على فترات زمنية مختلفة، شهد العالم سلسلة من حوادث تحطم طائرات مأساوية التي توفي على إثرها عدد من الشخصيات السياسية البارزة، من بينهم رؤساء دول، وكان آخرهم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي توفي يوم الأحد 19 مايو/أيار 2024، بعد سقوط مروحية كان على متنها شمال غرب البلاد.
ومع اختلاف هذه الحوادث وأسبابها، إلا أنها خلفت من ورائها تأثيرات كبيرة على الساحة السياسية سواء داخلياً أو خارجياً، خصوصاً أنها تكون سبباً في إثارة الرأي العام ووسائل الإعلام بشكل كبير.
ومن بين الأسباب المختلفة التي أدت إلى حوادث سقوط طائرات شخصيات سياسية، نجد أحوال الطقس السيئة، والأعطال التقنية في الطائرات، وبعض الأسباب الأمنية.
إذاً، من هي أبرز الشخصيات السياسية التي فارقت الحياة بسبب حادث طائرة، وما هي الأسباب الرئيسية وراء هذه الحوادث؟
1ـ حوادث تحطم طائرات.. داغ همرشولد الأمين العام للأمم المتحدة
توفي الأمين العام للأمم المتحدة السابق، والذي كان قد تقلد المنصب سنة 1953، خلال حادث تحطم طائرة مأساوي بينما كان في مهمة سلام إلى الكونغو، وذلك بتاريخ 18 سبتمبر/أيلول 1961.
وقد كانت الكونغو خلال تلك الفترة تمر بأزمة سياسية وعسكرية حادة بعد نيلها الاستقلال عن بلجيكا، وكانت الأمم المتحدة تحاول التوسط لحل النزاع بين الحكومة المركزية والقوات المنشقة في إقليم كاتانغا بقيادة مويس تشومبي.
ومن أجل تحقيق ذلك، قرر داغ همرشولد السفر إلى ندولا في روديسيا الشمالية، زامبيا حالياً، للقاء تشومبي والتفاوض على وقف إطلاق النار.
ولكن في رحلة الذهاب، التي كانت على متن طائرة من طراز دي هافيلاند DH-106 كوميت، تابعة للأمم المتحدة، وبالضبط في الساعات الأولى من صباح يوم 18 سبتمبر/أيلول 1961، تحطمت الطائرة على بُعد حوالي 15 كيلومتراً من موقع الإقلاع.
وإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، كانت الطائرة تقل 15 شخصاً، من بينهم أعضاء من فريقه، وقد لقوا مصرعهم جميعاً في الحادث.
أثار حادث تحطم الطائرة هذا جدلاً واسعاً، وأجريت العديد من التحقيقات الرسمية وغير الرسمية لمعرفة الأسباب وراءه، وقد تم إرجاعه إلى مجموعة من الأسباب، من بينها حدوث عطل تقني في الطائرة، والذي يمكن أن يكون بسبب عوامل خارجية، وتورط بعض الجهات في ذلك، إلا أن التحقيقات لم تثبت ذلك.
وبعد سنة من الحادث، أصدرت لجنة تحقيق تابعة للأمم المتحدة تقريرها الذي لم يتمكن من تحديد سبب قاطع للحادث، ووصفته بأنه حصل لأسباب غير محددة.
وفي عام 2016، أطلقت الأمم المتحدة تحقيقاً جديداً بعد ظهور معلومات وشهادات جديدة، إلا أن النتائج لم تغير من الغموض الذي كان يحوم حول الحادث.
2- وزير التجارة الأمريكي رون براون
شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حادثاً مأساوياً آخر سنة 1996، بعد وفاة وزير التجارة حينها رون براون، إلى جانب 34 شخصاً آخرين، إثر تحطم الطائرة التي كانوا يستقلونها بالقرب من مدينة دوبروفنيك، في كرواتيا.
وقد كان لبراون دور مهم في تعزيز التجارة الدولية وتطوير السياسات الاقتصادية خلال فترة حكم الرئيس بيل كلينتون، وخلال رحلته الأخيرة، كان الهدف منها تعزيز العلاقات التجارية في البلقان بعد حرب البوسنة.
