حرية الربيع المتثاقل

صباح الخير على كل من أحب بصدقٍ، وعفوية، في زمن الخرافات، والبغض، والحقد والطغيان. مساء الخير على طهارة أبنائنا، وعلى أمهاتنا الثكلى، وعلى شيوخنا الأفاضل في عنان السماء، وعلى آبائنا في مرقدهم، وفي يأسهم، وعلى هؤلاء الأطفال ثمرة الربيع الزائل!

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/12 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/12 الساعة 02:49 بتوقيت غرينتش

هل يكون للشوق الذي هجم علينا في بلاد الاغتراب كل هذا التغيير في حياتنا؟ حياتنا التي نعيش مقتطفات منها، بعد أن صار الواقع العربي والربيع الشتوي دموياً، وتحوّل إلى كابوس ارتد منه، في الأخير، كل من عرف نتائجه ومخبأه، وحطّم كل شيء، وأوجع الأحبّة، والأهل والأصدقاء.
لايمكن لهذا الربيع الذي تجبّر، وخرّب ودمّر وحوّل كل ما هو جميل في حياتنا إلى ذرّات من الرماد.. وأدمى القلوب، وأضرم فيها نارا من الغل لا يمكن لها أن تخمد!
نعم، لقد حوّل الجميل إلى سيئ، والحلو إلى مر، والحب إلى كراهية، والصدق إلى كذب.. وكل ما من شأنه أن يُهيئ الطريق المستقيم لنا نحن البشر، إذا اعتُبرنا من هذا الصنف!
وهل يعقل، وبهذه العقلية المتحجّرة، الصلدة، وبهذا القالب الخشبي غريب الأطوار، أن نظل غير عابئين بمصير الناس؟ ملايين الناس. وكيف تحولت أحوالهم المعيشية، والواقع المر الذي يعيشون، والصراع الذي ألّب مضاجعهم، والحيف الذي أصابهم في مقتل، إلى مرارة من الكراهية!.
كل هذا، ألا يكفي قهراً، وذلًّا، وتخبطاً، وانهياراً للقيم، وأشكال الحقد الدفينة التي أظهرتها الساحة القتالية، والويلات التي عاشها ابن سوريا البطل!
هذا الحقد المبطن، لماذا ظهر فجأةً؟ ومن هو الذي افتعله، وازداد شراسةً وتعنتاً، وعلى الرغم من ذلك "بلعه" الشعب الأعزل، البسيط، المتواضع، الفقير الذي لا يهمه إلّا البحث عن مأوى يلجأ إليه، ولقمة سائغة تسد رمقه، وحب مغموس بالراحة يبحث عنه.

ابن سوريا، بسيط في تواضعه، وفي كرمه، وانفتاحه على الناس. وهو شهم في تعامله، ومقدام، إن تطلَّب منه الحال أن يفعل.
وهو كبير في أخلاقه، وفي كبريائه، وصبور في تعامله، ومهذب في طبعه، وما تعلّمه من مدرسة الحياة التي عاشها. مدرسة التهذيب والأخلاق.
لايمكن أن نقول عن ابن سوريا، إلّا أنه ينشد الحرية التي يحلم بها كل إنسان على هذه البسيطة.
حرية في تعابير وجهه، وفي تنقله، وفي مأكله ومشربه، ومسكنه، وحتى في ملبسه.
حرية في خطواته التي قهرها الزمن، والبحث عن الانتشال من بئر الخيانة.
حرية في تعاطفه مع الآخرين، بعيداً عن عين الرقيب. العين التي أذلته، وآلمته، ونثر من نثر التراب فيها!
حرية في بيته، وفي صلاته، وفي حديثه إلى صديق، وفي لقائه مع حبيب، وفي حمل وليد.

الحرية، هي انطلاق نحو عالم التجديد، عالم الوعي المتكامل بعيداً عن عين الرقيب. وبالمقابل الاكتفاء بما يلبّي حاجة المكان، كي لا يعرّضه إلى القَصّ، ومن ثم المصير المجهول!
ومن خلال كل ذلك التشاؤم، إذا اعتبرنا أنَّ الحرية، ومطلبها من المستحيلات في بلد تشرَّب أبناؤه من حسد الآخرين، ومن رؤيتهم الحاقدة، وهذا ما ساهم في تحويل سوريا الخير، سوريا المحبّة والتفاؤل والمجد إلى نار ورماد.. وهذا ما أرادوا لها أن تكون معزولة عن الآخرين، وعن تحقيق مطلب ابنها الذي دفع ثمنه بالدماء التي أريقت..

نقولها وبالفم الملآن:

صباح الخير يا دموع وطننا الحيرى. صباح الخير على أهلنا، وأحبائنا في معاناتهم، وفي يقظتهم، وفي أحلامهم.
صباح الخير على كل من شيّع جثّةً هامِدةً، مغلوباً على أمرها. صباح الخير على من اعتنق الإسلام ديناً، وهو بريء من أحداثه.
صباح الخير على من لمسَ زهرةً في ربيعٍ عربي تحوّل خريفاً ويُحْتَضَرْ.

صباح الخير على أبناء بلدي.. وهم يعانون برد الشتاء، وحملهم السلاح الذي لم نجنِ منه إلا الخراب، والدمار، والفقر، والحرمان والتشرد.
صباح الخير على كل من أحب بصدقٍ، وعفوية، في زمن الخرافات، والبغض، والحقد والطغيان. مساء الخير على طهارة أبنائنا، وعلى أمهاتنا الثكلى، وعلى شيوخنا الأفاضل في عنان السماء، وعلى آبائنا في مرقدهم، وفي يأسهم، وعلى هؤلاء الأطفال ثمرة الربيع الزائل!

فقد حول هؤلاء الأوباش المخربين أصالة أهلها إلى وجع دائم، وعاهة مستمرة لا يمكن أن تقوم لها قائمة، لا سيما وأن ما أصابه في الإنسان والبناء قتل رغبة جادة في الحياة.
فالاقتتال طال الشجر والحجر والبشر، وكل ما هو جميل في نظر أهلها، وهي كذلك.. فهل يمكن أن نطلق عليه حرية الربيع المتثاقل؟
تظل سوريا بلد الأحرار، بلد المحبّة والإنسان والحجر والزيتون والقمح والنهر والجبل.. والأبجدية الأولى.
هذه سوريا.. الأم الحقيقية لكل عربي شهم مقدام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد