مع تصاعد التوتر في البحر الأحمر بعد قرار جماعة أنصار الله الحوثي استهداف السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية، تحوّل السؤال عن سبب لماذا ترفع السفن أعلام دول أخرى؟ إلى التساؤل الأكثر تداولاً، إذ يتساءل الكثير من الناس عن انتشار السفن التي تحمل أعلام دول صغيرة، لا علاقة لها بالدول المالكة للسفن، أو المشهورة بشركات الشحن.
ففي كلّ مرة نسمع فيها عن استهداف الحوثيين لسفينة في البحرين الأحمر والعربي، نلاحظ أن هناك رابطاً مشتركاً بين هذه السفن، وهو أنها ترفع أعلاماً أجنبية، وليس أعلام دولها.
وتُعد بنما الدولة الأولى التي يفضل ملاك السفن رفع علمها، إضافة إلى ليبيريا وجزر مارشال وجزر البهاماس، في ما يُعرف بأعلام الملاءمة أو "Flags of Convenience"، ولكن لماذا ترفع السفن أعلام دول أخرى؟؟ وماذا يقول القانون البحري عن ذلك؟
لماذا ترفع السفن أعلام دول أخرى؟
تقدم غالبية شركات الشحن البحرية وملاك السفن على تسجيل سفنهم في دول صغيرة وغير مشهورة، وذلك لعدة أسباب، غالبها اقتصادية، فالشركات الاقتصادية لا تهتم سوى بالأرباح، وفي سبيل ذلك يتم اللجوء إلى هذا الأمر.
إذ تقدم الدول الصغيرة مثل بنما ميزات كثيرة لأصحاب السفن من أبرزها الإعفاء من الضرائب، خلافاً لما يمكن لمالكي السفن دفعه لو اختاروا رفع علم بلدهم الأم، خاصة الدول التي تفرض ضرائب عالية النسبة على مواطنيها، بالإضافة إلى التمتع بالحماية التنظيمية والقانونية، إذ يتيح نظام التسجيل في الدول الصغيرة توظيف أطقم السفن من أي مكان في العالم، وكذلك توفير القوى العاملة والخدمات بشروط مناسبة بهدف تقليل تكاليف الشغل، وهو ما من شأنه تخفيف النفقات.
كما أنّ تلك الدول تقدّم امتيازات أخرى أهمها سهولة التسجيل، إذ توفر ما يُعرف بنظام التسجيل المفتوح، هو الأسهل، مقارنة مع غيره من الأنظمة في دول أخرى، ويمكن تقديم الطلبات عبر الإنترنت أيضاً. كما يمكن لأصحاب السفن القيام بعملية التسجيل خارج دولة العلم.
أي إنّ الإجابة على سؤال لماذا ترفع السفن أعلام دول أخرى؟ في قسطه الاقتصادي هو البحث عن ملجأ ضريبي مناسب ويد عاملة رخيصة، وسهولة في التسجيل تنتج عنها أرباحٌ مقتدرة للسفن وأصحابها.
وهناك سببٌ آخر لرفع السفن أعلام دول أخرى على ظهرها، وهو الالتفاف على العقوبات، إذ أقدمت الدول التي فرضت عليها عقوبات، مثل إيران، وكوريا الشمالية، على تسجيل سفنها، خصوصاً ناقلات النفط، بالدول الصغيرة من أجل تجنب العقوبات.
وكانت الشركة الوطنية الإيرانية للنقل البحري سجلت أكثر من 50 سفينة تابعة لها في بنما، وذلك في أعقاب رفع أمريكا العقوبات المفروضة عليها عام 2016 بموجب الاتفاق النووي.
متى بدأت عملية رفع السفن أعلام دول أخرى؟
بعد معرفة الإجابة عن السؤال: رفع السفن أعلام دول أخرى؟ نبحث عن متى بدأ رفع السفن أعلام دول أخرى؟، إذ بدأت عملية تسجيل السفن في دول أجنبية في عشرينيات القرن الماضي، وذلك بسبب القوانين الصارمة التي تفرضها معظم الدول، ما دفع أصحاب السفن للجوء لتسجيل سفنهم في دول أخرى.