وفي تفاصيل الحادث الذي توفي على إثره، فقد كان مسافراً عبر طائرة من طراز بوينغ T-43A، وهي طائرة مخصصة للنقل العسكري ومجهزة بتجهيزات خاصة.
وعلى بُعد أميال من مطار دوبروفنيك، تحطمت الطائرة بعد سقوطها في جبل سانت إيفان، بسبب الظروف الجوية الصعبة.
وقد توفي رون براون و34 شخصاً آخر، من بينهم رجال أعمال أمريكيون، وأفراد من طاقم الطائرة.
وقد تم إرجاع السبب وراء هذا الحادث المأساوي للعديد من الأسباب، من بينها مشاكل في نظام الملاحة، الذي لم يكن محدثاً.
وحسب التحقيقات التي أجريت على خلفية الحادث، تبين أن الطيارين لم يتبعوا مسار الهبوط الصحيح بسبب الأخطاء في التقدير والملاحة، خصوصاً أنه كان هناك سوء تنسيق بين الطيارين وبرج المراقبة في دوبروفنيك.
وقد أصدرت القوات الجوية الأمريكية تقريراً نهائياً في شهر يونيو/حزيران 1996 أشار إلى أن الحادث نتج عن مجموعة من العوامل، بما في ذلك الأخطاء البشرية والظروف الجوية الصعبة ونقص في معدات الملاحة المناسبة.
وقد أدى هذا الحادث إلى مراجعات شاملة من أجل تحسين إجراءات السلامة والتنسيق بين الطيارين وأبراج المراقبة الجوية فيما يخص الطيران العسكري.
3- سامورا ماشيل أول رئيس لموزمبيق بعد الاستقلال
بتاريخ 19 أكتوبر/تشرين الأول 1986، لقي رئيس الموزمبيق سامورا ماشيل حتفه، في حادث تحطم طائرة، بالقرب من الحدود مع جنوب أفريقيا، ما أسفر عن وفاته و34 شخصاً آخرين كانوا على متن الطائرة، وذلك حسب ما حصل في حوادث تحطم طائرات.
وقد كانت طريقة وفاة الرئيس الأول للبلاد بعد الاستقلال عن البرتغال سبباً في إثارة العديد من التساؤلات، خصوصاً أنه كان مناضلاً ضد الاستعمار وزعيماً وطنياً.
وحسب تفاصيل الحادث، فقد كان ماشيل عائداً من قمة في زامبيا تهدف إلى تعزيز التعاون الإقليمي ومناقشة قضايا الأمن والسلام.
وكانت الرحلة عبر طائرة من طراز "Tupolev Tu-134A"، وهي طائرة سوفيتية الصنع، وحصل الحادث في المساء على بعد حوالي 65 كيلومتراً على الحدود مع جنوب أفريقيا.
وحسب لجان التحقيق التي تم تشكيلها من أجل البحث في الحادث، لم تظهر أي أدلة واضحة على وجود أعطال تقنية في الطائرة، وقد تم توقع حدوث أخطاء من الطيارين فيما يخص قراءة الإشارات الملاحية، خصوصاً أن الأحوال الجوية كانت صعبة مع وجود ضباب كثيف قادر على حجب الرؤية.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 1986، أصدرت لجنة تحقيق ثلاثية (موزمبيق، زامبيا، وروسيا) تقريراً يشير إلى أن الطائرة تحطمت بسبب خطأ الطيار الذي تبع إشارة خاطئة من منارة غير معروفة، ومع ذلك، لم تستبعد اللجنة احتمال التدخل الخارجي أو العمل التخريبي.
وقد عرف حادث الوفاة ردود فعل كبيرة من طرف الشعب الموزمبيقي، وتم إعلان الحداد في عموم البلاد لمدة 30 يوماً.
