متلازمة هيكيكوموري، هي عبارة عن حالة يكون فيها الشخص بعيداً عن جميع الأوساط الاجتماعية، والتي تصل إلى درجة البقاء منعزلاً في المنزل لمدة قد تصل إلى ستة أشهر على الأقل دون أي تفاعل اجتماعي خارجي.
كما أن هذا المصطلح يستعمل من أجل وصف الشخص الذي يعاني من حالة التجنب الاجتماعي الطويلة، والتي قد تستمر لسنوات، وليس شهوراً معدودة فقط.
ما هي متلازمة هيكيكوموري؟
ظهرت متلازمة هيكيكوموري لأول مرة في اليابان، إذ تم الاعتراف بها بشكل رسمي خلال سنوات التسعينات، بعد أن كتب الطبيب النفسي الياباني سايتو تاماكي عنها في أحد كتبه الخاصة بالصحة النفسية.
فيما وجدت دراسة أجريت عام 2010 في اليابان أن 1.2% من السكان اليابانيين، من فئة الشباب والبالغين، الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و49 عاماً تعرضوا لمتلازمة هيكيكوموري.
ويعيش الأشخاص الذين يعانون من هذه الحالة، في عزلة كاملة، تجعلهم يرفضون الخروج من المنزل، أو حتى الغرفة الخاصة، والتقوقع في مكانهم دون مخالطة الآخرين، أو التعرف على أفراد آخرين في المجتمع الذين يعيشون فيه.
ومنذ ظهور هذه المتلازمة، ناقش علماء النفس ما إذا كان ينبغي تصنيف هيكيكوموري على أنه اضطراب نفسي أو إدخاله في خانة كونه متلازمة ثقافية.
وقد اشتبه علماء النفس في الأصل في أن هيكيكوموري نشأ من ظروف اجتماعية وثقافية خاصة باليابان، مثل نظام التعليم أو الظروف الاقتصادية.
ومع ذلك، تم توثيق هيكيكوموري منذ ذلك الحين في العديد من البلدان ذات الاختلافات الثقافية الواسعة، بما في ذلك الهند وكوريا الجنوبية ونيجيريا والولايات المتحدة وإسبانيا وكندا وغيرها.
وقد أصبحت هذه المتلازمة متداولة بشكل كبير بين الشباب، خصوصاً في الوقت الحالي، وفي العديد من الدول العربية كذلك.
إذ كانت البداية الحقيقية لانتشارها هو جائحة كورونا، التي جعلت العالم بأكمله يضطر للبقاء في المنزل، حفاظاً على السلامة العامة، الشيء الذي زاد من تعلّق الناس بالعزلة والابتعاد عن الآخرين، خصوصاً مع وجود بعض الانتكاسات الشخصية، التي جاءت من المجتمع من قبل.
كيف يتم تشخيص هذه المتلازمة؟
يتم تشخيص متلازمة هيكيكوموري عندما يُظهر الشخص سلوكيات شديدة التجنب اجتماعياً لمدة ستة أشهر على الأقل، مما يسبب الضيق والخلل في سير الحياة العادية.
وتشمل هذه السلوكيات رفض الخروج من المنزل، أو العمل، أو الالتحاق بالمدرسة، وقد يصل الأمر إلى الانسحاب من وسائل التواصل الاجتماعي، بالرغم من أن البعض يفضل العيش في العالم الافتراضي أكثر من الواقعي، وعند حدوث هذا الأمر فعلاً يصنف الشخص مصاباً بهذه المتلازمة. يصنف بعض علماء النفس هيكيكوموري وفقاً لعدد المرات التي يغادر فيها المريض المنزل لأسباب غير اجتماعية، مثل التسوق من البقالة، والتي قد تتراوح بين المرة إلى ثلاث مرات في الأسبوع، والتي لا تتعدى فترات زمنية قصيرة جداً.
يستخدم بعض علماء النفس أيضاً ما قبل ظهور متلازمة هيكيكوموري تصنيف يظهر فيه الشخص أعراضاً مشابهة لهذه متلازمة، ولكن لمدة ثلاثة أشهر فقط.
لكن بعد ذلك ظهرت المتلازمة عند بعض الأشخاص، الذين يعيشون في عزلة، قد تتراوح بين سنة إلى أربع سنوات في المتوسط، لكن المدة تختلف ويمكن أن تزيد عن عقد من الزمن.
لكن على الرغم من أنه لا يتم تصنيفه حالياً على أنه مرض عقلي، إلا أن هيكيكوموري غالباً ما يحدث في نفس وقت تشخيص المرض العقلي.
وتختلف الدراسات التي تحدد النسبة المئوية لحالات متلازمة هيكيكوموري التي تتزامن مع المرض العقلي، وتتراوح من 54 إلى 98 بالمئة.
وتشمل الحالات المرتبطة اضطراب طيف التوحد، واضطرابات المزاج، والاضطرابات الذهانية، واضطرابات الشخصية.
ومع ذلك، يتفق علماء النفس على أنه من الممكن الإصابة بهذه المتلازمة النادرة، حتى وإن كان الشخص لا يعاني من أي مرض عقلي، وفي هذه الحالة يتم تصنيفها على أنها مرض ثانوي.
أسباب متلازمة هيكيكوموري
عند الحديث عن سبب متلازمة هيكيكوموري، فهو لا يزال غير معروف بشكل جيد إلى الآن بالرغم من انتشاره.
فقد أفاد العديد من المختصين بأن المرضى يصابون بالمتلازمة بعد أن يتعرضون لحدث مرهق أو سلوكيات اجتماعية منفرة، تجعلهم يرفضون التعامل مع المحيط الخارجي، والأشخاص بشكل عام.
فقد وجدت بعض الدراسات أن هيكيكوموري يرتبط بالظروف الأسرية المختلة أو التعرض لصدمة من أشخاص آخرين في المحيط.
فيما يشير التحليل النفسي للأشخاص المصابين بهيكيكوموري إلى بعض السمات النفسية المشتركة والتي توضح انهم مصابين بالاضطراب.
علاج هيكيكوموري
عادةً ما تكون علاجات متلازمة هيكيكوموري نفسية، وليس عن طريق الأدوية، على الرغم من استخدامها لعلاج الأمراض العقلية أو النفسية المصاحبة.
وفي اليابان، قد يذهب الأشخاص المصابون بهيكيكوموري إلى المراكز الصحية الطبية، أو ينضمون إلى المراكز الاجتماعية التي توطد العلاقات المجتمعية، أو يشاركون في الأنشطة العلاجية التي تهدف إلى إخراجهم من الانسحاب الجسدي والاجتماعي.
قد يتم العلاج بشكل فردي أو جماعي أو عائلي، وغالباً ما يتبع علماء النفس أنواعاً متعددة من العلاج في وقت واحد.
كما أنه غالباً ما يقاوم مرضى هيكيكوموري بحضور جلسات العلاج برفقة أفراد من أسرته، لكي يتلقى أفراد الأسرة المساعدة في تقليل أي وصمة عار تصاحب الحالة ويتعلمون استراتيجيات التواصل مع المريض.
بالإضافة إلى العلاج النفسي، أثبت دعم الزيارات المنزلية والتمارين الرياضية فائدتها في تقليل المدة التي يكون فيها الشخص يعاني من متلازمة هيكيكوموري.