الانتقاء بين الضحايا

لست أبدا برافض لحملات التضامن مع ضحايا المظالم والانتهاكات من المنتمين لليسار واليمين، ومن الطلاب والشباب، ومن المعروفين للرأي العام. بل أجد أن المشاركة في مثل هذه الحملات بالمتاح لي من أدوات (وهي اليوم الكتابة الصحفية، والتوعية العامة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي) تمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا وأن اللافعل هنا هو اختيار العاجزين. غير أن الرفض والنقمة يعبران عن جوهر موقفي إزاء الممارسات الانتقائية بشأن الضحايا والتي تنتهي إلى التمييز ضد بعضهم وتجاهل حقوقهم وحرياتهم المسلوبة.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/11 الساعة 03:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/11 الساعة 03:53 بتوقيت غرينتش

ينتقص من وفي التحليل الأخير يتناقض مع القيمة الأخلاقية والإنسانية لحقوق الإنسان، أن يتعامل نفر من المدافعين عنها بانتقائية مع المظالم والانتهاكات التي تنزلها السلطوية بالمواطن.

البعض ينتقي وفقا لمعايير القرب والبعد الإيديولوجي، فيطلق حملات دؤوبة للتضامن مع المسلوبة حريتهم من المنتمين لليسار واليمين المعارض، ويتضامن بدرجة أقل مع القابعين وراء الأسوار من الديمقراطيين أصحاب الرؤى غير العلمانية، ويسكت بصورة شبه كاملة عن المسجونين والمحبوسين احتياطيا الذين لم يثبت عليهم التورط في خروج على القانون من أعضاء جماعة الإخوان والمتعاطفين معها.

البعض الآخر ينتقي وفقا لمعايير القبول المجتمعي للضحايا أو مدى استعداد الناس للتعاطف معهم، فيطلق حملات متتالية للتضامن مع الطلاب والشباب المسلوبة حريتهم بسبب معارضتهم للسلطوية الحاكمة والذين تتعاطف معهم قطاعات شعبية كبيرة نسبيا، بينما يتجاهل متوسطي العمر وكبار السن المنتمين أيضا للمعارضة السلمية والذين لا يقل على الأرجح عدد المسجونين والمحبوسين احتياطيا منهم عن عدد ضحايا المظالم والانتهاكات بين صفوف الطلاب والشباب.

البعض الثالث ينتقي وفقا لمعايير الاهتمام الإعلامي بالضحايا، فيطلق حملات للتضامن مع الضحايا المعلومة أسمائهم من المسلوبة حريتهم، بحيث ينقلب الأمر تدريجيا إلى ممارسة أشبه "بالوجاهة الاجتماعية" التي تستبعد من سياقاتها غير المعروفين إعلاميا من الضحايا وكذلك من لا يحضر اليقين بشأن اهتمام محتمل للإعلام بحالاتهم.

لست أبدا برافض لحملات التضامن مع ضحايا المظالم والانتهاكات من المنتمين لليسار واليمين، ومن الطلاب والشباب، ومن المعروفين للرأي العام. بل أجد أن المشاركة في مثل هذه الحملات بالمتاح لي من أدوات (وهي اليوم الكتابة الصحفية، والتوعية العامة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي) تمثل التزاما أخلاقيا وإنسانيا وأن اللافعل هنا هو اختيار العاجزين. غير أن الرفض والنقمة يعبران عن جوهر موقفي إزاء الممارسات الانتقائية بشأن الضحايا والتي تنتهي إلى التمييز ضد بعضهم وتجاهل حقوقهم وحرياتهم المسلوبة.

كان التضامن مع الصديق الأستاذ حسام بهجت حين احتجزته النيابة العسكرية ضروريا، وتجاوز حواجز المواقف الإيديولوجية والانحيازات السياسية، واتسم بالفاعلية. فماذا عن الصديق الأستاذ هشام جعفر، الصحفي الخلوق والمؤمن بالتوافق الوطني، الذي تجدد السلطات المصرية حبسه وحبس زميله الأستاذ حسام السيد منذ شهور؟

والاضطلاع بواجب التضامن مع الصحفي الأستاذ إسماعيل الإسكندراني (راجع هنا مقال الأمني والدبلوماسي على موقع هافينغتون بوست ومع المصور الصحفي محمود شوكان، لن ينتقص منه الدفاع عن قضايا الصحفيين والإعلاميين المسلوبة حريتهم والذين لم تجد حالاتهم سبيلها إلى الاهتمام الإعلامي.

والمطالبة برفع الظلم وجبر الضرر عن الطلاب والشباب القابعين وراء الأسوار، إن المعلومة أسمائهم أو غير المعروفين للرأي العام، لا تتعارض مع مطالبة مماثلة برفع الظلم عن متوسطي العمر وكبار السن ممن يواجهون قمع السلطوية الحاكمة. لماذا لا نتذكر المستشار الجليل محمود الخضيري؟ لماذا نتجاهل الشيخ حسن الشافعي والأستاذ الدكتور سيف الدين عبد الفتاح الذين فصلا من عملهما بجامعة القاهرة؟ لماذا يغيب التضامن عن حالة الأستاذ الدكتور عماد شاهين والأستاذة سندس عاصم، وهو وهي من المحكوم عليهم بالإعدام ودفعا إلى البقاء خارج مصر؟ لماذا نصمت على ممارسات سلب الحرية والتعقب والفصل من العمل والحجز على الأموال والممتلكات الخاصة التي تنزل السلطوية الحاكمة بمعارضيها أو بمن تصنفهم هي في عداد معارضيها؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد