زعماء صغار لدول عظمى وفصل سابع مع وقف التنفيذ

بدل أن يستخدم مجلس الأمن القوة لإجبار الحوثيين على تنفيذ القرار، الذي ينص صراحة على "الخروج من المدن والمناطق التي استولوا عليها بما فيها العاصمة صنعاء"، انتهى به الأمر إلى مفاوضتهم، وإلى القبول بجلوسهم - وهم المهددون بالفصل السابع - في مواجهة حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور.. وإلى عدم اتخاذ أي إجراء بحقهم، حتى وهم يتغيبون عن حضور الجلسة الرابعة لمفاوضات (بال) بسويسرا في 18/12/ 2015 احتجاجاً على بيان الأمم المتحدة بشأن التوافق على إدخال مساعدات غذائية - نعم مساعدات غذائية - إلى مدينة (تعز) التي يفرضون عليها حصاراً قاسياً، حيث اعتبروا أن ذلك "خالف ما اتفُق عليه خلال المباحثات"!

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/21 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/21 الساعة 03:17 بتوقيت غرينتش

اعتبر أكثر السوريين تفاؤلاً، أن القرار (2254) الصادر بالإجماع عن مجلس الأمن حول ما سمي بـ"خطة الحل السياسي بسوريا" هو قرار منزوع الدسم، لأنه لم يصدر تحت الفصل السابع، ولا توجد أي عقوبات رادعة إذا امتنع نظام الأسد عن السير في خارطة الطريق التي يحملها هذا القرار في طياته!

لكن بعض السوريين يتذكر بالمقابل، أن مجلس الأمن الدولي تبنى في مطلع حزيران/يوينو من العام الجاري 2015، قراراً تحت الفصل السابع يدين أي استخدام لغاز الكلور في الحرب في سوريا، صادقت عليه 14 دولة عضوا -بينها روسيا- وكان القرار يشدد على أن المسؤولين عن هذه الأفعال "يجب أن يُحاسبوا عليها".. إلا أن النظام السوري، وهو الجهة الوحيدة التي تمتلك إمكانية استخدام هذا السلاح تقنياً وعسكرياً، استخدم غاز الكلور عدة مرات بعد صدور هذا القرار ولم يتعرض ليس لأي عقاب فقط، بل حتى لأي لوم أو تقريع أيضاً، رغم أن العديد من سفراء الدول في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، كانوا قد ذرفوا الدموع عندما عرض أطباء سوريون تسجيلاً مصوراً لمحاولات فاشلة لإنقاذ أرواح ثلاثة أطفال عقب هجوم نفذه نظام الأسد بغاز الكلور وقع في آذار/ مارس من العام نفسه!

أيضا يتذكر الكثير من المتابعين القرار (2216) الذي أصدره مجلس الأمن في 14 أبريل/ نيسان 2015 والذي يفرض حظرا للسلاح على الحوثيين وأنصار الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، ويدعو الحوثيين إلى الخروج من المدن والمناطق التي استولوا عليها بما فيها العاصمة صنعاء، والذي جاء تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وصوتت لصالحه 13 دولة، (امتنعت روسيا عن التصويت).. ورغم كل الوثائق والإثباتات التي أظهرها التحالف العربي، على محاولات إيران إرسال سفن سلاح إلى اليمن.. إلا أن مجلس الأمن لم يتخذ أي عقوبات ضدها.. لا تحت الفصل السابع ولا غيره!

أكثر من ذلك.. بدل أن يستخدم مجلس الأمن القوة لإجبار الحوثيين على تنفيذ القرار، الذي ينص صراحة على "الخروج من المدن والمناطق التي استولوا عليها بما فيها العاصمة صنعاء"، انتهى به الأمر إلى مفاوضتهم، وإلى القبول بجلوسهم – وهم المهددون بالفصل السابع – في مواجهة حكومة الرئيس الشرعي عبد ربه منصور.. وإلى عدم اتخاذ أي إجراء بحقهم، حتى وهم يتغيبون عن حضور الجلسة الرابعة لمفاوضات (بال) بسويسرا في 18/12/ 2015 احتجاجاً على بيان الأمم المتحدة بشأن التوافق على إدخال مساعدات غذائية – نعم مساعدات غذائية – إلى مدينة (تعز) التي يفرضون عليها حصاراً قاسياً، حيث اعتبروا أن ذلك "خالف ما اتفُق عليه خلال المباحثات"!