إذ كان ملاك السفن الأمريكيون هم أوّل من أقدم على تسجيل سفنهم في دول أخرى، وذلك بهدف التهرب من القيود التنظيمية وارتفاع تكاليف العمالة في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 1922 سجّل تسجيل أول سفينتين أمريكيتين في بنما التي فتحت الباب أمام هذه الممارسة، التي سرعان ما انتشرت وشهدت نمواً كبيراً.
وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، نما سجل بنما بسرعة أكبر، مع رغبة أصحاب السفن بخفض النفقات العامة، في حين قام الأوروبيون بتغيير الأعلام، تجنباً لارتفاع معدلات الضرائب.
ومع ارتفاع الطلب على التسجيل المفتوح للسفن، شكلت دول أخرى في العالم الثالث نظاماً مشابهاً، حيث استخدمت الولايات المتحدة سجل ليبيريا لبناء أسطول من السفن المحايدة خلال الحرب الباردة.
وقد ظل مصطلح "أعلام الملاءمة" مستخدماً منذ خمسينيات القرن العشرين، وهو يشير إلى الراية المدنيّة التي ترفعها سفينة ما للدلالة على الدولة التي سُجِّلت فيها أو دولة العلَم.
وتمتلك بنما أكبر سجل للسفن في العالم، تليها ليبيريا وجزر مارشال وهونغ كونغ وسنغافورة.
ماذا يقول القانون الدولي البحري عن رفع السفن أعلام دول أخرى؟
تنص المادة 92 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الوضع القانوني للسفن في فقرتها الأولى على أن "تبحر السفينة تحت علم دولة واحدة فقط، وتكون خاضعة لولايتها الخالصة في أعالي البحار، إلا إذا تم النص على خلاف ذلك في معاهدة أخرى أو في مقتضى نصوص في هذه الاتفاقية، ولا يجوز للسفينة أن تغير علمها أثناء رحلة ما، أو أثناء وجودها في ميناء الزيارة إلا في حالة نقل حقيقي في الملكية أو في التسجيل".
كما لا يجوز للسفينة التي تبحر تحت علمي دولتين أو أعلام أكثر من دولتين، مستخدمة إياها وفقاً لاعتبارات الملاءمة أن تدعي لنفسها أي جنسية من هذه الجنسيات أمام أي دولة أخرى، ويجوز اعتبارها في حكم السفينة العديمة الجنسية.
وبموجب القانون الدولي البحري، فإن السفينة التجارية التي تدخل ميناءً أجنبياً تخضع حالاً للقانون المحلي للمكان الذي دخلت إليه، ولكنها تبقى في نفس الوقت خاضعة لقانون الدولة التي ترفع علمها. ولا تتدخل السلطات المحلية في أي من الشؤون الداخلية للسفينة.
وإذا حدثت جريمة ما على ظهر السفينة فإنها تُعالج بموجب قانون العلم الذي تحمله ومهما كانت جنسية المجرم. أما إذا قررت السلطات الساحلية أن الأمر يقع ضمن اهتماماتها، فإن لها حقاً قانونياً غير قابل للمناقشة لأخذ المعنيين إلى الساحل ومحاكمتهم بموجب قانونها، ذلك أن قانون الساحل أعظم من قانون العلم الذي تحمله السفينة.
غير أن المادة 27 من القانون، لا تجيز للدولة الساحلية ممارسة الولاية الجنائية على ظهر سفينة أجنبية مارة عبر بحرها الإقليمي من أجل توقيف أي شخص أو إجراء أي تحقيق بصدد أي جريمة ارتُكبت على ظهر السفينة إلا في حالات، من بينها أن تكون الجريمة التي ارتُكبت مخلة بسلم هذه الدولة أو بحسن النظام في المياه الإقليمية.