إستراتيجية داعش الجديدة: لا تتركوا المدن.. واتجهوا إلى أوروبا

يعتقد التنظيم في الإستراتيجية الجديدة أن ساحة القتال المقبلة ستكون في العراق وليس في سوريا، ذلك أن الساحة السورية البرية -كما يرى- سهلة بالنسبة لقواته بسبب غياب القوة الحقيقية المنظمة القادرة على ضرب التنظيم في دير الزور والرقة وكذلك بسبب تعقيدات الأزمة السورية، فضلا عن بعد خطوط التماس بين التنظيم وأعدائه. أما بالنسبة لما يحشده حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD بالتحالف مع بعض الكتائب العربية على مشارف مدينة الرقة، فهو ليس في حسبان التنظيم على الإطلاق.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/22 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/22 الساعة 03:52 بتوقيت غرينتش

المعلومات التي يتداولها قيادات في تنظيم الدولة الإسلامية في المناطق التي سيسيطر عليها شرق سوريا، تقول إن التنظيم رتب أولوياته من جديد بعد أحداث باريس. ففي رسالة شفهية معممة من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي تناقلها قيادات التنظيم في سوريا والعراق، تقول هذه الرسالة "في الأيام المقبلة لا تترددوا على المقرات.. انتشروا على الحواجز ونقاط التفتيش وارفعوا درجة الرقابة الأمنية إلى أقصى الحدود"..
وبالفعل حدث ذلك وقد تجنب التنظيم القتل على يد الطائرات الروسية والفرنسية خلال الأيام الماضية وكان أكثر الضحايا من المدنيين، وهو أمر عادي جداً بالنسبة للتنظيم ما دام هو بخير.

وجاء في الرسالة المعممة لأبو بكر البغدادي، عبر أجهزة استخبارات التنظيم تأكيده على المقاتلين بنصيحة تقول: "تموتون ألف ميتة ولا تتركوا المدن" والمقصود بهذه الرسالة أن المعارك المقبلة ضد التنظيم ستكون في المدن وليس في الأرياف الصغيرة لأن المدن هي الحصن لهذا التنظيم حتى لو كانت مدمرة. أما الأرياف فهي مناطق مكشوفة يسهل ضرب التنظيم فيها من الجو وبالتالي تبقى ساحات للقتال البري فقط. ما يعني أن داعش تستعد لقتال عنيف وطويل جداً على الأرض، والواقع أن الأرض هو المكان الوحيد الذي يمكن أن يظهر فيه التنظيم لأن الطائرات شتت وجودهم رغم قلة الخسائر البشرية.

عندما بدأ التنسيق الفرنسي الروسي ضد تنظيم داعش، نقل التنظيم معظم مقاتليه إلى العراق، ودعا إلى النفير التام لكل القوات، واتجه لتحصين مدينة الرقة فقط وتجاهل بقية المدن.. والسؤال لماذا نقل قواته إلى العراق علما أن الضغط تزايد على الجبهة السورية أكثر؟

يعتقد التنظيم في الإستراتيجية الجديدة أن ساحة القتال المقبلة ستكون في العراق وليس في سوريا، ذلك أن الساحة السورية البرية -كما يرى- سهلة بالنسبة لقواته بسبب غياب القوة الحقيقية المنظمة القادرة على ضرب التنظيم في دير الزور والرقة وكذلك بسبب تعقيدات الأزمة السورية، فضلا عن بعد خطوط التماس بين التنظيم وأعدائه. أما بالنسبة لما يحشده حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي PYD بالتحالف مع بعض الكتائب العربية على مشارف مدينة الرقة، فهو ليس في حسبان التنظيم على الإطلاق.
أما في العراق فهناك إجماع عراقي وتوافق -إلى حد ما- بين الحشد الشعبي الشيعي والجيش العراقي مدعوماً بالطائرات.