4- حوادث تحطم طائرات.. جواو فيغيريدو رئيس البرازيل
البرازيل كذلك شهدت حادثاً مؤسفاً بسبب تحطم طائرة، كانت تقل الرئيس جواو فيغيريدو، وهو آخر رئيس عسكري للبرازيل قبل انتقال السلطة إلى الحكومة المدنية، وذلك بتاريخ 24 أكتوبر/تشرين الأول من سنة 1999.
وقد تحطمت الطائرة التي كانت تقله، من طراز Embraer EMB-110 الخفيف الخاص بالرحلات القصيرة، في منطقة الأمازون البرازيلية، خلال جولة تفقدية له هناك، بالرغم من أنها معروفة بصعوبة التضاريس والغابات الكثيف.
حصل الحادث المأساوي في الساعات الأولى من النهار، إذ تم العثور على الطائرة محطمة بالقرب من مدينة ماناوس البرازيلية، وقد أثار الحادث العديد من الشكوك، حول احتمالية أن يكون مفتعلاً.
وحسب التحقيقات التي تمت من طرف لجان تحقيق من القوات الجوية البرازيلية والهيئات المدنية، أشارت إلى إمكانية حدوث عطل فني في الطائرة مع أن الفحوصات الأولية لم تثبت بشكل قاطع وجود أعطال تقنية.
كما تمت الإشارة إلى الظروف الجوية التي كانت تعرفها المنطقة، والمعروفة على أنها متقلبة، ومن الممكن أن تكون سبباً في صعوبة التحكم في الطائرة.
كما أن التحقيقات التي تمت للبحث في ما إذا كان الحادث مفتعلاً، لم تتوصل إلى أي نتائج قطعية، إلا أن هذه الاحتمالية بقيت مطروحة بالرغم من ذلك.
وحسب التقرير النهائي للقوات الجوية البرازيلية، فقد تمت الإشارة إلى كل العوامل المذكورة، إضافة إلى احتمال وجود خطأ في الملاحة من قِبَل الطيارين.
5- جون قرنق نائب رئيس السودان وزعيم الحركة الشعبية للتحرير
بنفس الطريقة المأساوية، توفي جون قرنق، نائب رئيس السودان وزعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان، إثر تحطم الطائرة التي كان يستقلها.
وقد كان قرنق يعتبر من بين أهم الشخصيات السياسية التي تهدف إلى استقلال جنوب السودان، ولعب دوراً رئيسياً في توقيع اتفاقية السلام الشامل التي أنهت عقوداً من الحرب الأهلية.
وفي شهر يناير/كانون الثاني 2005، وقَّع قرنق اتفاقية السلام الشامل مع الحكومة السودانية، وأصبح نائب رئيس السودان، وذلك قبل أشهر بسيطة من وفاته.
إذ فقد قرنق حياته عندما كان في زيارة رسمية لأوغندا، حيث التقى بالرئيس الأوغندي يويري موسيفيني، وكان في طريقه للعودة إلى جنوب السودان.
الطائرة كانت من طراز Mi-172، وهي طائرة هليكوبتر روسية الصنع، وقد تحطمت في منطقة جبلية نائية في جنوب السودان بالقرب من الحدود مع أوغندا. وذلك مساء يوم 30 يوليو/تموز 2005.
وحسب التحقيقات التي تمت من طرف السلطات السودانية الأوغندية والدولية لمعرفة الأسباب وراء تحطم الطائرة، فقد أشارت بعض التقارير الأولية إلى احتمال وجود عطل فني في الطائرة، مع احتمالية وقوع خطأ من قِبَل الطيارين، بسبب المنطقة الجبلية الصعبة التي كانوا بها.
كما أن الظروف الجوية في تلك الليلة كانت سيئة، مع وجود أمطار غزيرة وضباب كثيف، الشيء الذي قد يكون ساهم في صعوبة رؤية الطيارين والتحكم بالطائرة.
وبالرغم من عدم وجود أي أدلة قوية على عمل تخريبي، إلا أن التحقيقات لم تستبعد تمامً هذا الاحتمال؛ نظراً لحساسية الوضع السياسي، وهذا حسب التقرير النهائي الذي تم إصداره في شهر سبتمبر/أيلول، من قبَل لجنة تحقيق مشتركة.