لا يملّ السياسيون التونسيون من توظيف الأزمات المتكاثرة في بلادهم للتأثير على الرأي العام، أملاً في الحصول على شعبية مفقودة نتيجة الوعود الجوفاء التي تتبدد مع نهاية كل موسم انتخابي.
غير أن اللافت مؤخراً هو لجوء عدد من السياسيين المخضرمين إلى إقحام "تونس" في أسماء أحزابهم الوليدة، بدءا بـ"آفاق تونس" الذي أسسه محمد الوزير وياسين إبراهيم في 2011، ومرورا بـ"نداء تونس" الذي أسسه الباجي قائد السبسي عام 2012، وليس انتهاء بـ"حراك تونس الإرادة" الذي أعلن عنه منصف المرزوقي قبل أيام، و"بناء تونس" الاسم المبدئي للحزب المفترض الذي يسعى محسن مرزوق لتأسيسه.
ومع تفاقم الأزمة القائمة داخل الحزب الحاكم "نداء تونس" والخلاف المستمر بين شقي محسن مرزوق وحافظ قائد السبسي، سارع عدد من الأحزاب لتقاسم "تركة الحزب المريض" عبر محاولة استمالة بعض قيادات "النداء"، مستغلين إعلان محسن مرزوق استقالته من الأمانة العامة للحزب، فضلا عن استقالة عدد من النواب والقيادات بشكل نهائي، وهو ما شكّل فرصة ذهبية للبعض لشن سلسلة من الهجمات على الحزب الذي بات "يفتقد للحد الأدنى من الأخلاق السياسية" وفق رئيس حزب "التكتل" مصطفى بن جعفر، كما أنه يُعتبر "أكبر عملية احتيال في تاريخ تونس" وفق القيادي في حزب "المؤتمر" طارق الكحلاوي.
وربما كان من الطبيعي أن يصل "نداء تونس" إلى هذا الطريق المسدود، على اعتبار أنه خليط متناقض من مشارب متعددة (دساترة ويساريون ونقابيون) جمعتهم المصالح وفرقتهم التحالفات بعد الوصول للسلطة، وهو ما يفسره رفض عدد كبير من قيادات الحزب وقواعده ومؤيديه التحالف "الاستراتيجي" مع حركة "النهضة" الإسلامية، على اعتبار أن كلا الحزبين بنى دعايته الانتخابية على إقصاء الآخر.
ومع فشل الوساطات الكثيرة التي قادها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي ورئيس الحزب محمد الناصر، قرر محسن مرزوق تقديم استقالته بشكل رسمي ونهائي من الحزب، مشيرا إلى أنه في صدد بناء "مشروع ديمقراطي وطني حداثي" منفتح على جميع القوى الحداثية التي رفضت الانضمام في وقت سابق لـ"النداء"، فيما أشارت مصادر إعلامية إلى أنه في طور تأسيس حزب جديد، مع وجود عدة أسماء مقترحة له من قبيل "فداء تونس" و"بناء تونس" و"الوطنيون الأحرار".
ووسط سياسة النأي عن النفس التي اعتمدتها بقية أحزاب الائتلاف الحاكم (النهضة والاتحاد الوطني الحر وآفاق تونس) تجاه أزمة "النداء" التي أثرت سلباً على أداء الحكومة، أعلن الرئيس السابق منصف المرزوقي عن حزب سياسي جديد باسم "حِراك تونس الإرادة" ينظم "حِراكه" السابق والمشتت منذ عدة أشهر ويُعيد توحيد القوى السياسية المنشقة عن حزبه السابق "المؤتمر من أجل الجمهوري".
المرزوقي سارع لمهاجمة سياسات الحكومة الحالية التي قال إنها تتميز بـ"السطحية وغياب الرؤية ليست في التعامل مع الإرهاب فقط.. وإنما في التعامل مع كل القضايا وخاصة السياسة الخارجية"، مضيفا "التزمتُ الحذر والصمت طيلة سنة كاملة.. ومن واجبي اليوم كمناضل العودة إلى ساحة النضال، فلا يمكن لي أن أقبل أن أرى تونس في الحالة التي عليها اليوم.. كنت متأكداً أنهم سيفشلون -في إشارة لحكومة الحبيب الصيد- خلال سنتين، لكنهم فشلوا خلال سنة واحدة".
غير أن المرزوقي لم يَسْلَمْ هو الآخر من الانتقاد، حيث يرى خصومه أنه أساء خلال فترته الرئاسية لصورة البلاد، واتخذ قرارات سياسية متسرعة من بينها تسليم البغدادي المحمودي (آخر رئيس وزراء في عهد القذافي) للسلطات الليبية، فضلا عن محاولة التدخل في شؤون بعض الدول العربية ومهاجمة عدد من زعمائها، فيما نفى السياسي المخضرم والمناضل الحقوقي ذلك، مشيراً إلى أنه دافع -أساساً- عن الشعوب العربية ضد حكامها الطُغاة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.