الأكثر أهمية من كل ما تم ذكره في السابق هو التحول الجديد لدى قيادات التنظيم، إذ بات التنظيم وحسب أشخاص مطلعين من الداخل يتجهون لزعزعة الاستقرار الأوروبي بدلاً من التركيز على الأهداف الأميركية، بمعنى أن إعادة ترتيب الأجندة وفق أوروبا أولاً وروسيا ثانيا، لتصبح الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة من اهتمامات التنظيم.. على الأقل في هذه الفترة.

والسؤال فيما إذا كان هذا التفكير جديًّا لماذا يفكر التنظيم بهذه الطريقة وما الذي جرى؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال بنقطتين رئيسيتين:
إنه بعد مرور ما يقارب سنتين على تمدد داعش في المناطق الشرقية في سوريا والغربية للعراق، توغل المهاجرون الأوروبيون وأصبحوا الأكثر سطوة من بقية المقاتلين الآخرين، بل باتوا هم رأس الحربة في التنظيم، خصوصا هؤلاء المنحدرين من أصول مغربية ويعيشون في أوروبا. هذا الأمر منح التنظيم حرية الحركة في الدول الأوروبية وارتكاب الأعمال الإرهابية الأمر الذي يقوي وضعه بين عناصره ويكسبه قوة في التأثير وإظهار القوة.. ومن هنا يمكن تفسير الأعمال الإرهابية في باريس وبلجيكيا الذي يُجمع العديد ممن يعرفون خفايا التنظيم أن نسبة البلجيكيين المسلمين والفرنسيين هي الأكثر أوروبيا بين عناصر التنظيم.
السبب الثاني، ظهور لاعبين جدد على ساحة تنظيم داعش وأبرزهم روسيا، وهذا جعل التنظيم يغير إستراتيجية الهجمات الإرهابية إلى الأهداف الروسية باعتبار أيضاً نسبة كبيرة من المقاتلين الذين ينتمون إلى دول الاتحاد الروسي، وتقدر نسبة الإرهابيين الذين ينتمون لتنظيم داعش من روسيا والدول التي تنطوي تحتها حوالي 3000 مقاتل، من الشيشان وأوزبكستان وطاجيكستان وغيرها.
هذان السببان بالإضافة إلى التراجع الأميركي في إطار التحالف الدولي لضرب داعش جعل التنظيم يعمل على إستراتيجية جديدة يغير فيها الأولويات، وربما ستشهد المرحلة المقبلة عمليات نوعية ضد أهداف روسية أوروبية سواء في أوروبا أو خارجها.

ويتداول مقاتلو داعش "نكثة – مزحة".. تقول "إن الأمريكان أرحم من الروس، فالأمريكان يحددون أهدافاً دقيقة وذكية تستهدف المقرات وشخصيات بعينها، بينما الروس يقصفون بشكل وحشي وهمجي ولا يستهدفون شيئاً من مقرات التنظيم.. إنهم يقصفون بشكل غبي".

لقد استغل هذا التنظيم خلاياه النائمة في الدول الأوروبية وسيستغل ما تبقى من هذه الخلايا، ليعيد تقديم نفسه من جديد على أنه قادر على الحرب خارج أرضه وبالتالي تقوية معنويات مقاتليه.. ولعل الأيام المقبلة ستكون أخبار هذا التنظيم هي المسيطرة على وسائل الإعلام.. إن ما فعله التنظيم في باريس وسقوط 130 قتيلاً وما فعله بالطائرة الروسية في شرم الشيخ هو رسالة سياسية بامتياز، تقول من يضربنا سنضربه.. وهذا هو التحول الجديد في فكر التنظيم إذ بات يفكر بطريقة سياسية على المستوى الخارجي.. ويسعى ليكوِّن نظام حكم على أرض الواقع حيث يبعد طائرات الدول الغربية من خلال العمليات في أراضيهم.. إنه فعلاً يسعى لحكم حقيقي منظم.. لكن هل يستطيع؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد