الرئيس: يسري ابن عم فودة لا يمكن يكون من أعداء الوطن

تأتي نقطة التحول في الفيلم عندما يحضر إلى المعتقل دفعة جديدة من "أعداء الوطن" فينهال عليهم المجندون بعصيانهم، ويشارك معهم أحمد سبع الليل في النيل من الأعداء، وإذا به يفاجأ بحسين وهدان أمامه فيثبت في مكانه للحظات ثم يصرخ بأعلى صوته "وقف منك ليه، ده حسين أفندي ابن عم وهدان، ده لا يمكن يكون من أعداء الوطن أبدا.. أبدا" ويدافع عنه ويحميه بجسده. ومن هنا يفيق سبع الليل من وهمه، ويبكي بحرقة لأنه قتل واحدا منهم، في مشهد أداه ببراعة كل من أحمد زكي وممدوح عبد العليم ومحمود عبد العزيز.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/07 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/07 الساعة 04:26 بتوقيت غرينتش

يحتل فيلم "البريء" للمؤلف وحيد حامد والمخرج عاطف الطيب المركز الثامن والعشرين في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما العربية.. ولا عجب في ذلك.. فهو يتناول قضية جريئة باحترافية عالية، فلم يتناول فيلم قبله شخصية المجند البسيط الأميّ الذي تستغل السلطة جهله وتستخدمه كأداة لبطش المعارضة.

فأحمد سبع الليل (أحمد زكي) هو فتى غلبان أميّ.. كل همه هو زراعة أرضه، يتم إرساله للتجنيد الإجباري، وعندما يسأل أحمد سبع الليل حسين أفندي وهدان (ممدوح عبد العليم) المثقف الوحيد في قريته عن معنى التجنيد يكون الحوار كالتالي:
حسين وهدان: الجيش يا أحمد هو من يحمي البلد من الأعداء.
أحمد سبع الليل: بس بلدنا ملهاش أعداء!
وتُعد هذه الجملة "بلدنا ملهاش أعداء" هي المحور الذي تقوم عليه أحداث الفيلم، فهل هناك بالفعل أعداء للوطن كما يدعي النظام، أم أن النظام يسوّق هذه الفكرة ليحكم قبضته على البلد أكثر ويبرر أفعاله الوحشية

يقول يسري فودة في كتابه.. آخر كلام:

"مساء الأحد، الحادي والعشرين من أبريل/نيسان 2013، دُعيت إلى الجلوس على مقعد الضيف الواقع إلى اليسار (أي عن يمين المقعد الآخر)، بينما دُعي الزميل ألبرت شفيق، رئيس قنوات "أون تي في" وقتها، إلى الجلوس على مقعد آخر عن يميني. "عندكم ينسون؟" كان ردي على اللواء عباس كامل عندما عرض أن نجرب قهوتهم بينما وقف نادل متأنّق على مسافة مؤدبة سرعان ما استقبل أمرًا من اللواء وهو يتقهقر مجيبًا: "تمام يا فندم". خَلَت الغرفة بعد ذلك إلا منا لدقائق معدودة ذكّرني ألبرت خلالها بموضوع خاص (لا يخصه و لا يخصني) كان يريد أن يفتحه مع الرجل الذي كنا في انتظاره. أتى الينسون، و ما أن رشفت رشفتين حتى انفتح باب كان من الواضح أنه يقود إلى غرفة أخرى، هي في الغالب مكتب الوزير، كي يسفر عن اللواء عباس وهو يفسح الطريق للفريق أول عبد الفتاح السيسي في زيه الرسمي وقد اكتسى وجهه بابتسامة ترحيب عريضة وإقبال ملفت للنظر. تعلقت عيناه، بينما كان يصافحني بحرص وحرارة في الوقت نفسه، بذراعي الملفوفة ورقبتي المثبتة. "ألف حمد الله ع السلامة.. اتفضل استريح.. اتفضل استريح".

