من السذاجة والحماقة أن يتوقع أحدنا أن يتم القضاء على "داعش" بالطرق المتخذة حالياً من قصف لمواقعهم ومحاولة إبادة مقاتليهم في عقر دارهم في الرقة في سوريا، هذا ما تقوم به فرنسا حالياً.
إن "داعش"، أو كما يحلو للأمير تركي الفيصل تسميتها "فاحش"، ما هي إلا عرض لمرض أخطر وأعظم، ألا وهو الإرهاب الفكري.
إن الإرهاب الفكري لدى "داعش" هو منبع أعمالهم الوحشية. فالقتل والنحر وتقطيع الكلى ومضغ القلوب هو نتائج وأعراض لهذا المرض الخطير (الإرهاب الفكري). إن المجتمع الدولي بكل قواه لن يستطيع مقاومة هذه المنظمة الوحشية حتى يستوعب تماما أن أعمال داعش ما هي إلا نتائج وعَرَض وليست أسباباً ومَرَضاً. بل إنني أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك وأقول: حتى إن تمكن المجتمع الدولي من إبادة جميع مقاتلي المنظمة الإرهابية داعش فإنه لن يقضي تمام القضاء على هذه المنظمة.
في حديث لملك المملكة الأردنية الهاشمية الملك عبدالله الثاني مع فخامة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق الرئيس بيل كلينتون، قال إن مقاتلي داعش يستلمون رواتب لا تقل عن ألف دولار شهريا — هذا إذا ما استثنينا نصيبهم من الغنائم! ألف دولار: هذا ما يعادل راتب الطبقة المتوسطة في الأردن! إن إشباع رغبات المقاتلين المادية والجنسية، حيث يجوز للمقاتل الزواج والتعدد، هو أحد أهم أسباب انضمام الشباب المسلم إلى المنظمة الإرهابية داعش.
هذا لا يعني بتاتاً أن الدافعَين، المادي والجنسي، هما وحدهما السبب وراء انضمام شبابنا المسلم للمنظمة الإرهابية، لكن هذين الدافعين هما بلا أدنى شك السببان الرئيسيان في اتخاذ القرار الأهم بالانتقال من مرحلة احتواء الفكر الداعشي إلى الانضمام الفعلي للمنظمة الإرهابية داعش.
يجب على العالم الإنساني أجمع أن يقر بأن من إخواننا وزملائنا وأبنائنا من يؤمن إيماناً تاماً بأن التهميش والقتل هما بالفعل حلول لاختلافاتنا وخلافاتنا السياسية والاجتماعية والطبقية والدينية. إن الإرهاب الفكري هو الإيمان المطلق والقناعة التامة بأن القتل هو أحد الحلول لمشاكلنا المحدثة. فالمتطرف الإسلامي الذي يؤمن بقتل الكافر لكفره، ويوازيه المتطرف الصهيوني الذي يؤمن بقتل الفلسطيني لعروبته، لا يمكن أن ينتج جيلاً قابلاً للحوار والمساءلة والمناقشة.
إن معالجة معضلة داعش تتم بشتى أنواع الطرق، وآخرها الحرب. توفير الوظائف، وإعادة النظر في مناهجنا المدرسية، وخلق مفهوم جديد للحياة غير قائم على الجنس والمادة هم أوسع الطرق التي يمكن – ويجب – أن يتم اتخاذها للقضاء على كل إرهاب، حاضر ومستقبل. فالإرهاب الفكري دواؤه العقل والحجة، وليس السلاح والقنابل. فبالحجة والبراهين يُقتل الإرهاب أينما كان، لأن الإرهاب لا دين له ولا جغرافيا.
اللهم أدم علينا نعمة القلم، وأزل عنا نقمة السلاح.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.