يجد العديد من المدخنين أنفسهم محاطين بسحابة من الأسئلة والشكوك حول هذه العادة، خصوصاً أولئك الذين يطمحون لفتح صفحة جديدة نحو حياة أكثر صحة وإشراقاً.
إن قرار الإقلاع عن تدخين السجائر الإلكترونية ليس بالخطوة اليسيرة، فهو يتطلب الشجاعة والإصرار والرغبة العميقة في التغيير نحو الأفضل، ولكن لا شيء يضاهي الشعور بالتحرر واستعادة السيطرة على زمام حياتك. هذا الطريق مع كل تحدياته ومعاركه الصغيرة يبشر بفجر جديد، يكافئك بصحة أفضل، تنفّس أنقى، وحيوية تضج بالطاقة والنشاط.
تتوفر اليوم موارد وأدوات ومجتمعات داعمة تزخر بالمعرفة والخبرات، كلها تهدف إلى تيسير هذه الرحلة عليكم، سواء أكانت عبر استشارات متخصصة، أو برامج معدة خصيصاً للإقلاع، أو حتى تبادل التجارب والدعم المعنوي مع الآخرين.
كما يحذر الخبراء من استخدام السجائر الإلكترونية، فيما يوصون بالإقلاع عنها عبر عدة وسائل سنتطرق إليها في هذا المقال.
ما هي السجائر الإلكترونية ومتى اختُرعت
السجائر الإلكترونية، المعروفة أيضاً بالـ"e-cigarettes" أو "الفيب"، هي أجهزة إلكترونية مصممة لتقليد عملية التدخين التقليدية، لكن بدون الحاجة لاحتراق التبغ، بدلاً من ذلك تعمل السجائر الإلكترونية عبر تسخين سائل يحتوي على النيكوتين، والنكهات، وغيرها من المواد الكيميائية، لتوليد بخار يتم استنشاقه بواسطة المستخدم.
الهدف منها كان في البداية تقديم بديل أقل ضرراً للمدخنين التقليديين، ما يساعدهم على الإقلاع عن التدخين أو تقليل مخاطره.
الفكرة الأولى للسجائر الإلكترونية تعود إلى عام 1963، حيث قدم هربرت أ. جيلبرت براءة اختراع لجهاز "تدخين بلا دخان"، يعمل بالتسخين وليس بالحرق، لكن النسخة العصرية من السجائر الإلكترونية التي أصبحت شائعة على نطاق واسع، اخترعها الصيدلاني الصيني هون ليك في عام 2003. أدرك ليك، الذي كان مدخناً ثقيلاً وفقد والده بسبب سرطان الرئة، الحاجة إلى تطوير طريقة أكثر أماناً للمدخنين لاستهلاك النيكوتين.
بدأت السجائر الإلكترونية بالانتشار في الصين، وسرعان ما اكتسبت شعبية في جميع أنحاء العالم، وأصبحت صناعة كبيرة بحد ذاتها.
منذ ذلك الحين تطوّرت السجائر الإلكترونية بشكل ملحوظ، مع ظهور العديد من الأشكال والأحجام والنكهات، وأصبحت موضوعاً للجدل العام والدراسات الصحية، نظراً لتأثيراتها الصحية المحتملة، ودورها في التشجيع على التدخين بين الشباب وغير المدخنين.
تحذيرات من التدخين الإلكتروني
في ظل المد العارم للسجائر الإلكترونية، الذي اجتاح الأسواق العالمية، تبرز مخاطر صحية محتملة قد تغيب عن الكثيرين. الموقع الإلكتروني "سموك فري"، المعني بمكافحة التدخين، يحذر من أن هذه الأجهزة تحتوي غالباً على مواد خطرة، بما في ذلك النيكوتين، ومواد كيميائية ضارة، ونكهات مثل ثنائي الأسيتيل المرتبط بأمراض الرئة، إضافة إلى معادن مثل الرصاص ومواد كيميائية مسببة للسرطان.
الأخطر من ذلك أن بعض السجائر الإلكترونية التي تُروّج على أنها خالية من النيكوتين قد تحتوي عليه فعلياً، إذ أكد ألبرت أوسي، زميل أبحاث ما بعد الدكتوراه بجامعة جونز هوبكنز، على هذه المخاطر بالقول: "رغم الترويج لها كبديل أكثر أماناً، فإن منتجات التدخين الإلكتروني لا تخلو من المخاطر الصحية".
أما في دراسة قادها أوسي وفريقه، فقد كشفت أن المستخدمين الدائمين للسجائر الإلكترونية يواجهون معدلات أعلى للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، مقارنةً بالمدخنين التقليديين فقط، كما وجدوا في بحث منفصل أن الشباب بين 18 و24 عاماً، ممن يستخدمون السجائر الإلكترونية، يتعرضون لخطر الإصابة بالربو بنسبة 39% أعلى مقارنةً بغير المدخنين.
