من شوارع مدينة فاس القديمة، الموجودة وسط المملكة المغربية، داعب الطفل يوسف النصيري كرة القدم لأول مرة، ليظهر موهبته الكبيرة، مقارنة بباقي أصدقائه الذين كانوا يشاركونه اللعب.
انتقل النصيري من ملعب الحي إلى ملعب نادي المغرب الفاسي من أجل التكوين، ثم تدرج في مساره الكروي، بعدما أبان عن إمكانيات عالية أمام المدربين، إلى أن أصبح نجماً في مجموعة من الفرق الإسبانية، ثم بطلاً في أعين المغاربة، بعدما حقق هدف الفوز أمام المنتخب البرتغالي، الذي ضمن للمغرب مقعداً في المربع الذهبي، ضمن نهائي مونديال قطر 2022.
يوسف النصيري.. من الشارع إلى التكوين الاحترافي
ولد يوسف النصيري يوم 1 يونيو/حزيران من سنة 1997، في حي بلخياط الذي يعتبر من بين الأحياء البسيطة في مدينة فاس المغربية، داخل أسرة متواضعة، همها توفير لقمة العيش لأطفالها، وإيصالهم إلى أعلى المراتب.
وخلال طفولته، كان يوسف يحب لعب كرة القدم رفقة أصدقائه في ملعب الحي، كما هو حال أغلب الأطفال من جيله، لكنه كان مميزاً بتمريراته، وضرباته الرأسية، ومراوغاته، هذا ما جعله يتفوق كذلك ضمن الفريق المدرسي، الذي جعله يحصل على لقب أحسن لاعب صاعد في كرة القدم في المغرب، على مستوى المدارس.
بعد هذا الإنجاز الصغير قامت إدارة نادي المغرب الفاسي باستدعائه من أجل التكوين لديهم، لكن عائلة النصيري كانت مترددة في قرارها، خصوصاً أنها كانت تريد لابنها إكمال دراسته، والتفوق فيها، خصوصاً أن الكرة المغربية في ذلك الوقت كانت تعرف ركوداً كبيراً، وقل فيها النجوم، وغابت عن أهم البطولات.
لكن إصرار يوسف النصيري جعل والده يقبل بدخوله إلى النادي المحلي، وصقل موهبته الكروية هناك، إلى أن تم النداء عليه بعد سنوات قليلة، وبالتحديد سنة 2011، إلى أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، من طرف المدير الفني ناصر لارغيت، والتي تم افتتاحها خصيصاً من أجل البحث عن نجوم جدد في عالم الساحرة المستديرة، من أجل إعادة هيكلة القطاع الكروي المغربي.
تألق في الأكاديمية ليستعين به ملقا من أجل التفوق
كان من الصعب على عائلة يوسف النصيري أن تقبل بمغادرة ابنها البالغ من العمر 14 سنة فقط، إلى مدينة أخرى من أجل التكوين الكروي.
لكن إصرار هذا الطفل المولع بمداعبة الكرة جعله يقنع والده للمرة الثانية، خصوصاً أن الأكاديمية توفر لطلابها جميع التسهيلات، من سكن ومأكل ومشرب، ورعاية.
استمر النصيري لمدة أربع سنوات، وهي المدة التي كانت كفيلة بأن يظهر ما في جعبته كروياً، ويقرر نادي ملقا الإسباني الظفر به سنة 2015، وضمه على سبيل الإعارة، ضمن فريق الشباب، خارج أرض الوطن.
مع بداية الموسم الكروي تمكن النصيري من إظهار موهبته، بعد أن تمكن من تسجيل أهداف مستمرة، في أغلب المباريات التي لعبها، ما جعل مسؤولي الفريق يقررون نقله إلى الفريق الرديف، وهو القرار الذي كان صائباً، بعد أن أدخل كرته في شباك الفريق المنافس في أول مباراة له، ليستمر على نفس المستوى طيلة الموسم.
في سنة 2016، قرر النادي الإسباني توقيع العقد الرسمي رفقة النصيري بمبلغ 125 ألف دولار، إذ إن هذا اللاعب المغربي، الذي كان حديث الولادة في عالم الاحتراف، كان عبارة عن طوق نجاة للنادي الذي كان يعاني في تلك الفترة، فتمكن من تسجيل 4 أهداف، خلال 27 مباراة.
رفضه الجمهور المغربي فأسكتهم بهدف في شباك إسبانيا
في نفس السنة التي كان يحارب فيها النصيري من أجل إثبات نفسه بين لاعبي الدوري الإسباني، إلى جانب مشاركته في منتخب المغرب أقل من 20 سنة، تم استدعاؤه من طرف المدرب هيرفي رونار، الذي كان على رأس أسود الأطلس، سنة 2016، وذلك من أجل المشاركة في مباريات ودية، لكنه لم يتمكن من تحقيق ولا هدف خلال هذه المشاركة.
وفي نفس تلك المرحلة، تم تجديد عقده مع نادي ملقا الإسباني، حتى سنة 2018، وهي السنة التي كان يستعد فيها المغرب من أجل المشاركة في مونديال روسيا، إذ تم استدعاؤه من طرف المدرب رونار من جديد وفي آخر لحظة، بعدما كان في اللائحة الاحتياطية.
