تفاجأ الكثير من متابعي كرة القدم من حجم المفاجآت الكروية التي حملتها بطولة كأس العالم قطر 2022، منتخب المغرب يقدم درساً كروياً لمنتخب بلجيكا المصنف الثاني على العالم، والمنتخب السعودي يباغت الأرجنتين ويهزمها بحضور أسطورتها ميسي، واليابان توقف الماكينات الألمانية والعديد من المفاجآت الأخرى.
ومثلت الخطط التكتيكية الفريدة والمنظمة من المدربين، والتزام اللاعبين فوق الميدان بها العامل المشترك بين هذه المفاجآت المدوية.
وقبل ظهور هذه التكتيكات والخطط، كانت كرة القدم تعتمد على القوة البدنية والجري وراء الكرة، وفي أفضل الأحوال القدرة على مراوغة خصمين قبل التسديد على المرمى، لتتطور أساليب اللعب مع ظهور التكتيكات في اللعب، وتصير لعبة كرة القدم أكثر تعقيداً للجالس في المدرجات أو وراء الشاشات.
سبعة مهاجمين.. الخطط الأولى في عالم كرة القدم
شهدت لعبة كرة القدم تطوراً وتغيراً كبيرين واكبا عمرها الممتد لأكثر من قرن من الزمن، ومن الأمور التي تطورت في اللعبة الأكثر شعبية في العالم، الخطط التكتيكية واستراتيجيات اللعب.
فقد كانت فرق كرة القدم الأولى خلال القرن الـ19 تميل إلى اللعب الهجومي، فقد كانت معظم الخطط مكونة من ثمانية لاعبين في الهجوم، مع حارس مرمى وظهير ومدافع واحد، في سبعينيات القرن ذاته، استخدمت الفرق الناجحة طريقة مختلفة قليلاً تضمنت سبعة مهاجمين، وظهيرين ومدافعاً واحداً. خلال هذه الفترة تم وضع ضغط كبير على مهارات المراوغة للاعبين.
في ثمانينيات القرن الـ19، قام الرائد وليام سوديل بامتلاك نادي بريستون نورث إند، وجلب لاعبين من اسكتلندا للعب في ناديه، جلب هؤلاء اللاعبون معهم ما كان يُعرف باسم "الأسلوب الاسكتلندي" الذي ركز على التمرير أكثر من المراوغة.
بدأ الموسم الأول من دوري كرة القدم الإنجليزي في سبتمبر/أيلول 1888، وبفضل الأسلوب الاسكتلندي، فاز وليام سوديل وفريقه بريستون نورث إند بالبطولة الأولى دون خسارة أي مباراة في الدوري، وصار يطلق عليهم لقب "الفريق الذي لا يقهر"، في ذلك الموسم، استخدم سوديل خطة 2-3-5 (مدافعَين + 3 أظهرة + 5 مهاجمين).
نجاح بريستون نورث إند أقنع الأندية الأخرى بتبني تشكيل 2-3-5. سيطر هذا النظام على كرة القدم حتى عام 1925 عندما قرر الاتحاد الإنجليزي تغيير قاعدة التسلل، والتي أدت إلى تقليل عدد المدافعين من ثلاثة إلى اثنين لكسر التسلل.
خطة "WM" حين أصبح لخط الوسط الدور الأبرز على أرضية الميدان
في عام 1930، اقترح تشارلي بوكان الذي كان يلعب لفريق أرسنال الإنجليزي، على مديره الفني هربرت تشابمان، أن يستغل تغيير قانون التسلل لإنشاء تشكيل لعب جديد.
الفكرة أن لاعب الوسط، بدلاً من المدافعين، هو من يجب أن يتحمل المسؤولية عن مصيدة التسلل، لذلك تم تغيير التشكيل من 2-3-5 إلى 3-3-4 وأصبح هذا معروفاً أيضاً باسم تشكيل "WM"، وطورت هذه الخطة لتصبح تعرف باسم لعبة الهجوم المضاد.
مع الوقت بدأت تظهر خططٌ تكتيكية شبيهة لخطة WM، أبرزها تلك التي ابتكرها الإيطالي فيتوريو بوتسو المُدرب الوحيد الذي فاز بكأس العالم مرَّتين والمتمثلة في خطة 3/2/2/3، و3/3/1/3.
لكن تكتيك منتخب البرازيل 4/4/2 الذي جسده في خمسينيات القرن الماضي، شكّل نقلة نوعية في عالم التكتيك بتاريخ لعبة كرة القدم، والتي من خلالها حقق فيها المدرب فيسنتي فيولا اللقب الأول لمنتخب السامبا في كأس العالم 1958، هذه الخطة التي اعتمدت على لاعبي الوسط، الذين كانوا يساندون خط الهجوم، ويعودون لمساندة الدفاع عند هجوم الخصم.
