نعم.. الإنسان أسوأ من الحيوان!

بتنا أشباحاً موزعين على دول شتى، دول باتت ترفضنا كأننا مرض معدٍ يمكن أن يلوّث حياتهم الهانئة، وعلى الرغم أن جواز سفري يعلن أيامه الأخيرة، إلا أنه بات الوثيقة الوحيدة التي تربطني ببلدي الذي غادرته منذ أربعة أعوام، وثيقة لم تعد تعترف بها الكثير من الدول، وثيقة باتت مغرية لكل شعوب منطقتنا التي تعاني البؤس، حتى باتو يزوّرون جوازاتهم ليصبحوا سوريين ويصلوا إلى الجنة الأوربية.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/15 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/15 الساعة 04:01 بتوقيت غرينتش

"حين يغدو الإنسان حيواناً يكون عندئذ أسوأ من الحيوان"، عبارة قالها روبندرونات طاغور شاعر بنغالي، عندما قرأتها للمرة الأولى منذ سنوات شعرت بقساوة كبيرة يملكها هذا الشاعر وتساءلت ما الذي دفعه لخلق جملة من هذه المفردات القاسية بحق الإنسان.. ولكن مع مرور الوقت أدركت ما يقصده.

نحن أسوأ من الحيوان حين أخرجت الحرب السورية أسوأ ما فينا، ولا أعرف ما السر وراء رغبتي بإخفاء تلك المعلومة، هل أخجل لأنني أعرف أن السوري الذي نصب علي نصب على كثيرين غيري؟ بحجة أننا أبناء بلد واحد ونحن لبعض بالغربة، ولأن الشخص الذي ألقى بأرواح الكثيرين في عباب البحر هو سوري استغل حاجة السوري الهارب من الموت.

فالبقاء على قيد الحياة مرتفع الثمن هذه الأيام، ادفع كي تعبر الحدود، ادفع كي تصل للمكان الذي تريد، ادفع كي تعبر البحر، ادفع كي تصل هدفك بوسيلة أسهل.

لم يقتصر أكلنا لبعضنا رغم أننا جميعا هاربون من الحرب على سرقة بعضنا، زوّرنا كل شيء، السوري زوّر الشهادة وزوّر الجواز وزوّر وثائق الميلاد والزواج والسيارة، حتى زوّر الوثائق التركية، فلعبة النصب لن تنتهي..

بعنا آثاراً في الوقت الذي تحاول فيه دول أن تبني تاريخاً وتراثاً من لا شيء.

أنجبنا أطفالاً ورمينا بهم في البحر وهناك الكثيرات اللواتي يتمنين أن يعشن هذه الأمومة، منهم ذاك الطفل الذي وجده الصيادان التركيان في بحر إيجة يواجه السماء مرتدياً سترة الإنقاذ مستلقياً على المياه، ماذا كان يجول بباله؟ أين أمي هل سأسامحها عندما أكبر؟ سألقي بها في عباب البحر ربما، وأتركها تصارع الموج!

بتنا أشباحاً موزعين على دول شتى، دول باتت ترفضنا كأننا مرض معدٍ يمكن أن يلوّث حياتهم الهانئة، وعلى الرغم أن جواز سفري يعلن أيامه الأخيرة، إلا أنه بات الوثيقة الوحيدة التي تربطني ببلدي الذي غادرته منذ أربعة أعوام، وثيقة لم تعد تعترف بها الكثير من الدول، وثيقة باتت مغرية لكل شعوب منطقتنا التي تعاني البؤس، حتى باتو يزوّرون جوازاتهم ليصبحوا سوريين ويصلوا إلى الجنة الأوربية.

عندما اتخذت القرار بالكتابة في مساحتي الصغيرة، شعرت بوجود أشباح أحاطتني وقررتْ الكتابة معي، فاحت معها رائحة موت وغربة موجعة وحنين مؤلم، بينما كان من السهل علي أن أنقل قصة شخص آخر ببضع كلمات من خلال لقاء أو تقرير، ولكن أن أنبش ما بداخلي كان أمراً صعباً.

بحثت بين قائمة أصدقائي على فيسبوك عن قصة أحدهم أرويها فوجدت القائمة تضم:
مفقود
مقتول
غريق
مهاجر
آخرهم نُحر وسط منزله!!

كنت اعتدت قبل الخلود إلى النوم إحصاء النجوم، لكنني اليوم بتُّ أحصي وجوه من خسرتُ كي لا يمحو معالمها الزمان.. أحتفل افتراضيا بأعياد ميلادهم التي يذكرني بموعدها فيسبوك عندما تقفز صورة لي معهم، وأحاول أن أتجاهل ما كتبه كثيرون شامتون بهذه النجوم والأرواح التي تزداد أعدادها، فالسماء لم تعد تستوعب أعداداً أكثر.
غرق أطفال في البحر كبّر مثقف شامتاً
سقط صاروخ وسط مشفى ميداني كبّر آخر سعادة
قائمة الموت تزداد طولا ويزداد معها الانتشاء بالنصر.
للموت رائحة بشعة ومن ينتعش بها فأنا أدرجه تحت قائمة مقولة طاغور الإنسان أسوأ من الحيوان حين يكون حيواناً.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد