أعاد 11 فناناً عربياً إحياء الأوبريت الوطني الشهير "الحلم العربي" الذي صدر للمرة الأولى في عام 1996، ويأتي ذلك بالتزامن مع تصاعد أحداث العدوان الإسرائيلي الذي يتعرّض له قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، والذي راح ضحيّته 37 ألفاً من الشهداء والمفقودين.
غير أنّ النسخة الجديدة من "الأوبريت"، التي صدرت الإثنين 26 فبراير/شباط، برعاية إماراتية كاملة، لاقت جدلاً وانتقادات واسعة من قبل روّاد مواقع التواصل الاجتماعي.
" الحلم العربي" بهويّة جديدة
ويشارك في النسخة الجديدة من "الحلم العربي" 2024، فريق عمل الأوبريت الأصلي، مثل الشاعر الغنائي مدحت العدل، والملحن صلاح الشرنوبي، لكن مع توزيعات جديدة ومختلفة قدمها المؤلف والموزع الموسيقي ميشيل فاضل.
ومن الفنانين المشاركين في "الحلم العربي" عاصي الحلاني، صابر الرباعي، بلقيس، محمد عساف، ماجد المهندس، وأبو، إلى جانب فنانين شاركوا في النسخة القديمة، ومنهم أحلام، أصالة، أحمد فتحي، إيهاب توفيق، وليد توفيق، وعمر العبداللات.
وتأتي إعادة إحياء هذه النسخة الجديدة من الأوبريت بعد أن عاد "الحلم العربي" لتصدر محركات البحث مؤخراً مع تصاعد الأحداث في غزة، وهو ما جعل الشاعر الغنائي مدحت العدل يرغب في إعادة تقديمه بهويّة مُتجدّدة، وفق ما أفاد به في تصريحات إعلامية.
وتكمن السمة المميّزة في "الأوبريت"، بحسب صلاح الشرنوبي، في تنوع الموسيقى والأغاني من كافة البلدان العربية، حيث يقدم كل مطرب تراث بلاده بأسلوبه الخاص، مما يثري تجربة الاستماع للجمهور العربي، كما يرى أن الأجيال الجديدة بحاجة إلى اكتشاف هذا التنوع الفني من خلال الاستماع إلى الأوبريت، ولكن من المهم تقديمه بشكل يتناسب مع زمننا الحالي ومتطلباته، لكي يتمكنوا من استيعابه والاستمتاع به بشكل كامل وملائم.
كما كشف مدحت العدل عن تغييرات في النسخة الجديدة للأوبريت من خلال حذف بعض المقاطع أو إضافة مقاطع جديدة، والجمل أصبحت أقصر لاختلاف الإيقاع عن عام 1996.
"حلم عربي" بدون أمل
ويُذكر أنّه تم عرض أوبريت "الحلم العربي" في أكثر من نسخة، حيث صدرت النسخة الأولى منه في عام 1996، وقد تم تأليفها من قبل مدحت العدل، وألحان صلاح الشرنوبي وحلمي بكر، وتوزيع حميد الشاعري.
وتم تحديث الأوبريت في عام 1998، قبل أن يُقدّم في حفل كبير أُقيم في ساحة الشهداء في بيروت.
وتضمنت الأغنية الختامية للموسم الرابع من برنامج "صناع الأمل"، الذي ترعاه حكومة الإمارات، تغييراً في بعض كلماتها الأصلية، بالإضافة إلى مشاركة فنانين جُدد بدلاً من الفنانين في النسخة الأولى.
وفي تصريحات صحفية سابقة للملحن حلمي بكر في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال إنه يتمنى أن يعاد تقديم "الحلم العربي" بعد أن تفاقمت الأحداث في فلسطين وذلك عقب أحداث "طوفان الأقصى"، وتوقع أن يكون المشهد في فلسطين الأصعب والأسوأ على الإطلاق.
تاريخ عربي ضائع
ومن اللافت بين النسخة القديمة والنسخة الحديثة من أوبريت "الحلم العربي" أنّ العديد من المقاطع التي تصوّر الاشتباكات بين المدنيين الفلسطينيين وجنود إسرائيليين، وشخصيات تاريخية ذات صلة بأحداث بارزة في الدول العربية، ما زال العالم العربي يدفع ثمنها حتى اليوم، مثل نكسة 1967 وتنحي عبد الناصر عن الحكم واجتياح إسرائيل للبنان في 1982.
وقد غابت هذه المقاطع كلها عن الحلم العربي، التي تشكّل تاريخاً عاشته البلاد العربية، عن النسخة المُحدّثة، بما في ذلك لحظات "مجيدة" عاشها المصريون من خلال اقتحام خط بارليف في 1973 وتحرير أراضٍ مصرية احتلتها إسرائيل.
