يطيب لنظام الاستبداد الأسدي وفي وسائل إعلامه التغني بسيادة سوريا والتباكي عليها وادعاء انتهاكها من جانب كل من يتعاطف مع قضية الشعب السوري في كفاحه العادل من أجل الحرية والكرامة معيداً كل انتكاساته وهزائمه السياسية والعسكرية وتفكك جيشه وتراجع سلطته الأمنية والإدارية إلى أقل من ربع مساحة البلاد إلى الأسطوانة المشروخة بإلقاء اللوم على التدخلات الخارجية والاعتداء على الاستقلال والسيادة الوطنية، وكأنه مازال يعتقد كديكتاتور أرعن فاقد للشرعية مسؤول عن إراقة دماء مئات الآلاف وتدمير البلاد أنه يجسد قيم الوطن وسيادته.
قام السوريون بثورتهم معتمدين على أنفسهم وعلى إرادتهم الفولاذية وصدق تمسكهم بمبادئ الحرية والعدالة، وحتى مضي أعوام من معاناتهم بسبب الاختلال في موازين القوى لدى مواجهة النظام الذي استخدم كل موارد وقوى الدولة ضدهم، لم يطالبوا بأي تدخل خارجي، مطلبهم الوحيد بهذا الصدد اقتصر على شعار- التدخل الإنساني – رفعه المتظاهرون المحتجون السلميون في مختلف المناطق، وهو مطلب مشروع تحقق في أكثر من منطقة وبلد بأوروبا وإفريقيا وآسيا، أجازه الأمم المتحدة والقانون الدولي ولا يتناقض مع السيادة الوطنية.
مقابل ذلك ومنذ الأشهر الأولى لانتفاضة الشعب السوري كان الهمّ الأول للنظام وعلى رأس جدول اهتماماته تحقيق أمرين باتجاهين متكاملين: الأول دعم وتهيئة الجماعات والتنظيمات الإرهابية المحلية وتنظيم صفوفها واستدعاؤها من وراء الحدود وزرعها وتوزيعها في مناطق التماس مع قوى الجيش الحر واستحضار مجموعات وأفواج من مسلحي – حزب الله اللبناني – وكتائب عراقية مذهبية ومقاتلي الحرس الثوري الإيراني وجماعات – ب ك ك – ووضعها في مختلف محاور القتال في طول البلاد وعرضها، واستجلاب كل هؤلاء أو دخولهم ومشاركتهم بقتل السوريين ليس انتهاكاً للسيادة فحسب بل جرائم دولية ضد الإنسانية.
أما الثاني فكان استدعاء الجيوش النظامية الإيرانية والروسية لتدنيس أرض الوطن وإبادة السوريين بمختلف الأسلحة الفتاكة والمحرمة ومن الجو والبر والبحر بالترافق مع تنفيذ مخططات وإجراءات من قبيل تغيير التركيب الاجتماعي والمذهبي ومحو المعالم التاريخية الدالة على التنوع القومي والثقافي والديني في المجتمع السوري فأية سيادة يتغنى بها نظام الاستبداد بعد كل الذي حصل مما يضع على كاهل الثورة وبالإضافة إلى إنجاز مهامها في الحرية والكرامة والتغيير مهمة استرجاع السيادة الوطنية وصيانتها.
يتكرر المشهد بالعراق الذي ابتلي بحكم البعث عقوداً تماماً مثل سوريا بصورة مشابهة على مبدأ أينما حل حزب البعث انعدمت الحرية والكرامة والسيادة، فتارة يتغنى حكام بغداد من مخلفات العهد البائد بالصبغة المذهبية وليس القومية بالسيادة عندما يتعلق الأمر باستحقاقات شعب إقليم كردستان، وأحياناً في سبيل تنفيذ سياسات تخدم المحور الإيراني السوري الروسي ضد دول وحكومات من محور آخر مثل تركيا وبلدان الخليج، كما يحصل في هذه الأيام حول انتهاك الجيش التركي لسيادة العراق.
وكما هو معلوم ومنذ الانسحاب العسكري الأمريكي بعد سقوط النظام الديكتاتوري في بغداد تحول العراق الى بلد سائب وغير محصن منقوص السيادة، فمن جهة نظام الجمهورية الايرانية الاسلامية يتحكم بمفاصل الحكم والعسكر والأمن والاقتصاد، ومن جهة أخرى الميليشيات المذهبية تقتسم النفوذ والسلطات المحلية والقوى الارهابية من داعش وغيرها تسيطر على مناطق شاسعة وتقيم سلطتها والحكومات العراقية المتعاقبة لم تبادر أو فشلت في إلغاء الاتفاقية العراقية – التركية الأمنية الموقعة في عهد الديكتاتورية المنتقصة من حقوق العراق فعلاً والتي تخول الجانب التركي بإمكانية التغلغل العسكري في العمق العراقي لمسافة ثلاثين كيلومتراً.
يضاف الى كل ذلك الاتفاق العراقي الاستراتيجي مع الحلفاء بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لمحاربة داعش وضربه من الجو والبر وبمشاركة آلاف الخبراء والمستشارين والاتفاقية الأمنية الرباعية قبل نحو شهرين مع روسيا وإيران ونظام الأسد ومركزها بغداد، وهذا كله يوجز المشهد العراقي الراهن ويظهر الحالة الحقيقية على الأرض، بما فيها حكاية السيادة التي أشرنا اليها بالبداية.
هناك تواجد عسكري تركي رمزي في العراق وفي بلدة – بامرني – بكردستان من 150 جندياً نتيجة الاتفاقية الأمنية القديمة وبعد قرار التحالف الدولي بدعم العراق ضد داعش تحول هؤلاء الى مدربين للبشمركة بالبداية ثم لمتطوعي محافظة الموصل المحتلة من داعش بزعامة المحافظ السابق للمدينة، وبعلم وموافقة الحكومة العراقية كما يتردد، ولهم عدة قواعد للتدريب في كردستان.
وكما هو معلوم وعلى ضوء الخلاف الروسي – التركي هناك من يريد اثارة هذا الموضوع والمبالغة فيه، ليس من أجل السيادة العراقية المشروعة بل ضد تركيا ودعماً لروسيا وعلى ما يظهر فإن جماعات النظام الإيراني تقف وراء الحملة.
تحولت السيادة مثل أية سلعة أخرى إلى مادة للبيع والشراء في أسواق حكام سوريا والعراق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.