدهم؟ يالسفالته، فلنعدمه حالًا ليستريح المجتمع منه.

6

من واجبات الدولة العديدة أن تخلق مناخًا صحيًا للتعبير حتى يكون للناس طريقة أو طُرقًا لإظهار الخلل إن وُجد، هذا ليس ترفًا ولكنه واجبٌ لأنه الضمانة الوحيدة لعدم انفجار الناس حين كتم أصواتهم وهم يحاولون التعبير عن آرائهم بكل سلمية وسلامة نية، التعبير هنا قد يأخذ أشكالًا عديدة كالكلام، كالكتابة، كالسخرية من الواقع، كلها أفعال لا علاقة لها بالعنف أو الأذى.

أمّا حين يحاول الناس استعمال هذه الحقوق ويُقابَلُ هذا بالرفض، فحينها تختلف المعايير الأخلاقية المتاحة.
سيبقى الكلام مهما كان فحواه أقل وطأة من العنف، سيبقى السب أقل وطأة من القتل، وستبقى السخرية هي أفضل الوسائل لتعرية الواقع من كل زيف.

7

يا صديقي حين يكون الوضع أقسى من تحملك، وأضيق من رحابة فكرك، وأكثر ترديًا من أن يُحتمل ولا يكون في يدك أن تغيره، اسخر، اسخر منهم، كَدِّرْ من كَدَّرَ صفو حياتك، اضحك في وجوههم وذكّرهم أنك تدرك مدى سخافتهم، مدى قبحهم، مدى فشلهم.

اسخر وأنت تدرك أنها مرحلة لن تستمر للأبد، فكّر كيف ستغير هذا الوضع يومًا، وكيف ستجعل من هذا المكان مكانًا أفضل، كيف سيعيش الناسُ حياةً أكثر حرية وأمنًا وسعادة، ولكن استمر في السخرية و"التكدير" طالما لم يبق أمامك أكثر من هذا، التزم بالحد الأدنى من الأخلاقية ولا تظلم أحدًا ولا تسفك دم بريء، ولكن اسخر وسبّ وقلل من قيمة كل من قتل وظلم ولا تشعر بأنك أخطأت أبدًا، ولا ترجع عن غيّك إلا حين يرجعون.

8
في ضوء ما قِيل وضوء الوضع الراهن، سيكون ما قام به الشابان شادي حسين وأحمد مالك معقولًا للغاية، مسيءٌ نعم، لا يخضع للمعاير الأخلاقية فعلًا، غير مفيد حقًا، ولكنه تجريدٌ عظيم للواقع.

سيبقي انفجار – البالون – هنا لطيفًا للغاية وسهل الاحتواء، فهو أفضل كثيرًا من أن نصحو على انفجارٍ حقيقي.

لم يمتلك الشابان طريقة أخرى لتوصيل رسالتهما بأن التجاوزات التي بلا حساب فاقت المدى، أن مساحات التعبير مغلقة تمامًا، أنهم يائسون تمامًا، أن الوضع متردٍّ لدرجة أنهم لم يمتلكوا طريقة أكثر أخلاقية للتعبير عنه.

سترى بعض الازدواجيين يصرخون عاليًا: يا لهما من سافلين منحطين، كيف يقومان بفعلٍ لا أخلاقيٍ كهذا؟ هل هذه أخلاق؟ بالفعل هذه ليست أخلاق، فمن قال إن المعركة التي وُضعا بها هي معركةٌ أخلاقيةٌ من الأساس؟ المعركة عبثية ولا أخلاقية بشكلٍ فج، وبهذا يكون التعبير اللاأخلاقي ملائمٌ تمامًا.

هل هذا تحريض على عدم الاحترام ومنافاة الأخلاق؟ لا بالطبع، إنه تحريض على إتاحة الحق للتعبير وعلى الالتزام بالأخلاقية من الطرف الآخر حتى يلتزم الشباب بعدها.

هو تحريض على عدم زيادة الضغط أكثر من هذا، وعلى إتاحة الفرصة لتنفيس الهواء.

اللاأخلاقية حقًا هي: الظلم، الفشل، قتل الأبرياء من المدنيين والعسكريين، عدم السيطرة على رقعة من أراضي الدولة التي يسيح فيها المجرمون ويقتلون شبابنا المجندين دون ردع، أن يكون المتجسسون وأسافل القوم والرويبضة المنافقون هم المتحكمون في وعي أمة كاملة، أن نَعِدَ المرضى بعلاجٍ من أمراضهم بجهازٍ كوميدي، اللاأخلاقية هي الخوف من سخرية شابٍ أو رفضه للوضع بتعبيرٍ يائسٍ للغاية، هذه هي الإساءة للدولة يا سادة، هذه هي اللاأخلاقية.

وستبقى الدولة التي تنقلب رأسًا على عقب من واقٍ ذكريّ ولا تنقلب لدم برئ هي دولة مضحكة إلى حد البكاء، أو فلنقل مبكية إلى حد اليأس والذهول.

9
حتى ساعة كتابة هذا المقال تمت رؤية الفيديو الشهير مليون و900 ألف مرة تقريبًا، كتب شادي منشورًا حاز في خلال يوم على حوالي 130 ألف إعجاب و37 ألف نشر وزاد متابعوه حوالي 160 ألفًا في يومين، وهي أرقام مرعبة. تحول شادي إلى أيقونة بسبب أنه قام بفعلٍ شجاعٍ كسر به بعض القيود السياسية والمجتمعية، هؤلاء الشباب الغاضبون من الوضع التوّاقون لكسر شوكته، كثيرون، يائسون، غاضبون للغاية، هم فقط ينتظرون لحظة الانفجار، فاحذروا.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد