شنت الولايات المتحدة الأمريكية مع بريطانيا ضربات جوية في ست مدن يمنية في آن واحد، مستهدفة بحسب وزارة الدفاع الأمريكية المعسكرات التابعة للحوثي، استهدف اليمن أمس بثلاثة وسبعين غارة، الضربات شملت قصف صنعاء وصعدة والحديدة وتعز وذمار وحجة وأسفرت عن خمسة شهداء، لكنها دمرت كل ما وصلت إليه، بحسب ما ذكرت وسائل إعلام غربية وعربية.
وكانت حركة أنصار الله "الحوثي" منخرطة في طوفان الأقصى بخطف سفن تجارية تابعة لرجال أعمال إسرائيليين، واستهداف سفن تجارية متجهة من وإلى الكيان المحتل. كما أعلن الحوثي استهداف سفينة أمريكية كانت "تقدم الدعم" لإسرائيل بعدد كبير من الصواريخ الباليستية، وذلك رداً على استهداف أمريك الثلاثة زوارق يمنية حاولت الاستيلاء على سفينة دنماركية قتل على إثرها عشرة من قوات الحوثي.
على إثر ذلك شكلت الولايات المتحدة تحالف الازدهار مع بريطانيا ودول أخرى، إذ دعمت أستراليا وكندا والبحرين الضربات، بحسب تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن. لم يكن الاستهداف الأخير هو الأول من نوعه أن تستهدف القوات الأمريكية اليمن، فهي ضمن سلسلة من الاستهدافات استمرت على مدار 22 عاماً.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف اليمن، فقد استهدفت الولايات المتحدة اليمن مرات عديدة منذ عام 2002 وحتى اليوم أكثر من مرة، إذ كانت اليمن وقتها خامس الدول العربية التي تتعرض لقصف أمريكي مباشر بعد العراق ولبنان وليبيا والسودان، كما أن الولايات تعرضت لهجمات مضادة كثيرة في اليمن، أبرزها استهداف المدمرة كول، واستهداف السفارة الأمريكية بصنعاء 2008.
إلا أن استهداف اليمن كان ضمن استراتيجية استخدمتها الولايات المتحدة في باكستان حيث استباحت الجو، لكنها لم تتواجد على الأرض بشكل موسع واكتفت بتواجد محدود، تخوفاً من الوقوع في فخ اليمن، وقد سبق اليمن جميع الدول التي استخدمت فيها تكتيكات الاغتيال بالطائرة بدون طيار.
اليمن يسجل أول الاغتيالات بالدرون في العالم
12 أكتوبر/تشرين الأول عام 2000، انفجار يهز منطقة التواهي بمدينة عدن، يخرج الناس فزعاً إلى الشوارع، ليكتشفوا أن الصوت قادم من البحر، لم تتأخر الأخبار كثيراً؛ إذ أعلن تنظيم القاعدة استهدافه المدمرة الأمريكية "يو إس إس كول"، والذي أودى بحياة 17 جندياً أمريكياً، و39 جريحاً.
ضغطت الولايات المتحدة على الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح بالتضييق على الجماعات الإسلامية في البلاد، لكن مع أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 هرع الرئيس اليمني إلى جورج بوش الابن في البيت الأبيض نوفمبر/تشرين الثاني 2001 لكي ينخرط مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، إذ تخوف أن يكون أحد ضحايا القاعدة بعدم التعاون ضدهم. مبرماً مع الولايات المتحدة اتفاقية تعاون أمني، كان المعنى الفعلي لها السماح للولايات المتحدة باختراق الأجواء والمياه اليمنية.
في عام 2001 أصدر القانون المثير للجدل المعروف باسم "تفويض استخدام القوة العسكرية" (AUMF)، دوراً رئيسياً في بداية حروب الدرون والاغتيالات خارج المحاكمة أو الاتهام، حيث يحق للقوات العسكرية الأمريكية تنفيذ غارات من دون الرجوع لتشريعات من أجل تحييد العنصر الذي يعتقد أنه يعمل ضمن شبكة الإرهاب، وانخراطهم في أحداث سبتمبر/أيلول.
بعد زيارة صالح للبيت الأبيض بعام في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2002 اغتالت الولايات المتحدة بطائرة بدون طيار تابعة لـ CIA "أبو علي الحارثي" قرب صنعاء الذي يعتقد أنه العقل المدبر لاستهداف المدمرة كول مع خمسة آخرين منهم مواطن يمني أمريكي اسمه أحمد حجازي، كان قصف محافظة مأرب هذه هي أولى عمليات الاغتيالات بالطائرات الموجهة عن بعد والتي تتوسع في حروب الإرهاب، في أفغانستان وباكستان واليمن وكثير من البلاد.
تغيير القوانين من أجل استهداف اليمن
في 2008 استهدفت السفارة الأمريكية في صنعاء وقتل يومئذ 19 جندياً، واستمرت لأكثر من 17 ساعة حتى حُيِّد المهاجمون، وتكرر الأمر في 2010 حتى أجبرت الولايات المتحدة وبريطانيا على غلق سفارتيهما في صنعاء.