غياب فنانين داعمين لفلسطين
وعلى عكس الأغنية الأصلية التي شارك فيها 22 فناناً عربياً بأصواتهم، بالإضافة إلى المخرج طارق العريان، الفلسطيني-المصري، وكاتب الأوبريت مدحت العدل، والموزع حميد الشاعري، تخلت النسخة الجديدة عن الكثير من هذه الأسماء.
حيث شهدت النسخة الجديدة من "الأوبريت" غياب عديد من الفنانين الملتزمين الذين يحملون همّ الأوطان العربية في أغانيهم، مثل الفنان التونسي لطفي بوشناق الذي عُرف منذ بداياته بدعمه للقضيّة الفلسطينية، فضلاً عن تغيّب نبيل شعيل، وديانا حداد، ومحمد المازم، وأنوشكا، ونور مهنا، وعلي عبد الستار، وغادة رجب، وليلى غفران، وسمية حسن، وماجد المرزوقي، وناصر المزداوي، ومحمد الحلو، والمطربة التونسية ذكرى التي توفيت في 2003.
وشملت القائمة بدلاً من ذلك ماجد المهندس، وعاصي الحلاني، وأحمد فتحي، وبلقيس، ومحمد عساف.
أوبريت بلا قضية فلسطينية
وفي حين أنّ إصدار النسخة الأولى من الـ"أوبريت" عام 1998 جاء مع الذكرى الـ50 للنكبة في 1948، والتي شهدت إعلان إقامة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، غيّر القائمون على النسخة الجديدة من "الحلم العربي" عدة جمل من الأوبريت الأصلي، خصوصاً تلك الكلمات والجمل التي تشير في سياق واضح للقضيّة الفلسطينية، فقد خلت النسخة الجديدة من أي إشارة لهذا الملف.
من بين الجمل المحذوفة كانت "محتاج العدل القوة علشان تقدر تحميه، ولا عمر بكلمة وشكوى حق بيرجع أراضيه"، و"الحب اللي ناره شراره وعيون مليانة بشارة، بيعيد تكوين العالم، أطفال بإيدها حجارة".
وقد كانت مدة النسخة الأولى من الأغنية حوالي 18 دقيقة، بينما لم تتجاوز النسخة الجديدة أربع دقائق ونصف الدقيقة.
كما تمت إضافة عبارة "العالم كله يجري ويسابق من حوالينا، لازم نتقدم نجري بالعلم بعزم ما فينا".
وفي حين أن مؤلف الأوبريت مدحت العدل كان قد أعلن في أكتوبر/تشرين الأول 2023، في تصريحات صحفية أن إعادة تقديمه جاءت نتيجة لـ "حب وحنين جارف للقضية الفلسطينية".
ويبدو أن الأمر لم يجر كما أراد العدل، إذ تم استبعاد القضية الفلسطينية من النسخة الجديدة للأوبريت، على الرغم من إعلانه في الأسبوع نفسه عن نيته إعادة إنتاج أغانٍ أخرى تتناول قضية فلسطين.
نسخة "مخدّرة لألم العالم العربي"
وقد انتقد المشاهدون النسخة الجديدة من الأوبريت عبر التعليقات على منصة "يوتيوب"، معتبرين أنها "إبرة مخدرة لألم العالم العربي" و"تفتقر إلى شيء يحاكم من أجله في الزمن الحالي".
كما اعتبروا أن "الأوبريت" الجديد مفتقد للرسالة الأولى التي صدر من أجلها، والتي كانت تتعلق بحقوق الإنسان والحرية والتضامن الدولي لمواجهة الاحتلال.
في حين ركّز بعض المشاهدين على انتقاد أسلوب التصوير الجديد للـ"أوبريت"، معتبرين أنه يختزل "الأمل" في الترفيه، ويختصر "حلم الارتقاء" في مجموعة فنية تبتسم أمام الكاميرا، و"تنشر إنجازاتها في "تيك توك" و"إنستغرام" لحصد الإعجابات"، وفق تعبيرهم..
واستقطبت الدورة الرابعة من مبادرة "صناع الأمل"، التي تأتي ضمن إطار مؤسسة "مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية"، أكثر من 58 ألف ترشيح من مختلف مناطق الوطن العربي.
ويُمنح الفائز بجائزة "صانع الأمل" الأول مكافأة مالية قيمتها مليون درهم.
كما تهدف المبادرة إلى إبراز دور "صناع الأمل" في الوطن العربي، الذين يعملون بإخلاص لخدمة الآخرين وتحسين ظروفهم المعيشية.
وتقديراً لجهودهم، يتم تكريم هؤلاء الأفراد الذين يُعتبرون محركين للتغيير الإيجابي والذين يساهمون في تحسين الحياة.
ويتم ذلك من خلال التعريف بمشاريعهم وتوفير الدعم المالي لهم لمواصلة مبادراتهم التطوعية والجهود الفردية البارزة في إيجاد ونشر الأمل في محيطهم ومجتمعاتهم، مع التركيز على توسيع نطاق أعمالهم لتعم الفائدة على أكبر عدد ممكن من الأشخاص.