تتميز خطة الـ4/4/2 بسهولة تطبيقها على أرض الملعب، وتتألف من أربعة مدافعين "قلبَي دفاع وظهيرين" وأربعة لاعبين في خط الوسط، واثنين في الهجوم، وهي بعيدة عن التعقيد، حيث يطلب من كل لاعب تنفيذ مهمته الأساسية فقط، إضافة إلى قرب اللاعبين من بعضهم البعض في كل جزء من أجزاء الملعب، وهذا يسمح لهم بالتمرير بكلّ سهولة.
الكرة الشاملة تصل بالخطط التكتيكية إلى الكمال
ومع تطور اللعب الجماعي واعتماد الكرة على التمرير أكثر منها على المراوغة والكرات الطولية، ظهرت العديد من الخطط التكتيكية الأخرى التي تعتمد على ما صار يسمى بالكرة الشاملة، التي نشأ نموذجها الأولي في وقت مبكر جداً من المدرب الإنجليزي الأسطوري جيمس هوجان.
تم تبني هذه الفكرة وقام بتطويرها المدرب هوغو ميسل، أثناء إشرافه على المنتخب النمساوي الذهبي، وذلك بالاعتماد على الثنائي ماتياس سندريلا وجوزيف بيكان في الهجوم.
ثم قام تلميذ آخر من تلاميذ المدرب هوجان وربما أشهرهم، المجري جوستاف سيبيس، بوضع هذا الأسلوب حيّز التنفيذ حين كان يدرب منتخب المجر الأسطوري.
كانت خطة المنتخب المجري 3-2-3-2، مشابهة لخطة 5-3-2 المستخدمة قبل 40 عاماً تقريباً. كان سيبيس رائداً في استخدام منصب المهاجم الوهمي مع نجم فريقه فيرينك بوشكاش، وقدم للعالم فكرة أن اللاعبين يمكن أن يلعبوا في أكثر من مركز واحد.
بعد الستينيات، ظهر فريق جديد في المقدمة اسمه أياكس أمستردام، بقيادة المدرب الهولندي رينوس ميشيلز.
أضاف مايكلز الانضباط إلى نموذج كرة الشاملة، وقدم مفهوم الضغط على الخصم، واستخدم طريقة 4-3-3 في أياكس مع كرويف.
في عام 1974، تولى ميشيلز مسؤولية تدريب المنتخب الهولندي، حيث صاغ مواهبه في وحدة كرة قدم كاملة مثل ناديه أياكس، وأدخل فكرة كرة القدم الشاملة على المسرح العالمي، أذهلت هولندا العالم بكرتها الشاملة، لكنها خسرت أمام ألمانيا في نهائي كأس العالم 1974.
تولى يوهان كرويف تدريب برشلونة، ناديه السابق، وأنشأ فريق الأحلام الذي فاز في عام 1992 بكأس أوروبا بلعب كرة القدم الشاملة. كان كومان في الدفاع ولاودروب في خط الوسط وروماريو وستويتشكوف في الهجوم.
كان محرّك خط الوسط شاباً يُدعى جوسيب جوارديولا، والذي نجح في الفوز بسداسية كاملة مع نادي برشلونة سنة 2009 بتطبيق فلسفة الكرة الشاملة، وأشرف على فريق قوي بقيادة الثلاثي ليونيل ميسي وأندريس إنييستا وتشافي هيرنانديز، وهو الفريق الذي قيل عنه إنّه تتويج لرؤية هوجان كل تلك السنوات الماضية.
أبرز الخطط التكتيكية الفعالة
بالرغم من السحر الذي نثرته الكرة الشاملة على كرة القدم، فالكثير من المدربين والمحللين يرون في تطبيقها مغامرة كبيرة خصوصاً في البطولات الدولية، لذلك يلجأ الكثير من المنتخبات والفرق إلى خطط تكتيكية بديلة أبرزها:
خطة 3-5-2
تعدّ هذه الخطة من الخطط التكتيكية الدفاعية الفعالة، التي تقابل خطط الكرة الشاملة، إذ تركز هذه الخطة على الوسط، في محاولة لغلق المساحات وإجبار المنافسين على لعب الكرات العرضية، وتضم خطة 3-5-2، ثلاثة مدافعين وخمسة لاعبين في خط الوسط إضافة إلى مهاجمين اثنين.
