تعدّ العشر الأواخر من شهر رمضان فترة مميزة ومقدّسة عند المسلمين، فهي فرصتهم للعبادة والتقرب إلى الله، مثل الصلاة والذكر وقراءة القرآن والتسبيح والصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة، بغاية تعزيز إيمانهم وتحصين أنفسهم وزيادة تقواهم، وتحسين علاقتهم بالله.
في هذا التقرير، نحدّثكم عن فضل العشر الأواخر من رمضان؛ لزيادة العبادة والتقرب إلى الله، والأدعية والأذكار التي يمكن للمسلمين قراءتها خلال هذه الأيام لطلب الغفران والرحمة والنجاة من النار في هذا الشهر الفضيل.
العشر الأواخر من رمضان
اتّفق العلماء على أن العشر الأواخر من رمضان هي أفضل ما فيه وأعظم لياليه.. وأعظمها بالإجماع ليلة القدر، فهي ليست أفضل العشر فحسب؛ بل أفضل ليلة في الوجود.
كما أنّ هذه الأيّام المباركة هي أفضل عشر ليالٍ للعبادة، والعمل الصالح، وتبدأ من ليلة 21 رمضان حتى ليلة 30 رمضان إذا كان الشهر كاملاً، وفي العشر الأواخر يتحرى المسلمون ليلة القدر بما لها من مكانة، قال الله تعالى: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾.
واليكم تواريخ الليالي الوترية في شهر رمضان لهذا العام؛ حيث من المتوقع أن تكون ليلة القدر إحداها:
ليلة 21 رمضان: تبدأ مغرب يوم السبت 30-3-2024م، حتى فجر يوم الأحد 31-3-2024م.
ليلة 23 رمضان: تبدأ مغرب يوم الإثنين 1-4-2024م، حتى فجر يوم الثلاثاء 2-4-2024م.
ليلة 25 رمضان: تبدأ مغرب يوم الأربعاء 3-4-2024م، حتى فجر يوم الخميس 4-4-2024م.
ليلة 27 رمضان: تبدأ مغرب يوم الجمعة 5-4-2024، حتى فجر يوم السبت 6-4-2024م.
ليلة 29 رمضان: تبدأ مغرب يوم الأحد 7-4-2024م، حتى فجر يوم الإثنين 8-4-2024م.
دعاء العشر الأواخر من رمضان
أحاديث الرسول عن العشر الأواخر من رمضان
جاء في موقع العلامة إبن باز هذه الأحاديث المتفق عليها عن الرسول صلى الله عليه وسلم عن فضل العشر الأواخر من رمضان:
- عنْ عائِشَةَ رَضِيَ اللَّه عنْهَا، قَالَتْ: كانَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ يُجاوِرُ في العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رمضَانَ، ويَقُول: "تحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ في العشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ" متفقٌ عَلَيْهِ.
- وَعَنْها رَضِيَ اللَّه عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: "تَحرّوْا لَيْلةَ القَدْرِ في الوتْرِ مِنَ العَشْرِ الأَواخِرِ منْ رمَضَانَ" رواهُ البخاريُّ.
- وعَنْهَا رَضَيَ اللَّه عَنْهَا، قَالَتْ: "كَانَ رسُول اللَّهِ ﷺ: إِذا دَخَلَ العَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْ رمَضَانَ، أَحْيا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَه، وجَدَّ وَشَدَّ المِئزرَ" متفقٌ عَلَيهِ.
- وَعَنْهَا قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَجْتَهِدُ فِي رَمضانَ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ، وَفِي العَشْرِ الأَوَاخِرِ منْه مَا لا يَجْتَهدُ في غَيْرِهِ" رواهُ مسلمٌ.
"اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عنا"
أما بالنسبة للدعاء المأثور إذا أكرم الله المسلم بليلة القدر، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ وَافَقْتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، بِمَ أَدْعُو؟ قَالَ: "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" أخرجه الترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه وأحمد، وصححه الحاكم.
فضل العشر الأواخر من رمضان
يُشير القرآن الكريم إلى فضل هذه الليلة، حيث قال الله سبحانه وتعالى: "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" [القدر: 3]، وأيضاً قال: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" [الدخان: 4]. وقد وصفت بأنها ليلة مباركة أُنزل فيها القرآن العظيم.
ويستحبّ للمسلمين في هذه الليلة الاجتهاد في العبادة بالصلاة والقراءة والصدقة والاستغفار والذكر وغير ذلك من العبادات، وقد كان النبي ﷺ يعتكف في العشر الأواخر من رمضان، راجياً حصول هذه الليلة ليُقام فيها ويُجتهد فيها.