يتم إرسال سبع الليل لحراسة أحد المعتقلات الخاصة بالمسجونين السياسين، ويخبرونه هناك أن هؤلاء المساجين هم أعداء الوطن، مما يبرر التعذيب الوحشي الذي يقوم به الضباط تجاههم من سحل وذل ومهانة، ومما يدفع سبع الليل لقتل أحدهم عندما يحاول الهرب، لأنه كما يظن "عدو الله وكافر".

بينما اتخذ اللواء عباس كامل لنفسه مقعدًا بعيدًا وبين يديه قلم وورقة يدون فيها ملاحظاته، اتخذ كل منا مكانه المعد سلفًا. بدأت الحديث بتوجيه الشكر للوزير على أوامره بإرسال طائرة إسعاف لنقلي من مكان الحادث وأنا لا علم لي وقتها بما كان يحدث (مشددًا الحديث على هذه الجملة الأخيرة). "لا شكر على واجب.. أنت رجل وطني تستحق وأكثر"، هكذا بدأ السيسي كلامه مبتسمًا وهو يغير مجرى الحديث بين السؤال عن حالتي الآن ومتى يمكن أن أعود إلى العمل من ناحية، ومن ناحية أخرى عن تفاصيل الحادث المثير في حد ذاته.

تأتي نقطة التحول في الفيلم عندما يحضر إلى المعتقل دفعة جديدة من "أعداء الوطن" فينهال عليهم المجندون بعصيانهم، ويشارك معهم أحمد سبع الليل في النيل من الأعداء، وإذا به يفاجأ بحسين وهدان أمامه فيثبت في مكانه للحظات ثم يصرخ بأعلى صوته "وقف منك ليه، ده حسين أفندي ابن عم وهدان، ده لا يمكن يكون من أعداء الوطن أبدا.. أبدا" ويدافع عنه ويحميه بجسده. ومن هنا يفيق سبع الليل من وهمه، ويبكي بحرقة لأنه قتل واحدا منهم، في مشهد أداه ببراعة كل من أحمد زكي وممدوح عبد العليم ومحمود عبد العزيز.

يسري فودة: واضح يعني لكل الناس أن الروح المعنوية للجيش اتأثرت كتير بعد فترة المجلس العسكري وأنك قدرت ترفعها كتير في فترة قياسية.. إزاي؟! ماعرفش.. حضرتك اللي ممكن تقول لنا عملت إيه
السيسي: أبدًا.. أنا دايمًا صريح مع الناس، ودايمًا باقول إن مصر محتاجانا كلنا، ولازم الجيش والشعب يكونوا مع بعض.. الجيش اتحمّل كتير قوي
يسري فودة: والشعب اتحمّل أكتر والله
السيسي: والشعب كمان طبعًا.. طيب رأيك إيه المفروض يحصل دلوقت؟
يسري فودة: زي ما رفعت معنويات الجيش لازم الشعب تترفع معنوياته هو كمان بطريقة ما
السيسي: إزاي يعني؟
يسري فودة: تعتذر
السيسي: إيه؟
يسري فودة: تعتذر.
وقعت هذه الكلمة على أذني وزير الدفاع وقعًا ثقيلًا إلى حد أنه احتاج إلى تأكيد لم أتردد في منحه إياه بينما سيطر على هيئته خليط من الاستفهام والاستغراب والاستنكار قبل أن يرد.
السيسي: أعتذر عن إيه بالظبط؟!
يسري فودة: تعتذر للناس عن اللي حصل أيام إدارة المجلس العسكري شؤون البلاد.

مرة أخرى، رانت لحظة من الصمت ثقيلة علينا جميعًا.

ومنذ تلك اللحظة.. فجأة.. أصبح يسري فودة المتحدث الرسمي باسم أعداء الوطن.. بعد أن كان في بداية الحوار رجل وطني ويستحق أكثر من طائرة إسعاف!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد