كشف كتاب جديد حول استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، أنه في غضون عقود من الزمن سيتمكن الذكاء الاصطناعي من كشف أسرار أجسامنا، ويشخِّص الأمراض بدقة من خلال استكشاف بيانات أكثر تنوعاً مما يستطيع أي إنسان القيام به، وفقاً لما صرح به طبيب ومؤلف الكتاب لمجلة Newsweek الأمريكية، السبت 24 فبراير/شباط 2024.
في مقابلة مع المجلة قال الدكتور رونالد رامزي إنه في حين أن الذكاء الاصطناعي يُظهِر بالفعل أن له تطبيقات مفيدة في البيئة السريرية، فإن النماذج المستخدمة حالياً محدودة من حيث التعقيد والنطاق. وفي نهاية المطاف ستكون خوارزميات التعلم العميق "متعددة الوسائط" قادرة على فهم البيانات الطبية متعددة الأوجه للمريض والتنبؤ بما قد يكون خطأ فيها.
كما أضاف الدكتور رامزي أن هناك عقبات يجب التغلب عليها أولاً قبل استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، بما في ذلك الافتقار إلى البيانات الكافية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي عليها، والمخاوف المتعلقة بالسلامة، والتردد بين الأطباء وعامة الناس، قبل استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء في اتخاذ القرار.
استخدام الذكاء الاصطناعي حالياً
يقتصر استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية في الوقت الحاضر عادةً على أداء مهام ضيقة ضمن مجال معين من مجالات الطب، رغم أنها لا تزال مفيدة، وفقاً لبحث مُدرَج في كتاب رامزي "طبيب الذكاء الاصطناعي: صعود الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية".
في مجال الأشعة، يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي مراجعة عمليات الفحص وتحديد الأورام أو كسور العظام التي ربما لم تُكتَشَف. وفي مجال أمراض القلب -وهو مجال خبرة رامزي- طوَّرت إحدى الشركات خوارزميات تعتمد على الهاتف المحمول تستخدم الساعات الذكية لمراقبة إيقاعات القلب لدى مرتديها، والتي تأمل في استخدامها لتحديد متى يكون المريض على وشك الإصابة بسكتة قلبية.
لقد نُفِّذَت هذه التطورات لأن الخوارزميات مطلوبة لتحليل نوع واحد فقط من البيانات، ويمكن تدريبها على البيانات التي تمت رقمنتها بالفعل على نطاق واسع. وقال رامزي إنه تم مسح صور الأشعة السينية على أجهزة الكمبيوتر "منذ عقود"، ما يمنح برامج الذكاء الاصطناعي المصممة لاكتشاف المشكلات في الأشعة المقطعية ثروة من الأمثلة للتعلُّم منها قبل وضعها موضع الاستخدام.
لكن رامزي قال إن العرض الحالي للذكاء الاصطناعي سيُنظَر إليه على أنه "العصور الحجرية" للرعاية الصحية، مقارنةً بما سيكون ممكناً في غضون بضعة عقود.
حيث قال: "إذا فكرت في الأمر ستجد أن البشر موجودون على هذا الكوكب منذ 300 ألف عام. قبل مئة عام لم تكن لدينا مضادات حيوية أو تخدير. أنا طبيب قلب، وإذا كنا في عام 1970، إذا تعرضت لنوبة قلبية كانت احتمالات وفاتك حوالي 30%. اليوم أصبحت النسبة أقل من 5%".
أضاف الدكتور رامزي: "لذا، فإن ما حدث في المئة عام الماضية أمر مذهل، متوسط العمر المتوقع ارتفع من نحو 35 إلى أكثر من 80 عاماً".
كيف سيتم استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية؟
في السنوات المقبلة، يتوقع رامزي أن يتمكن الذكاء الاصطناعي للتعلُّم العميق من رسم خريطة للجينوم والميكروبيوم لدينا –النظام البيئي للبكتيريا الموجودة في أمعائنا– وكيف تؤثر على تطورنا وقدرتنا على مكافحة الأمراض. وستكون النماذج قادرةً على النظر في مجموعة واسعة من المقاييس المتعلقة بمريض معين، ومن خلال هذا الفهم الشامل للبشر يمكنها التنبؤ بالأمراض التي من المحتمل أن يواجهوها أو الذين يعانون منها حالياً.
كتب رامزي في كتابه أن هذه النماذج الجديدة "ستكون قادرةً على حل مشاكل لم تكن مرئية من قبل ببساطة، من خلال شرح مهام جديدة للذكاء الاصطناعي… دون الحاجة إلى إعادة التدريب".
كما قال: "عقولنا لن تكون قادرة على كشف تلك المشاكل، وهنا لن يُعتَبَر الذكاء الاصطناعي ترفاً، بل سيصبح ضرورة، لأنه سيكون التكنولوجيا الوحيدة التي يمكنها غربلة مليارات البيانات وتريليونات الاتصالات ومعرفة العلاقات والارتباطات الرئيسية".
تشكل البيانات غير المنظمة وغير المصنفة حوالي 80% من بيانات الرعاية الصحية، والتي يمكن تقسيمها ليس فقط عبر مواقع متعددة، ولكن أيضاً عبر التنسيقات، بما في ذلك على الورق. ويمكن أن تؤدي الثغرات الموجودة في بيانات التدريب هذه إلى ارتكاب نماذج الذكاء الاصطناعي أخطاء في الحكم، في حين أن مجموعات البيانات المتحيزة لنوع معين من السكان قد تعني أنها تتخذ قرارات تضر بنوع آخر عن غير قصد.
تحديات استخدام الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية
لكن توفير البيانات التي ستحتاجها نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة يأتي مصحوباً بتحدياته الخاصة، وليس أقلها خطر انتهاك الخصوصية الطبية إذا احتُفِظَ بالسجلات الطبية الكاملة للسكان في قاعدة بيانات واحدة، كانت عرضة للهجمات السيبرانية. وفقاً لصحيفة The Independent البريطانية في العام الماضي، أدى هجوم على خدمة الصحة الوطنية في بريطانيا إلى اختراق قاعدة بيانات تحتوي على معلومات 1.1 مليون مريض.
يحقق الذكاء الاصطناعي بالفعل تقدماً هائلاً في التطور، ما يؤدي إلى عدد متزايد من التطبيقات في قطاعات أخرى يمكن للنماذج تنفيذها بدقة متزايدة. وقال رامزي إن بطء اعتماد صناعة الرعاية الصحية يرجع جزئياً إلى مخاوف تتعلق بسلامة المرضى والضمانات اللازمة لتجنب الأخطاء، ولكن أيضاً إلى الشكوك تجاه الذكاء الاصطناعي بين الأطباء.