وتصاعدت في ذلك الوقت ضربات حركة أنصار الشريعة للولايات المتحدة، من خلال إرسال الطرود المفخخة، واستهداف الطائرات، أبرزها محاولة تفجير طائرة ديترويت، وتنفيذ الضابط الأمريكي الفلسطيني نضال مالك حسن لعملية فردية في قاعدة فورت هود الأمريكية ويقتل 13 من زملائه، والذي يعتقد أن الضابط كان تلميذاً لأنور العولقي.
تصاعد الهجمات من اليمن تزامن مع ارتفاع عدد الغارات الأمريكية واستهدافها، ففي ديسمبر/كانون الأول 2009، كشفت منظمة العفو الدولية وبرقية مسربة أن الولايات المتحدة الأمريكية استهدفت منطقة في محافظة أبين اليمنية يعتقد أن فيها قيادياً لتنظيم القاعدة، مما أدى إلى مقتل أكثر من 41 مدنياً منهم 21 طفلاً و14 لمرأة.
لقرأ أيضاً: لم يعلناه بسبب حرب غزة.. تفاصيل اتفاق بين حكومة اليمن و"الحوثي" وخشية من انهياره بسبب إدارة بايدن
في الوقت الذي راسل فيه علي عبد الله صالح الجنرال ديفيد بيتريوس أن الحكومة اليمنية "ستقول للناس إن القنابل يمنية ولا تعود للأمريكيين"، استخدم في القصف صواريخ التوماهوك وكروز. إذ يعتبر الاستهداف لليمن اختراقاً كاملاً للسيادة.
اغتيل أنور العولقي المواطن الأمريكي وزعيم أنصار الشريعة في اليمن سبتمبر/أيلول 2011 في محافظة الجوف اليمنية شمال شرقي صنعاء، حدث بسبب اغتياله لغط وجدل كونه مواطناً أمريكياً لا يصح قتله إلا بإدانة مباشرة من القضاء الأمريكي، إذ وضحت إدارة أوباما أنها لم تفعل ذلك إلا طبقاً لتفويض الكونغرس الأمريكي باستهداف "أي تهديد".
"نعتقد أن سلطة التفويض باستخدام القوة المميتة في الخارج قد تنطبق أيضاً في الظروف المناسبة على مواطن أمريكي يكون جزءاً من قوات تفويض العدو ضمن نطاق تفويض القوة"، كما جاء في مذكرة وزارة العدل، المكتوبة لأجل: المدعي العام إريك هولدر في 16 يوليو/تموز 2010 وكان المقصود حصراً قضية العولقي.
قدرت ضربات الولايات المتحدة في اليمن وباكستان والصومال من 2002 وحتى 2022 بأكثر من 1000 ضربة جوية، أودت بحياة 5 آلاف معظمهم من المدنيين، لكنها بالطبع استهدفت قيادات كبيرة في تنظيم القاعدة والحركات المسلحة في البلاد المذكورة.
في ذلك الوقت خرجت الشائعات عن وجود عسكري في معسكر العند باليمن؛ وهو ما تأكد فيما بعد مع هجوم الحوثي على عدن وانسحاب القوات الأمريكية من قاعدة العند الجوية بمحافظة لحج الجنوبية.
توسع الاستهدافات بعد الثورة
نهاية عام 2012 على طريق رداع هناك 12 جثة متفحمة.. هكذا جاءت الأخبار، ذهبت الاتهامات سريعاً للولايات المتحدة، فهي من استباحت الأجواء اليمنية أكثر من مرة، وقد كان الحدس صحيحاً في الوقت الذي قيل إنه استهداف لقيادات من تنظيم القاعدة، إلا أن الخبر اليقين جاء على لسان حكومة صنعاء التي اعترفت أن جميع القتلى من الأطفال والنساء.
استمرت الاستهدافات في عهد أوباما، حيث نفذت غارات في رداع أكثر من مرة بمحافظة البيضاء ضد عائلة الذهب التي يعتقد أن منها قيادات في تنظيم القاعدة، وكذلك في أبين وفي حضرموت؛ حيث استهدف ناصر الوحيشي نائب زعيم تنظيم القاعدة وقتها أيمن الظواهري عام 2015، كما استهدف خلفه عام 2020.
ويعتبر الهجوم الأوسع الذي تبعه إنزال أمريكي في اليمن عام 2017 في إدارة ترامب، حيث قامت قوات المارينز الأمريكية بإنزال مظلي واشتباكات في منطقة يكلا بالبيضاء، وقتل على إثرها 20 مدنياً من الأطفال والنساء بالإضافة إلى شخصيات من عائلة الذهب يعتقد أنها تنتمي لتنظيم القاعدة.
ولم ينتهِ التدخل الأمريكي في الأجواء اليمنية حتى بعد سيطرة جماعة أنصار الله على صنعاء، بل استمر حتى بعد تشكيل مجلس القيادة الرئاسي أبريل/نيسان 2022 برئاسة رشاد العليمي، حيث استمر التعاون الأمني مع اليمن، ونفذت الولايات المتحدة غارات كان آخرها اغتيال حمد بن حمود التميمي في فبراير/شباط 2023.