كما توفر هذه الخطة غطاء دفاعياً هائلاً، حيث تضم 3 مدافعين واثنين من لاعبي خط الوسط، مما يسمح للاعبين من حولهم بالانقضاض على فرص الهجمات المرتدة.
ويسمح وجود الظهير والأجنحة إلى جانب لاعب خط الوسط واثنين من المهاجمين للفرق التي تستخدم تشكيلة 3-5-2 بالتغلب على دفاع الخصم.
في الوقت الحالي يعتبر المدرب الإيطالي أنطونيو كونتي من أبرز المدافعين عن خطة 3-5-2 التي يمكن أيضاً تعديلها إلى أسلوب 5-3-2 لتوفير غطاء دفاعي أكبر.
خطة 4-2-3-1
خلال مونديال قطر 2022، تمّ الاعتماد على خطة 4-2-3-1 من قبل عدة منتخبات نجحت في فرض أسلوب لعبها، خصوصاً ضد المنتخبات التي تؤدي أداءً هجومياً، فاستعمل منتخبا السعودية واليابان لفترات طويلة هذه الخطة في مقارعة كلٍّ من الأرجنتين واليابان.
وتبقى خطة 4-2-3-1 أكثر الأساليب ذكاء من الناحية التكتيكية في تاريخ كرة القدم، فهي تركز بشكل متساوٍ على التكامل الدفاعي والنزعة الهجومية.
تشكيلة 4-1-4-1
تعد هذه الخطة واحدة من أفضل الخطط التكتيكية الهجومية، فبالرغم من وجود رأس حربة واحدٍ في هذه الخطة إلّا أنّ الأجنحة يلعبون دوراً كبيراً الضغط على الخصوم.
ومن بين العناصر الأكثر أهمية في أسلوب لعب 4-1-4-1 هو لاعب الوسط الدفاعي الذي يجب أن يكون ماهراً في دعم زملائه المهاجمين في الضغط العالي، وتواجد لاعبٍ مميزٍ في هذا المنصب شرطٌ أساسيٌ في نجاح هذه الخطة.
تجدر الإشارة إلى أنّ هذه الخطة، حققت نجاحاً كبيراً لمنتخب ألمانيا في كأس العالم 2014 الذي فاز باللقب بتجسيدها ولا يزال متشبثاً بها في بطولة قطر 2022، كما يعتبر المدرب مارسيلو بيلسا أحد أبرز المدافعين عنها.
تشكيلة 4-3-3
تعتبر خطة 4-3-3 من بين أكثر التشكيلات استخداماً في عالم كرة القدم حالياً، وذلك بفضل ميزاتها الدفاعية والهجومية، وكونها أحد أساليب الكرة الشاملة.
ولنجاح هذه الخطة، يجب أن يمتلك الفريق خط وسط قوياً، يستطيع الهجوم والدفاع في نفس الوقت، بالإضافة إلى أن يكون أحد لاعبي خط الوسط الثلاثة يمتلك مهارات هجومية ودفاعية هائلة.
وتمنح الخطة فرصاً هجومية أكبر، وتساعد على فرض اللعب على المنافس، كما أنّ لها ثغرات قد تتسبب في فشلها، من خلال اعتماد الفريق الخصم على مصيدة التسلل والدفاع المتقدم.
وتعدّ خطة 4-3-3، الخطة المفضلة للمدرب الإسباني جوسيب غوارديولا وللفرق التي تحب استعراض مهاراتها ولعب كرة القدم الهجومية.
كما أنّ المنتخب المغربي اعتمد عليها لتحقيق انتصارٍ تاريخي ضد منتخب بلجيكا في الجولة الثانية من منافسات المجموعة السادسة من بطولة كأس العالم قطر 2022.
خطة 4-4-2
تعدّ خطة 2-4-4 إنجليزية بالأساس، وقد سجلت هذه الخطة عودة قوية في السنوات الأخيرة، جعلتها تقارع خطط الكرة الشاملة، إذ حقق ليستر سيتي وأتلتيكو مدريد نجاحين هائلين خلال السنوات القليلة الماضية بفضل استخدام تشكيلة 4-4-2 الكلاسيكية.
وتعتمد هذه الخطة على 4 لاعبين في خط الوسط، سواء في حالة الهجوم أو الدفاع، وهي الميزة التي تجعل خطة 4-4-2 معتمدة حتى اللحظة، كونها تساعد في حسم معركة الوسط.
وتعتمد عدة منتخبات مشاركة في كأس العالم على هذه الخطة، أبرزها المنتخب الهولندي والبلجيكي والبرتغالي.