أثار فيديو استقبال امرأة درزية لابنها الذي يقتل المدنيين في غزة حفيظة المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كان الجندي في جيش الاحتلال قد عاد بعد غياب لخمسين يوماً مشاركاً في قتل وتشريد الفلسطينيين في غزة على مدار تلك المدة.
فشل وليد جنبلاط في تحييد دروز إسرائيل عن المشاركة في الحرب ضد غزة، إذ وجه لهم نداءات ومراسلات على ألا يفعلوا.. في الوقت الذي ألقى شاعر الدرزي سليمان دغش يرثي حفيده الأول الذي قتل في حرب غزة، بكلمات "ألم يكن من العدالة أن أكون مكانك وأن تكون أنت مكاني"، كرمت وزارة الثقافة الفلسطينية منذ أعوام "دغش" باعتباره شاعراً فلسطينياً يستحق التكريم.. وهو اليوم يرثي حفيده ويتمنى لو أن يكون مكانه يقتل الشعب الفلسطيني.
من هم الدروز؟
وهي طائفة باطنية ترى أن الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي السادس تناسخ فيه الإله، كما أن النبي شعيب عليه السلام هو شخصية مركزية في ديانتهم، وللدرزية معتقدات باطنية لا يعرفها إلا علماؤهم فهي خليط من الشيعة الإسماعيلية والفيثاغورثية والزرادشتية ومعتقدات أُخر.
يشكل الدروز في إسرائيل نسبة 1.5% من تعداد السكان، و7.5% من عرب الداخل، إذ يبلغ عددهم 150 ألف درزي منتشرين في شمال الأراضي المحتلة الجليل بنسبة تتجاوز 81%، في حين يتركز البقية في الكرمل قرب حيفا.
دعم مبكر لإسرائيل
بحلول عام 1922 كان في فلسطين أكثر من 7617 درزياً، يقطنون في شمال الأراضي المحتلة، لم يكن للدروز علاقة طيبة بالدولة العثمانية، إذ أيدوا كثيراً من التمردات، بل قاد دروز جبل الشوف أحد أبرز التمردات في تاريخ الدولة العثمانية وهو تمرد المعنيين.
في حرب النكبة عام 1948م قاد فوزي القاوقجي جيش الإنقاذ السوري، حشد القاوقجي كتيبة "الحسين" و"القادسية" من الدروز، وقد بلغ عدد قوات الكتيبتين 360 جندياً، واستقرت في "شفا عمرو"، هاجمت القوات الدرزية التابعة للقاوقجي المستوطنات اليهودية، إلا أن قائد الكتيبة شكيب وهاب أبرم اتفاقاً مع الهاغانا للانسحاب. ليفر كثير من جنود المعركة إلى عدوهم إسرائيل ليشكلوا نواة الملتحقين من الدروز بجيش الاحتلال الإسرائيلي.
وفي حرب 1948م انحازوا لليهود مع عدم الانخراط الفعلي في الحرب، فلم يجبر الدروز على ترك قراهم كما فعل بالعرب المسلمين، كما في كفرياسيف وإعبلين وشفا عمرو، وفي 1949م تم تأسيس وحدة الأقليات من الدروز والشركس والبدو وتسليحها بأسلحة خفيفة لمنع عودة الفلسطينيين المهجرين من قراهم إلى بلداتهم تسللاً. فيما عرف بـ"حلف الدم" الذي شرعن وجوده ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الإسرائيلي، دم الدروز مقابل الأمان من دولة الاحتلال.
التحول من صاحب أرض إلى مرتزق
يشدد الدرزي على انتمائه "الدرزي" و"الإسرائيلي"؛ إذ يعتبر من يرون أنفسهم "فلسطينيين" أقلية، في عام 1957 اعتبرت إسرائيل الدرزية ديانة مختلفة لا تنتمي للديانة الإسلامية، وعرف الدروز كجماعة عرقية ودينية متميزة، أي بشكل رسمي أسست "الدرزية الصهيونية"، وقد خصصت مناهج خاصة للتعليم الديني في المدارس للدروز، وذلك بعد اتفاق أبرم بين إسرائيل وزعيم الطائفة الدرزية عام 1956م.
تحقيقياً لتحالف الدم إذ يعطي الدروز لدولة الاحتلال دمهم ويحصلون على الأمان تأسست وحدة "السيف" في جيش الاحتلال عام 1974م وهي مشكلة من أقلية الدروز، بحسب بيانات جيش الاحتلال، فإن 83% من الشباب الدرزي قضى خدمته الإجبارية في جيش الاحتلال، وقدم الدروز أكثر من 369 قتيلاً دعماً للاحتلال الإسرائيلي منذ 1948 وحتى 2010، ومنذ 7 أكتوبر الماضي قتل أكثر من 7 دروز وهم يشاركون الإبادة الجماعية في غزة.