وموعد هذه الليلة ليس ثابتاً، فقد تكون في إحدى وعشرين، أو ثلاث وعشرين، أو سبع وعشرين، أو حتى في خمس وعشرين، وربما تكون في الليلة الأخيرة من رمضان. لذلك، يجب على المؤمن أن يبذل جهوده في العشر الأواخر كلها للحصول على الأجر والثواب في هذه الليلة المباركة. وبعد الانتهاء من الصلاة الفريضة، يُنصح بكثرة الاستغفار، والتضرع إلى الله بقول: "أستغفر الله".
قيام الليل في العشر الأواخر من رمضان
لصلاة قيام الليل في العشر الأواخر من شهر رمضان أهمية كبيرة في الإسلام، خاصةً في ليلة القدر التي تُعتبر أشرف ليالي السنة، حيث أوصانا النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأن نكثر من قيام الليل في هذه الأيام ونجتهد في الدعاء والاستغفار فيها.
ويبدأ وقت صلاة القيام بعد انتهاء صلاة العشاء، ويستمر وقتها حتى طلوع الفجر، وأفضل وقت لأدائها في الثلث الأخير من الليل؛ لقول نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم: (ينزلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ، حينَ يبقى ثلثُ الليلِ الآخِرُ إلى السَّماءِ الدنيا، فيقولُ: من يدعُوني فأستجيبَ لهُ؟ من يَسْتَغْفِرُنِي فأغفر لهُ؟ مَنْ يسألُني فأُعطيَهُ؟).
وقد روت السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي في العشر الأواخر من رمضان:
كانَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- إذَا دَخَلَ العَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ المِئْزَرَ.
كيفية صلاة القيام
روت السيدة عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي صلاة القيام بإحدى عشر ركعة، لقولها: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً منها الوِتْرُ، ورَكْعَتَا الفَجْرِ).
وهكذا تصلى صلاة القيام مثنى مثنى؛ أي ركعتين ركعتين، ويقرأ في كل ركعة سورة الفاتحة وسورة أخرى، ثمّ يجلس المسلم بين كل ركعتين، يدعو الله تعالى بما شاء، ويمكن أن يدعو في السجود؛ لقول رسولنا الكريم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد".
ويكون الوتر بركعة في آخرها، فعن عَبْدِ الله بْنِ عُمَرَ، رضي الله عنهما، قَال: قال النبي عليه الصلاة والسلام: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أردت أن تنصرِف فاركع ركْعة توتر لك ما صليت".
أفضل الأعمال في العشر الأواخر من رمضان
خصّ الله تعالى هذه الأيّام بمزايا وعطايا لا تتوفر في أيام أخرى، وقد أعطى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أهمية خاصة لهذه الأيام من خلال أعماله التي لم يكن يفعلها في غيرها.
أولاً: الاجتهاد الكثير
كان النبي صلى الله عليه وسلم يبذل مزيداً من الجهد والعمل في العشر الأواخر، حيث تقول عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره"، رواه الإمام مسلم.
ثانياً: الاعتكاف
الاعتكاف هو الانغماس في العبادة والابتعاد عن الدنيا، وكان يدل على التركيز الشديد على الطاعات والقربات.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في العشر الأواخر من رمضان حتى وافته المنية، ثم اعتكفت أزواجه من بعده.
ثالثاً: اغتنام الوقت
من السنة النبوية أن يُحث المؤمن على استغلال الوقت في العشر الأواخر، حيث منع النبي صلى الله عليه وسلم الوصال في الصوم، قال أبو هريرة، رضي الله عنه: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال في الصوم، فقال له رجل من المسلمين: إنك تواصل يا رسول الله، فقال: وأيكم مثلي! إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني" متفق عليه.
ويظهر من هذا الحديث أنه كان يحث على عدم إضاعة الوقت والاجتهاد في العبادة، وأن الأهم هو الغذاء الروحي والابتعاد عن الانشغال بالدنيا.
ليلة القدر في العشر الأواخر
لليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان علامات مميزة، منها السكينة والهدوء التي تعم الأجواء، ونزول الملائكة بإذن ربهم إلى الأرض، كما جاء في القرآن الكريم: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ". وقد ورد عن بعض الصحابة أن شمس الغد تكون قاتمة بلا أشعة.
أمّا فيما يتعلق بالدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلّم القنوت في صلاة الفجر، وكان يدعو بهذا الدعاء: "اللهمَّ اهدِنا فيمَن هدَيتَ وعافِنا فيمَن عافَيتَ وتوَلَّنا فيمَن توَلَّيتَ وبارِكْ لنا فيما أعطَيتَ وقِنا شَرَّ ما قضَيتَ إنَّك تَقضي ولا يُقضى عليكَ إنَّه لا يَذِلُّ مَن والَيتَ تَبارَكتَ ربَّنا وتَعالَيتَ".
ومن الأدعية المأثورة في ليلة القدر: "اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم يا رب العالمين وأكرم الأكرمين".