وهكذا يمكن القول أن الفصل السابع الذي يختص بالإجراءات القسرية التي تفرض على البلدان أو الجماعات في حال كان السلام العالمي مهدداً، والذي يحق بموجبه لمجلس الأمن اتخاذ قرار التدخل العسكري ضد أي دولة، سواءً كانت عضواً في الأمم المتحدة أو لم تكن، والذي تتراوح العقوبات التي تُفرض وفق مواده من ‏العقوبات الاقتصادية إلى استخدام القوة.. والذي استخدم خلال الحرب الكورية في الفترة ما بين عام 1950 إلى 1953، وخلال اجتياح نظام صدام حسين للكويت 1991، وخلال الثورة الليبية حين حصل حلف شمال الأطلسي بموجبه على تفويض لحماية المدنيين من وحشية نظام القذافي في فبراير ومارس 2011، ثم ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، لم يعد هو الفصل السابع ذاته اليوم!

فقد ارتكب نظام الأسد عشرات المجازر الموثقة في مداهمات لجيشه على الأرض خلال الأعوام الثلاثة الأولى للثورة، كانت مجزرة (الحولة) التي قتل فيها أكثر من خمسين طفلا ومائتي مدنياً في سهل (الحولة) بريف حمص بالبلطات والسواطير في آيار/مايو 2012 أولى صدماتها المروعة، ثم مجزرة داريا الكبرى بعد ذلك بثلاثة أشهر، والتي راح أكثر من 400 شهيد.. وقد توج مجازره تلك في آب/ أغسطس من عام 2013 بمجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق التي أزهقت أرواح أكثر من 1400 شهيد ثلثهم من الأطفال، ثم راح طيرانه بدءاً من عام 2012 وحتى اليوم، ينافس معارك الحرب العالمية الثانية في عدد الطلعات الجوية، محاولا الدخول إلى كتاب (غينيس) للأرقام القياسية!

في موازاة ذلك كله، تم تسريب (55) ألف صورة لـ 11 ألف معتقل من سجون الأسد وأفرعته الأمنية الرهيبة، تحققت شركة محاماة كبرى في بريطانيا من صحتها وسلامتها من التزوير، وعرضت على وسائل الإعلام، بل ووصل من سرّبها شخصياً إلى الكونغرس الأميركي، حيث ذكر بيان صادر عن البيت الأبيض في آب/ أغسطس 2014 أن مصور المخابرات السورية المنشق (قيصر): "سرب آلاف الصور للجثث التي تظهر عليها آثار التعذيب الوحشي والقتل على يد آلة القتل الواسعة للنظام السوري". وأضاف أن (بن رودس) نائب مستشارة الأمن القومي الأميركي، و(جيك سوليفان) مستشار نائب الرئيس لشؤون الأمن القومي: "شكرا قيصر على شجاعته الشخصية وأخلاقه التي دفعته إلى الشهادة ضد الفظائع التي يرتكبها الأسد، والتي تمثل إهانة للكرامة الإنسانية." ولفت البيان إلى أن (قيصر) شارك مع العالم "صورة لمعاناة لا تحتمل لجثث هزيلة لرجال ونساء وأطفال وعيون فقئت، وأجساد تحمل آثار السلاسل المعدنية، ما يقدم أدلة على الأساليب عديمة الضمير التي يتبعها نظام بشار الأسد من أجل مواصلة الإمساك بالسلطة." معرباً عن شكره للمنشق السوري على "الخدمة التي أداها للعالم بأسره وليس للشعب السوري فحسب، بتقديم هذا الدليل". وكل الكلام بين الأقواس هو لبيان البيت الأبيض بالحرف!

الآن.. الفضيحة الأخلاقية التي لا يمكن لأي عقل عاش في هذا الزمن أن يتصورها.. ليس أن مجلس الأمن لم يستخدم الفصل السابع لإسقاط هذا النظام بالقوة، وإحالة رموزه إلى محاكم دولية لمحاكمتهم كمجرمي حرب.. بل إنه لم يستخدم الفصل السابع حتى لتهديده بأن عليه القبول جدياً بالحل السياسي!

من سوء حظ السوريين أنهم يعيشون في زمن زعماء دول كبرى لن يذكر التاريخ لهم أي مواقف مشرّفة بحق قضيتهم.. فقد كانوا أصغر من أن ينتصروا – بالأفعال لا بالأقوال- لقضية تحرر كبرى ستغير خارطة القمع في الشرق الأوسط كله. أجل.. يعيش السوريون في زمن "شريعة غاب" حقيقية وغير مسبوقة في التاريخ الحديث، ترعاها الأمم المتحدة بكثير من القلق المَلول الذي دفعها في مطلع العام 2014 إلى الإعلان أنها أوقفت تحديث عدد قتلى الحرب السورية بعدما تجاوزوا المائة ألف في تقديرات شديدة التحفظ.. ولهذا ليس غريباً أن يصبح (الفصل السابع) – حتى إن صدر- ألعوبة بيد مليشيات وحركات من مستوى جماعة الحوثيين وصالح وما دون.. ومراوغات الولي الفقيه وما دون أيضاً!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد