قبل نحو عام تحديدًا، وخلال أحد المؤتمرات في مدينة إسطنبول، التقيت عددًا من الشبان العرب الذين يعملون في مجالات الإعلام المختلفة، كل جاء من بلده ساعيًا وراء تبادل الخبرات مع الآخرين، والتعبير عن ثقافة بلاده، من بينهم الفلسطيني، والمصري، واليمني، والسوري، والعراقي، وجنسيات أخرى كثيرة، تتشارك الهم نفسه.
خلال الحديث الذي شدني كثيرًا، نتيجة غناه بالمضامين والمعلومات الجديدة عن بلدان مختلفة، عرّف أحدهم نفسه أنه فلسطيني من سكان مناطق الـ48، لينطلق آخر بسؤال.. وهل تحمل الجواز الإسرائيلي؟ فأجاب نعم، لفت الأمر انتباهي، فالمصطلح ليس جديدًا علي، فورًا تذكرت مناهج التعليم في مصر، فلطالما تطرقنا خلال الدروس إلى هؤلاء الذين باعوا أرض فلسطين للمحتلين وانصهروا في بوتقتهم وصاروا جزءًا من دولتهم.
بالنسبة لي كانت تلك فرصة ثمينة لاكتساب معلومات جديدة عن موضوع لطالما كان مبهما، سألته والغضب يتملكني "كيف تقبل أن تحمل هذا الجواز.. من المفترض أنك فلسطيني؟"، ابتسم بهدوء وقال: البركة بالعرب، حاولت إنهاء الحديث معه سريعا، في محاولة للتخلص من تلك التهمة..
عدت من ذلك المؤتمر وفكري مشغول بذلك الفلسطيني (الخائن لفلسطين والعروبة)، متعجبة من عدم خجله من الإفصاح عن حمله للجواز الإسرائيلي، فلم يخطر على بالي ولو مرة واحدة أن أعيد القراءة والبحث عن عرب 48، لكنني قررت منذ ذلك اليوم البحث في مختلف الكتب والمراجع والتواصل مع ذلك "الإسرائيلي" وغيره كي أفهم لماذا خانوا القضية الفلسطينية وكيف استطاعوا أن يروا المحتل يتملك أرضهم ثم يتعايشون معه.
حصلت خلال الفترة الأخيرة على كتب ومراجع كثيرة تتعلق بالموضوع، وازداد شغفي بالقضية الفلسطينية ولا سيما قضايا عرب 48، وكنت أتفاجأ يومًا بعد يوم، بتلك الشريحة من الفلسطينيين، الذين اكتشفت بعد سنوات طويلة أنهم لا يشبهون تلك الصورة التي رسمها النظام المصري في عقولنا، وأن منهم المقاوم والأسير، وأن جلهم من المرابطين، وقليل منهم من خان قضيته.
لا أخفيكم سرًا، أنني وعلى الرغم من ترميم بعض ذاكرتي حول هؤلاء، إلا أنني تفاجأت عندما علمت أن الشيخ رائد صلاح، ذلك المجاهد القائد هو أحد عرب 48، شكَّل الأمر صدمة بالنسبة لي، لكنه زاد احترامي وتقديري له ولغيره مع مرور الوقت، وبعد أن تجلى لي ما يمر به هؤلاء من مكائد إسرائيلية تهدف إلى تهجيرهم وتشويه صورتهم.
مؤخرًا فهمت أن عرب 48، هم المرابطون في الأقصى، وأنهم لم يبيعوا الأرض، إنما كانوا ضحية الاستعمار والاحتلال الذي فرض عليهم جنسيته، فهمت أيضًا أنهم قاوموا وما زالوا، سياسة الغزو الفكري، والعنصرية والتفرقة عن أبناء الشعب الفلسطيني، وأنهم ساهموا في حفظ مساحات واسعة من الأرض من التهويد والمصادرة، وأنهم يقفون في خط واحد مع باقي أطياف الشعب الفلسطيني، ويكونون جزءا من صورة فلسطينية متكاملة، وأنهم ضحايا ظلم الإعلام العربي والأنظمة التي لا تعترف بهم، وتمنع دخولهم إلى أراضيها.
بصراحة، خجلت -بعد اطلاعي- من جهلي بقضايا عرب 48، فهمت الآن أن تاريخنا كله بحاجة إلى مراجعة، وخاصة تلك الكتب التي تشبعنا بها الأنظمة العربية في مراحلنا التعليمية المختلفة، فالذين كانوا في عيني سابقا خونة وعملاء للموساد، اكتشفت أنهم فلسطينيون مرابطون لم يغادروا أرضهم فاتهموا بما لم يفعلوا.
القضية الفلسطينية، قضية أمة، والتقاعس عن نصرتها هو الخيانة، ولعل كلماتي تساهم في التعريف ببعض حكاياها وخباياها، وتفضح ظلم الاحتلال، والأنظمة العربية، آن الأوان أن نكون من ضمن المدافعين، وأن نقدم الاعتذار لصديقي الذي شككت في انتمائه يومًا فخفت منه وترددت.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.