احتج الدروز على التمييز تجاههم داخل الجيش الإسرائيلي وعدم ترقيتهم وتوليهم أماكن حساسة داخل الجيش، والنظر إليهم بنوع من الريبة والشك، إلى أن ساهم نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، مع غادي أيزنكوت في السماح لهم بالترقية، وحل وحدة "السيف" مع بقاء بعض المحظورات بعدم إشراكهم في سلاح الطيران.
وقد قاد طبقاً لهذه القرارات تولي ثلاثة للشؤون الفلسطينية دروز آخرهم هو غسان عليان، منسقاً لشؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة الأمن الإسرائيلية خلفاً للدرزي كميل أبو ركن. بل قاد درزي لواء غولاني في حرب 2014 وأصيب على يد ضربات المقاومة.
وقد تولى مجلي وهبي رئاسة الكنيست بالإنابة في فبراير 2007، إذ كان عضواً في الكنيست عن حزب كاديما، عند سفر داليا إيتسيك رئيس المجلس، تولى وهبي المنصب بالإنابة لفترة وجيزة، إذ يكون هو الوحيد الذي تولى هذا المنصب من غير اليهود.
إلا أن التمييز بقي في مستويات أخرى، فقد شكلت الكتيبة العسكرية 299 في شمال الأراضي المحتلة والتي يشكل الدروز 70% منها؛ إذ يقومون بتمشيط المنطقة باستمرار ويكونون في الصفوف الأمامية للنيران اللبنانية.
مواطنون من درجة ثانية
في 2018 احتج الدروز بسبب "قانون الدولة القومية"، وهو قانون يهودية إسرائيل، إذ اعتبره الدروز تهديداً مباشراً لهم وإقصاء، وقد قاد هذا الحراك الضباط من الدروز، كما أقلقهم من تخفيض اعتبار اللغة العربية لغة رسمية ثانية في البلاد إلى لغة ذات طبيعة خاصة.
أنهى نتنياهو اجتماعاً معهم عندما قال أحد الحضور: "إسرائيل دولة عنصرية تجاهنا". لا ينظر الدرزي الإسرائيلي إلى هويته العربية باعتبارها هوية سياسية وطنية، بل هوية تنبع من التمايز عن اليهود عن اللغة العربية المشتركة للطائفة حول العالم، عن خلفية اجتماعية وثقافية مشتركة.
وفي مراسم تشييع أحد القتلى الدروز الذين شاركوا في حرب غزة "عملية طوفان الأقصى" ؛ قال الرئيس الروحي للطائفة الشيخ موفق طريف خلال مراسم الجنازة: "ألا يستحق أصدقاء ومعارف عدي العمل وبناء منزل في بيت جن من دون تدخل، من دول القلق بشأن صدور أوامر وفرض غرامات؟".
إلى جوار التهميش فهناك فقط 44% من الدروز حاصلين على الثانوية العامة، وقليل منهم من استمر في تعليمه العالي بعدها، وهي أقل طائفة عربية موجودة في الداخل متعلمة، بل إن البنى التحتية والخدمات في قراهم الـ16 تكاد تكون منعدمة، فشبكة الكهرباء هي الأضعف، كما أن طائفة الدروز الإسرائيليين صاحبة أقل معدل نمو بعد مسيحيي الداخل، إذ يشكل نموهم 1.4% مقابل 1.7% لليهود و 2.5% للمسلمين من عرب الداخل.
وبالرغم من تقديمهم الخدمات لدولة الاحتلال، فيتم منعهم من البناء وعدم إعطائهم التصاريح اللازمة، ومعاملتهم كمواطنين درجة ثانية وربما ثالثة، مما دفعهم للبناء غير القانوني؛ إذ أصبح ثلث منازل الدروز غير مصرح بها، فإما يهدم البناء أو الغرامة المجحفة التي قد تتجاوز 150 ألف دولار، هذه الغرامة الكبيرة وذلك طبقاً لقانون "كامينيتس" لعام 2017 الذي شدد عقوبة البناء من دون تصاريح.
نحن الدروز نبني في قرانا فقط. والمشكلة هي أنه بدلاً من توسيع المنطقة التي يسمح لنا بالبناء فيها، كما هو الحال في المستوطنات اليهودية أو في المدن الكبرى، لا تقدم لنا السلطات أي حل آخر
أشرف حلبي رياضي درزي إسرائيلي
أدت العنصرية ضد الدروز إلى ارتفاع نسبة الرافضين للتجنيد الإجباري إلى 60%. كما وحاول الدروز في سبتمبر/أيلول 2023 تقليد الصهاينة المستوطنين بالإعلان عن إنشاء 5 بؤر استيطانية وقولهم إنها تأتي ضمن دعوة بن غفير لتمديد الاستيطان، وذلك كحل بديل عن منع استصدار تصاريح البناء لهم.