رحلة في عالم السياسة مسرحها حديقة كائنات حية خارجة عن أي تصنيف, شعار الرحلة "لا مكان للأسد في الحديقة"
.
أعلنت مخيلتي الذهنية عن قيامها برحلة تعليمية لحديقة الكائنات الحية خارجة التصنيف, حديقة فريدة من نوعها حوت الكثير من أصناف الكائنات و سبب الرحلة هو قيام إدارة الحديقة بتنظيم حملة مناصرة بعنوان "لا مكان للأسد في الحديقة"!!
ذهبت للرحلة متوجساً من الأجواء المشحونة و الإرادات الملتهبة من جميع الأصوات الرامية إلى إقصاء الأسد عن الحديقة.
اصطحب بعض زوار الرحلة معهم بعض الهدايا والأطعمة كنوع من الهدايا الرمزية التي قد تخفف من معاناة الأسد و القرار الصادر بحقه.
دخلنا الباب على حذر و خوف شديدين.. و المفاجأة الأولى كانت بوجود الأسد في مقدمة المستقبلين, يستقبل كل زائر بالابتسامة الجميلة و السكينة و الطمأنينة و على وجهه علامات الراحة…. هل تراه لم يعلم بقرار إدارة الحديقة بعد؟
تابعنا المسير فأصر الأسد على مرافقتنا, انعطفنا لزيارة مكان تواجد القردة, و ما إن رأتنا القردة حتى وقفت بكل احترام مرحبةً قائلة: "سيدي الأسد أنت قليل عليك أن تتحكم بهذه الحديقة فقط, يجب عليك أن تتحكم بسائر الحدائق الأخرى".
تعجب الزوار من هذا الكلام حتى أضحى لسان حالهم "لا بد من عدم وجود تنسيق مع القردة في شأن الحملة المقامة"
تابعنا المسير و العبارات تتتالى على جدران و أقفاص الحديقة "لا مكان للأسد في الحديقة الجديدة, أسرة الحديقة ترفض أي دور للأسد في الحديقة الجديدة" .. حديقة جديدة
لم أكن أدري بوجود مشروع لحديقة جديدة فكل ما أعرفه أن الأسد هو فقط من سيغادر وليس العكس.
توقفنا مرات و مرات لاستراحات عديدة فُرضت علينا بسبب مرافقة الأسد لنا, فوجبات الطعام الشهية لم تكد تتوقف و كان لا بد من انتظاره, والغريب في الوجبات المقدمة غلافها الخارجي و الذي يحوي عبارة تناقض المنطق "الأسد فقد وجباته الغذائية كاملةً" كيف تقدم له وجبات سخية و الغلاف يتحدث عن انتهاء الوجبات المقدمة إليه!!
سأل بعض الزوار الأسد: عزيزي الأسد ما هو شعورك تجاه قرار إدارة الحديقة بحقك"
توقف الأسد عن الطعام ثم أجاب "هناك فرق بين القرار و الفرار , فالقرار هو %$#%$ و الفرار هو %$$%^& !!!
لم يفهم الزوار ما قاله الأسد و لكن ما فهمه الجميع آنذاك أن الأسد لا يدري عن أي شيء نتحدث.. أو هكذا يبدو لنا.
تابعنا المسير والأسد ما زال برفقتنا يتجول تجول المنتصر, الكل يلقي السلام عليه, و على طريق الحديقة الجديدة وصلنا للدب الروسي المصدر, وجدنا عبارة مختلفة هنا على باب قفصه "مصير الأسد تحدده أسرة الحديقة" و ما إن انتهينا من قراءة هذه العبارة حتى سمعنا دوي صوت عم أرجاء المكان "انتباه انتباه… قررنا نحن مجلس أمن الحديقة أن لا دور للأسد في الحديقة الجديدة و يجب محاسبة الأسد على إسرافه في استنفاذ الأطعمة و تحطيمه للحديقة مما انعكس بنتائج اقتصادية سيئة أرخت بظلالها على جميع القطاعات… بدت الأصوات مرحبة من جميع الكائنات الموجودة بما سمعوه, و لكن صوت الدب الروسي جاء دويه بشكل أكبر "أنا لا أوافق على ما قيل" خمدت الأصوات بالتزامن مع رقص الأسد فرحاً مما قد سمعه, انقطع صوت مجلس أمن الحديقة و عادت أغنيات القلق من جديد تعزف بشكل هادئ و متقطع بين الحين والآخر من إذاعة الحديقة.
و انتهى بنا المطاف على أعتاب الحديقة الجديدة, لندخل في تناقض آخر, فشعار الحديقة الجديدة "الأسد سيلعب دوراً في المرحلة الانتقالية" شعار مخالف و مختلف لكل مما سبق .. أدرك الزوار جميعهم هنا أن حملة المناصرة الرامية إلى إقصاء الأسد ما هي إلا مجرد عبارات فارغة من مضمونها و أن إدارة الحديقة ستمنحه مستقبلاً أفضل سواء في الحديقة الحالية أم في سورية الجديدة
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.