كانت الجماهير قبل مباراة نيجيريا وأنجولا في المنافسة على التأهل لكأس العالم عام 1990 بإيطاليا، على أتم استعداد ويغمرها الحماس مع وجود أكثر من 100.000 من المشجعين المتعصبين لمشاهدة المباراة.
هذا الرقم الضخم من الحشود كان أكثر بكثير من سعة الاستاد الرسمية البالغة 80 ألف متفرج، وقد حُشروا في الاستاد الوطني في مدينة لاغوس بنيجيريا، في يوم حار ومشمس.
التوتر والإثارة بدآ قبل وقت طويل من موعد انطلاق المباراة التي رغم الترتيبات الكبيرة كانت من أتعس المناسبات الكروية في تاريخ بطولات كأس العالم لكرة القدم على الإطلاق.
بطولة إفريقية على أرض إيطاليا
النسور الخضراء، أو غرين إيجلز، كما كانوا معروفين في ذلك الوقت، كانوا متقاربين مع أسود الكاميرون التي لا تُقهر في صدارة المجموعة الثالثة المؤهلة لإفريقيا. وكان الفائز بالمجموعة سيدخل المباراة النهائية لواحد من المركزين الإفريقيين في كأس العالم في إيطاليا عام 1990.
قبل ثلاثة وثلاثين عاماً تقريباً، في ذلك السبت الحار والجاف في اليوم 12 من أغسطس/آب عام 1989، قبل بدء مباراة كرة قدم مهمة لفريق المنتخب النيجيري جرين إيجلز ضد المنتخب الأنجولي في المباراة قبل الأخيرة في المجموعة الثالثة في سلسلة تصفيات كأس العالم 90 الإيطالية للمنطقة الإفريقية.
وبعد أن خسر 1-2 خارج أرضه أمام الجابون، كانت مباراة يجب أن يفوز بها غرين إيجلز للبقاء في المنافسة على كأس العالم.
وسط الزخم العالي، كان سامويل سوتشو أوكوا راجي الرجل الذي حظي بكل اهتمام وسائل الإعلام.
اللاعب الذهبي الذي ترك القانون من أجل كرة القدم
عبر مختلف الصحف ووسائل الإعلام، حظي نجم كرة القدم الغامض المولود في أورلو بالاهتمام؛ لأنه "على عكس معظم اللاعبين الأفارقة الدوليين، جاء سام أوكوا راجي إلى كرة القدم النيجيرية من أوروبا، وليس العكس. وقع ناديه الأول، فريق الدرجة الأولى الإيطالي، روما، معه وهو في سن العشرين حيث قرر أوكوا راجي الشاب التخلي عن دراسته العليا للحصول على شهادة في القانون من جامعة روما، والتركيز على كرة القدم الاحترافية.
كان يرتدي القميص الأخضر برقم 6 فوق الشورت الأبيض بعد ظهر يوم السبت الحار بمنتصف أغسطس/آب، وخرج من غرفة الملابس جاهزاً للمعركة ويملأه الحماس.
موعد مع الموت بعد رفع الكارت الأحمر
في غضون الـ15 دقيقة الأخيرة من وقت المباراة، رفع الحكم "كارت أحمر" لأحد اللاعبين في خط الوسط. وبينما كان الملعب بأكمله يراقب اللاعب الأنجولي صاحب البطاقة الحمراء وهو يتجادل مع الحكم، كان أوكوا راجي يتعرض لأزمة مهددة للحياة.
في هذه الأثناء، وعلى بُعد أمتار قليلة بعيداً عن كرة القدم، سقط أوكوا راجي على الأرض في لحظة خاطفة من دون أسباب واضحة. ركض زملاؤه إليه لرؤية ما به، لكن اللاعب البالغ من العمر آنذاك 25 عاماً كان قد مات بالفعل قبل أن يتمكن من تلقِّي المساعدة الطبية، وأعلن المستشفى وفاته فور وصوله حيث لم يتمكنوا من إسعافه.
وفاة صادمة للفريق والجماهير
بعد التشريح للتحقق من أسباب الوفاة، اتضح لاحقاً أن المشهد المؤلم الذي شاهده ملايين النيجيريين على الهواء مباشرة، يرجع إلى معاناة اللاعب من تضخم في القلب إلى جانب ارتفاع ضغط الدم.
ويبدر أنه كان قد انفعل نتيجة لتداعيات المباراة وتلقي فريقه طرداً مؤثراً في وقت حساس من المواجهة في البطولة العالمية المهم.
وبينما فازت نيجيريا في تلك المباراة 1-0، قال عضو الفريق إيتيم إيسين في وقت لاحق إن وفاة سام أوكوا راجي حكمت على الفريق بالفشل والحزن أثناء سعيها إلى كأس العالم 1990.
وقد قال لاحقاً في تصريحات صحفية لمجلة Goal الرياضية: "لم نستطع اللعب، كنا جميعاً خائفين؛ لأنه لا أحد يريد أن يسقط ميتاً مثلما حدث مع زميلنا سام في ريعان شبابه".
وبالفعل، عندما وصلوا إلى المطار للسفر إلى المباراة التالية، قال إيسين إن أربعة لاعبين رئيسيين كانوا قد قرروا الانسحاب والعودة لأسرهم وذويهم. وفي نهاية المطاف، بعد أسبوعين من الواقعة الأليمة، تم إقصاء نيجيريا من المنافسة.
وفيات بين الجماهير أيضاً!
الكارثة المحققة لما شهدته المباراة بدأت بالفعل قبل واقعة سقوط اللاعب سامويل أوكوا راجي ميتاً بشكل مفاجئ أثناء اللعب.
إذ ظهرت العلامات الأولى للأحداث المأساوية بسبب الاكتظاظ، إذ سرعان ما أدى الدفع والاختناق والإرهاق الحتمي، إلى جانب الحرارة الشديدة، إلى سحق الناس وسقوط عدد من الضحايا.
وسرعان ما كان هناك إغماءات واختناق مفضٍ إلى الموت بين المشجعين، حيث تم سحب الجثث من الحشود ووضعها على مضمار الجري المحيط بالملعب لإسعافهم، بسبب عدم استعداد المكان المخصص للإسعافات الطبية لاستقبال أكثر من 3 أشخاص دفعة واحدة.
سرعان ما ظهرت سيارات الإسعاف التي غمرت الملعب قبل بدء المباراة، وانتهى الأمر بنقل 15 شخصاً للمستشفى العام في لاغوس، توفي منهم 5 متفرجين بسبب التدافع.
لكن بالرغم من الارتباك، استمرت المباراة التي لم يكن يظن أحد أنها ستنتهي بمشهد مأساوي يجعلها أكثر المباريات المؤسفة التي شهدتها كرة القدم بامتياز.