يعتبر الـ DMT" Di Methyl Tryptamin" أو عقار الفيل الأزرق الذي لفت انتباه الكثيرين لواحد من أهم أقراص الخيالات التى انتشرت حولها الآراء في الفترة الأخيرة بعد بناء الروائي "أحمد مراد" روايته التي تحمل نفس الاسم والتي تحولت إلى فيلم سنيمائي..
ميز الله الإنسان بالعقل وجعله يتدبر ويدرك ويفكر في الأمور، وخلق الله عضوا مهما معقد التركيب، له كيمياء خاصة جدا تعمل في تناغم لا تكل ولا تمل، تخرج منه شبكات معقدة التركيب من الوصلات العصبية.. ألا وهو المخ..
ومؤخرا انتشرت أقراص الفيل الأزرق والتي دار حولها الكثير من اللغط، وهو دواء خيالات اسمه العلمي "داى مثيل تريبتامين" وهو دواء محظور بيعه في معظم البلدان، فذلك الدواء يلعب في كيمياء المخ المعقدة، ويقوده لرحلة من الواقع إلى الخيال، وقد تكون هذه الرحلة هادئة أو تكون مفزعة، ويقود أيضا إلى الكثير من اللاواقع والأمور المتخيلة، السمعية والبصرية التي تقودك إلى الماضي.
خلال الخمسة أعوام الماضية عاش بعض المصريين حالة من عدم الفهم والإدراك لما يحدث من حولهم، وهؤلاء كانوا عنصراً فاعلاً بل أهم عناصر التغيير الذي حدث في مصر، أتحدث هنا عن الشباب وبعض كبار السن الذين قاموا بالثورة من أجل التغيير أملاً في مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم دون أي طموحات شخصية لهم في حكم مصر.
هؤلاء منذ ليل 11 فبراير/شباط 2011 وإعلان نجاح الثورة، وجدوا أنفسهم مجبرين على السير في مسارات مختلفة تماماً عما كانوا يتوقعون وما كانوا يريدون، ولم يفهموا وقتها سبب تلك المسارات الإجبارية التي أجبروا على السير فيها.. ولم تكن تلك المسارات الغريبة سبب عدم الفهم والإدراك لما يحدث حولهم فحسب.
بل كان أهم أسباب عدم فهم ما يحدث حولهم؛ هو أنهم تحولوا فجأة من أبطال ومخلِّصين وورد تفتح في جناين مصر ويجب أن يقودوا مصر بعد الثورة؛ إلى فوضويين وعديمي التربية وبلطجية ومدمنين في فترة المجلس العسكري، ثم فلول ملحدين وعلمانيين في فترة حكم الإخوان، ثم ممولين وإخوان وطابور خامس في فترة حكم عدلي منصور.
كل هذا كان كفيلاً تماماً لأن يجعلهم يتنحون جانباً عن المشهد، وجلسوا في مقاعد المشاهدين، بعد أن تفهموا ما حدث منذ اندلاع الثورة وأسباب إجبارهم على تلك المسارات الغريبة التي لا علاقة لها بالثورة ولا مصلحة مصر.
لكن ما حدث بعدها لم يستطيعوا استيعابه وفهمه فحسب، بل لا يستطيعون العيش في تلك المرحلة وفي حاجة لعقار ما يمكنهم من العيش فقط في هذه المرحلة ويعبرونها بسلام.
أصبح حكم مبارك عادلاً وحكيماً ومصر كانت تعيش رخاءً، رغم أن هذا الشعب هو من دعم الشباب في وقفته ضد مبارك التي تحولت لثورة بسبب نزول الملايين للشارع والتي لولاهم ما كانت هناك ثورة من الأساس!
أصبح الشباب هم من جاءوا بالإخوان المسلمين في البرلمان والرئاسة وليس الشعب الذي انتخبهم بعشرات الملايين رغم تحذيرات الشباب!
أصبح الشعب فجأة هو من نزل ضد الإخوان في ٣٠ يونيو/حزيران دون دعوات من نفس الشباب الذين نزلوا ضد مبارك!
أصبحت 25 يناير نكسة تسببت في خراب مصر والشباب كان ينفذ أجندات خارجية!
أصبح السيسي صاحب فضل على الشعب فهو المخلص من الإخوان، رغم أنه لم يفعل أكثر مما فعله طنطاوي مع مبارك وهو الانصياع لرغبات المتظاهرين!
أصبح الشعب يرى أن رموز نظام مبارك ونواب الحزب الوطني هم الوطنيون والأطهار في هذا البلد وانتخب الشعب في البرلمان نفس النواب الذي جاء بهم مبارك في 2010 بالتزوير!
أصبحت الجلسة الأولى للبرلمان محل سخرية من الشعب الذي انتخب هؤلاء النواب قبلها بأيام!
كل هذا وغيره بات كفيلاً بأن يجعل الشباب في حاجة ماسة إلى اختراع عقار يلعب على كيمياء المخ المعقدة ويقوده للتأقلم مع حالة الاستحمار الموجودة في المجتمع الذي في غالبيته يتمتع بتلك الحالة التي أصبحت هي القاعدة الأساسية للعيش في سلام نفسي؛ بدلاً من محاولة التفكير فيما يجري حولهم والذي لن يصل بهم إلى شيء سوى الجنون.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.