شكّلت المباراة التي جمعت بين منتخبَي إيران وأمريكا، في كأس العالم 1998، حدثاً دولياً كبيراً اكتسب طابعاً سياسياً أكثر منه رياضياً؛ لدرجة أنها وُصفت بـ"المباراة الأكثر تسييساً في تاريخ كرة القدم"، حالها حال مباراة كأس العالم 2022.
العلاقات الدبلوماسية بين إيران وأمريكا مقطوعة منذ سقوط نظام الشاه، وحادثة احتجاز الرهائن داخل السفارة الأمريكية في طهران عام 1979. والبلدان، منذ ذلك الحين وإلى غاية الآن، في حربٍ باردة.. وأحياناً حامية.
ولذلك، فإنّ المباراة التي جرت بين منتخبَي البلدين خلال نهائيات مونديال فرنسا 1998، كانت فرصةً مناسبة لتحقيق نوعٍ من التقارب بين الدولتين المتخاصمتين، لا سيما في ظلّ توافر ظرفٍ سياسي مواتٍ نوعاً ما.
الرئيس الإيراني كان مستعداً للتقارب مع أمريكا
في ذلك الوقت، كان محمد خاتمي رئيساً لجمهورية إيران الإسلامية. وبعد انتخابه في مايو/أيار 1997، قام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية في البلاد، كما أبدى انفتاحاً على الغرب؛ فدعا إلى حوار الحضارات، وإلى إقامة علاقات دبلوماسية بناءة مع الدول الأوروبية.
وكان خاتمي أيضاً أول رئيسٍ لإيران يُجري -منذ سنة 1979- مقابلة مع مؤسسة إعلامية أمريكية، حين أطلّ عبر قناة CNN في يناير/كانون الثاني 1998، وألمح خلال المقابلة إلى استعداد بلاده للتقارب مع الولايات المتحدة.
وفي الجهة المقابلة، كان بيل كلينتون يرأس الولايات المتحدة في تلك الفترة، وقد تميّزت سياسته الخارجية بالجنوح نحو السلم بدلاً من الحرب.
ومع هذه المعطيات السياسية، فإنّ الظروف كانت مواتية لجعل مباراة إيران وأمريكا 1998 فرصةً للتقارب بين البلدين. فبادر الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" (FIFA) إلى الاستفسار من مسؤولي اتحادَي البلدين حول إمكانية التقاط صورةٍ جماعية بين لاعبي المنتخبَين، قبل بداية المباراة.
وفعلاً، كانت تلك الصورة الجماعية تاريخية؛ وقد التُقطت فوق أرضية ملعب "جيرلان" في مدينة ليون الفرنسية، يوم 21 يونيو/حزيران 1998، والتي سبقها تقديم لاعبي منتخب إيران وروداً بيضاء لنظرائهم الأمريكيين، في إشارةٍ منهم إلى السلام بين شعبي البلدين.
المباراة انتهت بفوز منتخب إيران
جرت المباراة لحساب الجولة الثانية من الدور الأول لنهائيات المونديال، وتميزت بإثارةٍ وحماسٍ كبيرين، وقد انتهت بفوز إيران بنتيجة هدفين لواحد؛ وهو أول انتصار في تاريخ مشاركاته في نهائيات كأس العالم لكرة القدم.
وقد تسببت تلك النتيجة في الإقصاء الرسمي للمنتخب الأمريكي من المنافسة، فيما حافظ المنتخب الإيراني على حظوظه في التأهل إلى الدور الثاني؛ قبل أن يخرج -هو أيضاً- من السباق بعد خسارته في الجولة الثالثة أمام منتخب ألمانيا (0-2)، مع العلم أنه كان قد خسر مباراته الأولى أمام منتخب يوغسلافيا بهدفٍ نظيف.
وبعد نهاية مباراة إيران وأمريكا 1998، تمنى الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيمس روبن "حظاً موفقاً لمنتخب إيران في المباريات المقبلة"، وفقاً لما جاء في جريدة Les Echos الفرنسية.
كما تحدث بكلمات واعدة، عندما قال: "نتمنى بناء علاقات جديدة، وتحطيم جدران عدم الثقة وخلق تفاهمٍ أفضل، إنها البداية".
ومن جهته، صرّح لاعب المنتخب الأمريكي جيمس أغو قائلاً: "لقد فعلنا في 90 دقيقة أكثر مما فعله السياسيون في 20 عاماً". أما رئيس إيران محمد خاتمي، فقد اعتبر الفوز على الولايات المتحدة الأمريكية بمثابة "رمزٍ للوحدة الوطنية".
تخوف من انزلاقات أمنية في مباراة إيران وأمريكا 1998
قبل دقائق من انطلاق مباراة إيران وأمريكا 1998، فتشت الشرطة الفرنسية المدرج الجنوبي لملعب "جيرلاند" بشكلٍ دقيق.
فقد كان يتواجد فيه أنصار المنتخب الإيراني الذين ارتدوا قمصاناً تحمل صورة مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في المنفى، كما رفعوا لافتات صفراء كُتب عليها "إيران رجوي".
وكانت الشرطة تبحث أساساً عن أشخاصٍ محتملين لإثارة الشغب، بعدما أعلنت منظمة "خلق" -المُعارضة للنظام الإيراني القائم حينها- شراءها لـ7 آلاف تذكرة، منحتها لأنصارها من أجل حضور المباراة أمام الولايات المتحدة.
وكان الاتحاد الدولي لكرة القدم والسلطات الأمنية الفرنسية متخوّفين من وقوع انزلاقاتٍ أمنية خطيرة خلال -أو بعد- المباراة؛ بحسب ما كشفه مؤخراً محرداد مسعودي، المسؤول الإعلامي عن مباراة إيران وأمريكا لدى فيفا.
وفي مقابلةٍ لموقع FourFourTwo البريطاني، صرّح المسعودي: "من المعلومات التي تلقيناها، كنّا نعرف من هم مثيرو الشغب الرئيسيّون. فقدمنا صورهم إلى المصورين التلفزيونيين حتى يتعرفوا إلى الأشخاص واللافتات التي يجب تجنب التقاطها. فالمباراة كانت تُنقل مباشرةً في جميع أنحاء العالم، وآخر ما كنّا نتمناه هو أن تقوم هذه المجموعة (يقصد منظمة خلق) بتخريب المناسبة واستخدامها لأغراضٍ سياسية خاصة بها".
كما أوضح مسعودي، المولود بإيران، أنّ قوات مكافحة الشغب الفرنسية لم يكن مسموحاً لها -من طرف الاتحاد الدولي لكرة القدم- بالتواجد داخل أرض الملعب، بل خارجه فقط. ولكن في تلك المباراة، وبما أنها حالة استثنائية، فقد سُمح لعناصرها بالدخول تحسّباً لأي طارئ.
يُشار إلى أن منتخبَي إيران وأمريكا تواجها مرةً أخرى في مباراةٍ ودية، بعد 18 شهراً من المباراة الأولى، في مدينة باسادينا بولاية كاليفورنيا الأمريكية؛ وذلك في سياق الاستمرار بمساعي التقريب بين شعبَي البلدين، قبل أن تتوقف فيما بعد المبادرات السلمية من الجانبين.