عرفت شجرة السرو منذ القدم وفي العديد من الثقافات على أنها رمز من رموز القوة والصمود، وذلك كونها تنمو في ظروف جد صعبة، وتستمر في الحياة لسنوات طويلة، دون أن تفقد من صحتها وقوتها.
ولأنها واحدة من بين الأشجار التي تنمو في العديد من المدن الفلسطينية، فقد تحولت هذه الشجرة لتكون كذلك من بين رموز النضال الشهيرة، مثل شجرة الزيتون، والكوفية.
وقبل أن تتحول إلى رمز للنضال، فإن شجرة السرو كانت دائماً متواجدة في الثقافة الفلسطينية، خصوصاً في الأزياء النسائية التقليدية.
إذ يتم رسمها على شكل تطريز، الذي يختلف من مدينة لأخرى، فشكل الشجرة مطرزة في غزة، لا يشبه الذي يطرز في الخليل أو رام الله أو أسدود أو بئر السبع على سبيل المثال.
تاريخ شجرة السرو
تعتبر شجرة السرو واحدة من بين أقدم الأشجار في العالم، ويعود تاريخها إلى آلاف السنين، فقد كانت تستعمل في الحضارات القديمة، عند الفراعنة على سبيل المثال، من أجل صناعة توابيت الموتى نظراً لخصائصها المقاومة للتحلل.
وهي تنتمي إلى عائلة نبات السروية، ولها العديد من الأنواع أشهرها سرو المتوسط، وموطنها الأصلي هو تركيا، وتنتشر كذلك في بلاد الشام، مثل العراق وفلسطين، والأردن.
ما يميز هذه الشجرة، بعيداً عن كونها مقاومة للتحلل، أنها تنمو في الأجواء المناخية الصعبة، ولا تحتاج كميات كبيرة من الماء من أجل النمو.
وصف الشجرة وأنواعها
تحتوي شجرة السرو على زيت طيار يضمن عدة مركبات عضوية وهي الباينين، والكامفين، والسيدرول.
لهذه الشجرة 15 نوعا مختلفا، كل واحد يمكن إيجاده في دولة مختلفة، أما شكلها، بغض النظر عن النوع، فيأتي على شكل براعم مغطاة بالأوراق.
كما تُعرف بأوراقها المدببة والمضغوطة وثمارها الصغيرة التي تأخذ شكل الكبسولة، وهي مستديمة الخضرة.
تعرف شجرة السرو على أنها بطيئة النمو، ويمكن أن يصل طولها بشكل عام إلى 30 مترا، وهذا ما يفسر أنها تعيش لفترات طويلة، وأنها لا تحتاج للماء بشكل دائم، حسب ما تم ذكره سابقاً.
ومن بين أكثر أنواع الشجرة شهرة في دولة فلسطين، من بين الأنواع الكثيرة نجد كل من:
السرو العمودي
وينتشر هذا النوع في مختلف المحافظات الفلسطينية، يصل ارتفاعه إلى 30 مترا، لها ساق مستقيم، و تزهر طوال العام.
وكما هو الحال مع مختلف الأنواع، فالسرو تتحمل الجفاف، إذ تحتاج معدل امطار يتراوح من 300 إلى 500 ملم سنويا.
السرو الأفقي
ينتشر بدوره في جميع المحافظات الفلسطينية، ولها نفس خصائص ومميزات التي قبلها، من ناحية الطول والحاجة السنوية لمياه الأمطار.
السرو الفضي
هذا النوع من شجرة السرو يأتي متوسط الارتفاع، ويزهر طوال العام، كما أنها تقاوم الجو الجاف والبارد، ويمكن لها أن تنمو في التربة الضعيفة، على ارتفاع 1000 إلى 1500 متر عن سطح البحر.
السرو العطري
هذا النوع يمكن إيجاده بشكل خاص في كل من جبال نابلس والقدس والخليل، وله نفس خصائص الأنواع الاخرى، من ناحية الخضرة والحاجة للمياه.
هذه الشجرة تأتي كذلك متوسطة الارتفاع، وأوراقها ذات رائحة عطرية، تزهر في الفترة ما بين مارس/آذار إلى يونيو/حزيران.
وغالبا ما ينمو هذا النوع من شجرة السرو في البيئة الرطبة، إذ إنها تتحمل التربة الكلسية والرملية، ولا تتحمل المالحة.
شجرة السرو وفلسطين
في فلسطين، تعتبر شجرة السرو من الأشجار المهمة وتُزرع بكثرة في المناطق الجبلية والحدائق العامة وحول المقابر.
يفضلها الفلسطينيون لما توفره من ظل غزير وجمال طبيعي، بالإضافة إلى استخدامها في العديد من الأحداث الثقافية، كنوع من أنواع إبراز الهوية والانتماء للأرض.
إذ تحمل شجرة السرو في فلسطين دلالات عميقة تتعلق بالحياة والموت والبقاء، لذلك غالبا ما توجد بالقرب من المقابر، كونه من أنواع الاستمرار في الأرض بعد الموت.
التطريز الفلسطيني.. السرو موجود دائما
كونها تعتبر واحدة من بين الرموز التي لها دلالة عميقة عند الشعب الفلسطيني، فقد تم اختيار شجرة السرو لتكون واحدة من بين الأشكال التي تزين اللباس التقليدي، خصوصا النسائي منه.
وقد عرف التطريز، الذي يدخل في خانة الفنون الشعبية الفلسطينية، العديد من الاختلافات والتنوع على مر السنين، بسبب تعاقب العديد من الحضارات على المنطقة، من بينها الكنعانية واليبوسية والعمورية وغيرها.
وكانت المرأة الفلسطينية الريفية أكثر من يتقن فن التطريز، وتستخدمه في تزيين ملابسها، وأدواتها المنزلية، ومفروشاتها ذات القيمة العالية.
وقد كان يختلف شكل التطريز حسب الحالة الاجتماعية للسيدة التي سوف ترتدي اللباس المطرز، إلى أن بدأت تدخل عليه بعض التعديلات، من بينها إدخال رموز خاصة بالمقاومة، والتشبث بالأرض، بعد النكبة، وبداية الإحتلال.
وهنا دخلت شجرة السرو في قائمة أشهر هذه الرموز المطرزة في الزي الفلسطيني، والتي تختلف طريقة رسمها من مدينة إلى أخرى، الشيء الذي يجعل معرفة المنطقة التي تنتمي إليها السيدة سهل، وذلك من خلال لباسها التقليدي.
وتطريز السرو يأتي في التصاميم على شكل وحدات زخرفية ذات الأحجام الكبيرة، فيما يوجد على شكل نقوش في مجموعة من الأماكن التاريخية في البلاد، من بينها المسجد الأقصى، وكنيسة القيامة.