وفي تطور مثير للقلق، أظهرت دراسة حديثة أن استخدام السجائر الإلكترونية يزيد من خطر الإصابة بفشل القلب بنسبة 19%، مقارنةً بأولئك الذين لم يستخدموها. هذه النتائج تضع علامات استفهام كبيرة حول الأمان المزعوم للسجائر الإلكترونية، وتدعو إلى مزيد من البحث والتقييم لتأثيرها على الصحة العامة.
مخاطر كثيرة والإقلاع عن التدخين
في ظل تنامي ظاهرة السجائر الإلكترونية عالمياً، تشير الأرقام الصادرة عن مسح حديث إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة مستخدمي هذه الأجهزة، وقد سجلت الدراسة زيادة ثلاثية في عدد المستهلكين من الفئة العمرية 14 عاماً فما فوق، حيث قفزت النسبة من 2.5% في عام 2019 إلى 7% بحلول عام 2023.
هذا التصاعد الكبير يعكس تحولاً في العادات الاجتماعية، ويشير إلى انتشار واسع للسجائر الإلكترونية بين مختلف الفئات العمرية، ومع ذلك، تزامن هذا الارتفاع مع نمو متزايد في الوعي بالمخاطر الصحية المرتبطة بالتدخين الإلكتروني.
الدراسات ألقت الضوء على الأضرار المحتملة، ما دفع عدداً متزايداً من المستخدمين إلى التفكير في الإقلاع عن تدخين السجائر الإلكترونية، التي تُدخل مستويات عالية من النيكوتين والمواد الكيميائية الخطرة إلى الجسم، تشكل تحدياً كبيراً في هذا الصدد.
دراسة نشرها موقع "كليفلاند كلينك"، في عام 2019، أبرزت الخطر المتزايد للإدمان نتيجة لتركيزات النيكوتين العالية في بعض منتجات "الفيب".
تعتبر السجائر الإلكترونية، التي طُرحت لأول مرة في الأسواق الأمريكية عام 2007 كوسيلة لمساعدة المدخنين على الإقلاع عن التدخين، مثيرة للجدل بشكل متزايد، إذ أصبحت شائعة بين الشباب، بفضل نكهاتها الجذابة، والاعتقاد الخاطئ بأنها لا تسبب آثاراً صحية سلبية.
مع ذلك، يواجه الراغبون في الإقلاع عن التدخين الإلكتروني صعوبات جمة، نظراً لحداثة هذه التقنية ومحدودية البرامج والأدوات المتاحة لتسهيل هذه العملية. هذا التحدي يبرز الحاجة الملحة إلى تطوير استراتيجيات وآليات دعم فعّالة تعين المدخنين على التغلب على الإدمان والانتقال إلى حياة أكثر صحة.
استخدام التكنولوجيا في الإقلاع عن التدخين
في عصر تكنولوجي، حيث يبدو أن الهواتف الذكية قد أصبحت امتداداً لأيدينا، يسعى الخبراء لاستغلال هذا الانتشار الواسع في خدمة أهداف صحية مهمة، منها مكافحة إدمان التدخين الإلكتروني. تأتي هذه المبادرات في وقت تشير فيه الإحصائيات إلى ارتفاع معدلات استخدام السجائر الإلكترونية بين الشباب، ما يدفع لضرورة إيجاد حلول فعّالة للإقلاع عن هذه العادة.
موقع "ذا كونفرزيشن"، في تقريره الأخير، يسلط الضوء على دراسة أجرتها الدكتورة فيونا مكاي، والدكتور ماثيو دن، من جامعة ديكين الأسترالية، تناولت التطبيقات المتاحة على متاجر التطبيقات، والتي تهدف إلى مساعدة المستخدمين على الإقلاع عن التدخين الإلكتروني.
بعد تقييم دقيق شمل 20 تطبيقاً لنظام "آي أو إس" و10 تطبيقات لنظام "أندرويد"، تم تحديد المعايير الأساسية لتقييم الجودة والقدرة على تغيير السلوك، مثل سهولة الاستخدام، والتفاعل مع المستخدمين، والمظهر، وفاعلية المعلومات المقدمة.
النتائج كانت مبشرة، حيث تم الكشف عن التطبيقات الأعلى تقييماً التي تقدم الدعم والإرشادات اللازمة للمستخدمين الراغبين في الإقلاع. من بينها تصدر "كويت سموكنغ" Quit Smoking قائمة تطبيقات نظام "آي أو إس" بـ19 ميزة من أصل 21 محددة، في حين جاء "كويت تراكر" Quit Tracker في صدارة تطبيقات "أندرويد" بـ15 ميزة لتغيير السلوك. بالإضافة إلى ذلك، تم التوصل إلى أن "كويت شور" Quitsure يمثل أفضل خيار للمستخدمين على كلا النظامين، مع 15 ميزة لتغيير السلوك لمستخدمي "آي أو إس" و14 لمستخدمي "أندرويد".