لكن الجمهور المغربي كان ثائراً ضد مدرب المنتخب الوطني، بعد أن اختار اللاعب الذي كان قد أضاع عدة فرص خلال مشاركته في مباراة ضد منتخب الغابون، ضمن نهائيات كأس إفريقيا سنة 2017.
إذ خرج الجمهور المغربي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من أجل إعلان رفضه التام لوجود النصيري في تشكيلة المنتخب، مشيرين إلى أنه سوف يكون السبب في الإقصاء من جديد، بعد أن تحقق حلم العودة إلى المنافسة في البطولة العالمية، التي غاب عنها المغرب طيلة 20 سنة كاملة.
لكن يوسف النصيري تمكن من إسكات الجميع، بعد أن قام بتسديد هدف في شباك المنتخب الإسباني، خلال آخر مباراة في دور المجموعات، والتي كانت المباراة النهائية لأسود الأطلس، الذين أبانوا عن مستوى عالٍ في اللعب، بالرغم من الإقصاء.
نجم في إسبانيا متفوق على ميسي!
خلال سنة 2018، تمكن يوسف من تسجيل 5 أهداف رفقة المنتخب المغربي، خلال المباريات السبع التي شارك فيها، ومن هناك أصبح دائم الحضور بين تشكيلة منتخب بلاده، بالرغم من أن الجماهير التي كانت متشككة في مستواه الكروي.
لكن على عكس الجماهير الكروية المغربية، فقد رأى نادي ليغانيس الإسباني في النصيري إمكانيات كبيرة، جعلته يوقع معه من أجل ضمه لموسمين، حتى سنة 2020، وهي الفترة التي تمكن فيها من إثبات نفسه بشكل أكبر، عن طريق أهدافه المستمرة، خصوصاً الرأسية منها، والتي اشتهر بها بين الجماهير، ونجوم كرة القدم.
ولكي يستمر في طلوع سلم النجاح والتألق، قبل ابن مدينة فاس بتوقيع عقد مع نادي إشبيلية، مقابل 25 مليون يورو.
إذ إنه حقق العديد من الإنجازات رفقة النادي الإسباني، ليصبح بذلك أفضل هداف في تاريخ الفريق، بعد أن كان آخر من حصل على اللقب هو خوان أرزا سنة 1955.
كما أصبح النصيري منافساً قوياً لأشهر لاعبي الساحرة المستديرة في الدوري الإسباني، برصيد 12 هدفاً، متساوياً مع لويس سواريز، متفوقاً على ليونيل ميسي.
يوسف النصيري.. محقق أحلام الجماهير العربية
وصل يوسف النصري رفقة المنتخب المغربي إلى مونديال قطر 2022، بعد أن تم استدعاؤه من طرف المدرب وليد الركراكي، ليكون ضمن التشكيلة الأساسية.
وبالرغم من كل ما حققه في إسبانيا، فإن خوف الجماهير المغربية عاد للظهور من جديد، راسمين أسوأ السيناريوهات المتعلقة بطريقة لعب يوسف النصيري.
لكن اللاعب الذي تكوّن على أيادٍ مغربية، واحترف اللعب في إسبانيا، تمكن من إثبات اسمه بين اللاعبين، بعد أن سجل أول هدف له في شباك المنتخب البلجيكي، وهو الهدف الذي كان حاسماً من أجل التأهل إلى الدور الثاني من المونديال.
وبهذا الهدف، أصبح النصيري أول لاعب مغربي يسجل هدفين في موسمين من كأس العالم، الشيء الذي جعل الجماهير المغربية خاصة، والعربية عامة، تشيد بأدائه القتالي داخل رقعة الميدان، خصوصاً أنه سجل هدفاً ثانياً في نفس المباراة، لكنه لم يُحسب.
ولم يتوقف هنا، فقد أصبح يوسف النصيري محقق أحلام ملايين العرب، بعد أن قاد هدفه خلال الشوط الأول في شباك المنتخب البرتغالي، المنتخب المغربي إلى الدور نصف النهائي، وهي المرة الوحيدة التي يتمكن فيها منتخب إفريقي، وعربي من الوصول إلى المربع الذهبي في تاريخ كأس العالم، التي كانت أولى دوراتها سنة 1930.
هذا الهدف لم يكن عادياً، فقد أدخله يوسف بضربة رأسية، بعد أن قفز عالياً، بطول 2.78 متر، وهي القفزة التي تجاوزت تلك التي قام بها كريستيانو رونالدو سنة 2018، والتي وصلت إلى 2.56 متر.
ومباشرة بعد الفوز على البرتغال، حصل حارس المنتخب المغربي ياسين بونو على جائزة المباراة، بعد أن حافظ على شباكه نظيفة طيلة 98 دقيقة، لكنه قرر التخلي عنها من أجل صديقه النصيري، الذي اعتبره الأحق بها، لما أنجزه من أجل المنتخب، والشعب كاملاً.
واليوم أصبح هذا الشاب الذي قاده حب الساحرة المستديرة إلى تحدي الظروف، والسعي وراء حلمه، أكثر لاعب مغربي مسجل للأهداف في تاريخ المنتخب المغربي، بمعدل 16 هدفاً، متفوقاً على نجوم الكرة الذين سبقوه، ومواجهاً انتقادات كان من الممكن أن تعيده إلى الوراء.