سبق وأن خلصت إلى القول في حينه بشأن الإجماع الدولي حول سوريا في اتفاق فيينا 2 بالرابع عشر من تشرين الثاني نوفمبر هذا العام، أنه بمثابة مفترق طرق نحو: أولاً – افتتاح مرحلة جديدة في الصراع الخارجي على سوريا بدلاً من المواجهة الداخلية فيها. وثانياً – اعتبرت مجمل الاتفاق كعهد دولي على انتهاء ثورات الربيع وفي المقدمة الثورة السورية، ولم تظهر تلك المسلمات الدولية الموحدة من فراغ، بل استندت إلى مبرراتها المعلنة والمقنعة للرأي العام العالمي وتحت ضغط التفجيرات الإرهابية التي نالت من أمن واستقرار عواصم أوربا في ضرورة الإسراع بإطفاء الحريق السوري (منبع جرائم داعش) كيفما كان وبأية طريقة كانت من دون التوقف عند طموحات السوريين في تحقيق خياراتهم وتقرير مستقبلهم.
أكد اتفاق فيينا 2 على الترابط الوثيق بين وقف إطلاق النار، ومسألة النازحين واللاجئين وعملية سياسية موازية وفقاً لبيان جنيف-1 وهذا ما أكد عليه أيضاً مؤتمر الرياض، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين وإبطال الأحكام الجائرة، ورحبت المجموعة بالتعاون مع المبعوث الدولي الخاص ستيفان دي ميستورا وآخرين، لجمع أكبر عدد ممكن من أعضاء المعارضة السورية، المختارة من السوريين. فهم من يختارون ممثليهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم من المفاوضات، وذلك لتمكين بدء العملية السياسية.
ما حصل أن مؤتمر الرياض في التاسع والعاشر من الشهر الحالي جمع عدداً من كيانات المعارضة ومجموعات (جل أفرادها من المنتمين السابقين إلى مؤسسات النظام والمؤيدين للتحاور) بحسب اجتهادات الجهة المكلفة وليس "من أعضاء المعارضة السورية المختارة من السوريين" حيث كان من الأنسب أن يسبقه عقد مؤتمر وطني سوري عام وإن كنا لم نتوهم يوماً ولحظة بصدقية وجدية ونزاهة -المعارضة- وخصوصا (المجلس والائتلاف) إلا أننا نقف مشدوهين أمام سكوت وتباطؤ الثوار من الجيش الحر والفصائل والحراك الوطني المدني وغياب أية مبادرة توحيدية وخطوات لإعادة البناء والهيكلة والدعوة لعقد المؤتمر الوطني السوري المنشود لصياغة برنامج التصدي للتحديات وانتخاب مجلس سياسي – عسكري انقاذي طارئ للتعامل مع المستجدات وتمثيل أهداف الثورة السورية.
لا خلاف بين فيينا والرياض (ونقصد بالأول المجتمع الدولي وبالثاني المشاركين من -المعارضة- وليس الدولة المضيفة) حول "الالتزام بوحدة سوريا واستقلالها وسلامتها الإقليمية، وطابعها غير الطائفي، ولا خلاف أيضاً حول ضمان سلامة مؤسسات الدولة (وهي في تعريفها العملي: الأمنية والعسكرية والاقتصادية والمالية والإدارية والحزبية) ومن الواضح أن الجانبين لم يأبها للواقع التعددي السوري من حيث الأقوام والثقافات ولم يضمنا رفع الاضطهاد والقمع عن كاهل الكرد وتضمين حقوقهم بالدستور والاعتراف بوجودهم كقومية رئيسية كما لم يشيرا إلى وجود وحقوق باقي القوميات غير العربية من تركمان ومسيحيين وغيرهما بخلاف عبارات عامة مثل: وحماية حقوق جميع السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الطائفية.
ليس هناك خلاف على: دعم العملية الانتقالية الواردة في بيان جنيف 2012. من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر، ووضع جدول زمني وعملي لإعداد مسودة دستور جديد، على أن تُجرى انتخابات عادلة وشاملة بحسب الدستور الجديد خلال 18 شهراً، وأن تكون بإشراف الأمم المتحدة بما يحقق رضا وارتياح إدارة الحكم، وأعلى معايير الشفافية والمساءلة الدولية. وجميع السوريين، بمن فيهم السوريون في الشتات، يجب أن يكونوا مؤهلين للمشاركة".
صحيح أن هناك نوعاً من التشدد في أحد بنود بيان مؤتمر الرياض تجاه رأس النظام وزمرته، إلا أن ذلك لا يتناقض كليا مع مسار فيينا 2 لأن مجرد جلوس وفد المعارضة على طاولة الحوار مع الوفد الذي سيكلفه رأس النظام والتراجع عن هدف الثورة الأساسي: إسقاط النظام وتفكيك سلطته الأمنية والعسكرية بمثابة المضي قدماً في ذلك المسار، ومن الواضح أنه لولا عبارات التشدد تلك التي تحافظ ولو نظرياً على ماء الوجه لما تجرأت تلك الفصائل العسكرية من المشاركة في مؤتمر الرياض.
بالنهاية فإن ما جرى بالرياض هو تنفيذ لما عهد به دولياً إلى المملكة كدولة عربية مؤثرة داعمة للمعارضة الراهنة من أجل استكمال لما تم البدء به في فيينا بإرادة الجميع.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.