خلال مراسم تتويج "التانغو" بلقب كأس العالم 2022، أهدى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، "البشت" القطري إلى النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهو تصرف حاولت بعض الصحف الغربية مهاجمته وتفسيره بطريقة غريبة.
وسلطت الصحافة الأرجنتينية الضوء على معنى إلباس أمير قطر "البشت" لميسي وقالت صحيفة "لا ناسيون": "هذه العباءة تعادل البدلة الرسمية في بقية دول العالم، أهداها أمير قطر إلى ميسي كعلامة على الاحترام، فهو محارب انتصر لبلده".
بينما احتفى المغردون العرب بالتصرف، لأن كثيراً منهم يعرفون دلالته، ومعنى إهداء العرب البشت إلى شخص ما، وكونه أحد العناصر الأساسية في لباس الرجل الخليجي، ورمز الأناقة والوجاهة في المناسبات الرسمية.
البشت العربي تقليد من قبل الإسلام
البشت هو عباءة يرتديها الرجل فوق ثيابه لتمثل ما يمكن اعتباره تتويجاً للشكل العام للرجل في الجزيرة العربية، كما يعد رمزاً ثقافياً عميق الارتباط بالهوية العربية، حيث يعود استخدامه إلى أكثر من 2000 عام، مروراً بعصور صدر الإسلام وما بعدها.
يبدأ لبس البشت من الأكتاف وحتى القدمين، ليست له أكمام ولكن له فتحتان من أجل إخراج اليدين من خلالهما. والطريقة المتعارف عليها في لبس البشت بالخليج، هي أن توضع اليد اليمنى داخل الكم الأيمن وتبقى في الخارج للمصافحة والسلام، مع إبقاء اليد اليسرى في الداخل تلملم أطراف البشت عند المشي والحركة.
يكون لون البشت إما أبيض أو بنياً أو أسود، كما يوجد فيه تطريز يبدأ من الرقبة، وغالباً ما يكون التطريز باللون الذهبي، وأحياناً قد تكون "البشوت" الفاخرة مطرزة بخيوط الذهب الحقيقية.
وكانت تعتبر رداء الوجاهة الذي كان يرتديه العرب في الماضي، ابتداء من الوجهاء، ووصولاً إلى عامة الناس في جل الأوقات.
دلالة إهداء الأمير تميم البشت إلى ميسي، وتقليد "الخلعة" في الثقافة العربية
تسمى عادة إهداء البشت أو العباءة بـ"الخلعة أو التشريفة"، وهو مصطلح يُشير إلى الملابس الشرفية التي قدَّمَها الحكام قديماً بوصفها رداءً شرفياً، غالباً في حفل تعيين لمنصب عام، أو هدية قيّمة لها رمزية خاصة.
وبحسب بعض المصادر التاريخية كانت عادة الخلع متبعة عند القدماء المصريين، وكذلك كانت عند الفرس، وأول من خلع الخلعة في الإسلام النبي محمد (صلى اللَّه عليه وسلم)، عندما خلع بردته على الشاعر كعب بن زهير، وقد سار الخلفاء من بعده على نهجه.
كعب بن زهير لم يكن راضياً عن إسلام أخيه "بجير"، ونظم أشعاراً يهجو فيها الإسلام والرسول، وبعد أن استطاع المسلمون فتح مكة، أُهدر دم كعب بن زهير.
لكن كعب ذهب إلى المدينة خفية، وقد اطمأن قلبه للإسلام وشعر بالندم على ما فعل، وخرج في مجلس به رسول الله وأصحابه دون أن يُعَرّف نفسه، وعندما أيقن أن النبي سوف يعفو عنه، عرّفه بنفسه وأنشد قصيدة يمدح فيها رسول الله، وقد أعجب بها النبي، وخلع بردته، وأهداها إلى كعب بن زهير.
وكانت "الخُلع" في العصر العباسي، غالباً ما تشتمل على عمامة مذهّبة، وعباءة مبطنة. وتنوعت الخلع أيام العباسيين، وكانت تختلف قيمتها بالنسبة لمن تخلع عليه، كل حسب مركزه، ويقال إن الخليفة هارون الرشيد خلع لأول مرة على وزيره جعفر البرمكي في أول يوم تسلم فيه مهام الخلافة.
وكانت تُخلع أيضاً على ولاة الدولة؛ إشعاراً بتوليهم منصبهم، ويستعاض عنها أحياناً بقدر من المال. ومن ثم أطلقت عبارة "خلعت بها"- أي ثمن حلة التشريف- على المال الذي يوزع على ضباط الإنكشارية، عند اعتلاء السلطان العثماني العرش.
وكان ملوك فارس يبعثون بحلة مع رسول خاص إلى ولاة الأقاليم الذين يرغبون في تشريفهم، ويرتدي هؤلاء هذه الحلة في المناسبات الخاصة، ويكرمون الرسول اعترافاً بهذا الفضل ويغدقون عليه الهدايا.
وكانت الخُلع في آسيا الوسطى تصنع من خيوط الذهب المنسوج في الهند ومن الحرير المختلف الألوان. وكان المنعم عليه بكساء من هذه الكسى يلبس الخلعة فوق الملابس التي يرتديها.
أما اليوم فيعتبر البشت رمزاً للتشريف والمكانة الاجتماعية في دول الخليج، ورمزاً للمكانة بين أفراد العائلة المالكة والأثرياء وذوي المكانة الاجتماعية العالية.
وعندما يهديك حاكم دولة، البشت ويضعه على كتفك، فهذا أعلى وسام وتكريم في الثقافة الخليجية.