قبل الحدثي عن أحمد فؤاد صادق كان قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في أواخر سنة 1947 كان حاسماً ومؤثراً، وكأنه رصاصة أطلقتها الدول الكبرى المؤيدة لهذا القرار، ومن بينها الولايات المتحدة، بريطانيا، روسيا، وفرنسا. هذا القرار كان يتضمن تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود.
جاء هذا القرار في سياق دعم قوات الانتداب البريطاني للهجرات اليهودية المليونية من أوروبا، والتي كانت مخططة ومنظمة خلال الفترة ما بين 1917 و 1947.
تعرض الفلسطينيون خلال 30 عاماً إلى هجرات جماعية ومنهجية، وذلك تحت حماية القوات البريطانية التي كانت تحتل فلسطين. تعاملت هذه الهجرات بشكل غير عادل مع الفلسطينيين، وأدت إلى تصاعد التوترات بين الطرفين.
وفي مواجهة هذه الظروف الصعبة والقرارات الجائرة، أسس الفلسطينيون والمتطوعون العرب من مصر وسوريا والأردن مجموعات للدفاع عن أرضهم خلال سنوات الاحتلال البريطاني. عندما أعلنت بريطانيا نيتها إنهاء الانتداب على فلسطين في مايو/أيار 1948.
قررت سبع دول عربية؛ هي كل من مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية واليمن المشاركة في مواجهة مصير الفلسطينيين فيما عُرف بـ "النكبة" والتي شارك فيها العديد من العرب من أجل فلسطين.
من بين العرب الذين خلدوا أسماءهم في حرب 1948 نجد اللواء المصري أحمد فؤاد صادق، الذي كان له الفضل في بقاء غزة على شاكلتها الجغرافية.
من هو اللواء أحمد فؤاد صادق؟
إنه اللواء أحمد فؤاد صادق باشا، القائد المصري الذي منحه الملك فاروق رتبة الباشوية تقديراً لإنجازاته الكبيرة في الحفاظ على قطاع غزة ومواجهة اليهود في مناطق رفح، خان يونس، والعريش.
كانت قيادته الفعّالة هي العامل الرئيسي وراء نجاح القوات المصرية في المعارك الفلسطينية. بفضل تصميمه وشجاعته، استمر قطاع غزة بشكله الحالي منذ عام 1948 حتى يومنا هذا، رغم مرور الزمن والاحتلال الصهيوني عام 1956 وعام 1967، والتحرير فيما بعد.
يعود أصل اللواء أحمد فؤاد صادق باشا إلى مركز زفتى في محافظة الغربية بشمال مصر. وُلد في القاهرة في 1 سبتمبر/أيلول 1893، لأب مصري اسمه محمد صادق وأم سودانية. أكمل دراسته الابتدائية في القاهرة وتخرج في المدرسة الحربية في سلاح الفرسان عام 1913. خدم في الجيش المصري بالسودان لسبع سنوات، وشارك بفعالية في توسيع نفوذ الجيش في الفاشر وأوغندا وإثيوبيا.
كان للواء أحمد فؤاد صادق دور كبير في القيادة العسكرية؛ حيث أظهر شجاعة وتفانياً في مختلف الميادين العسكرية. بالإضافة إلى إسهاماته في الحروب، شغل مناصب مهمة في الجيش المصري، بما في ذلك دوره في الكلية الحربية حين حصل على درجة "أركان حرب". وفي فترة حكم الوفد عام 1942، أظهر دعمه للملك فاروق ضد التدخل الإنجليزي وشجبه للتصرفات الإنجليزية في السياسة المصرية.
على الرغم من الإنجازات الكبيرة والشجاعة التي قدمها اللواء أحمد فؤاد صادق، إلا أنه واجه محنة شخصية بعد قيام النحاس باشا بعزله من الجيش وسجنه لمدة 23 شهراً. وعندما خرج من المعتقل، تمت إحالته للتقاعد، وظل على المعاش بين عامي 1944 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 1948.
في هذه الفترة كانت قيادة الجيش في القاهرة تواجه تحديات كبيرة بسبب الهزائم الثقيلة التي تعرضت لها القوات المصرية في فلسطين.
في ظل هذه الظروف الصعبة، بدأ البحث عن شخص ذي خبرة لتولي مهمة القوات المصرية في فلسطين. بقيادة حيدر باشا والملك فاروق، وبمشاركة القادة العسكريين البارزين، تم اختيار اللواء أحمد فؤاد صادق بالإجماع لهذه المهمة الحساسة.
ورغم الظروف الصعبة والهزائم السابقة، قبل اللواء صادق هذه المهمة بحماسة وشرط أن يدير المعارك وفق رؤيته الخاصة، مع حرية كاملة بعيداً عن التدخل القيادي في القاهرة، باستثناء في حدود ضيقة.
أحمد فؤاد صادق وحرب 1948
وصل اللواء أحمد فؤاد صادق إلى غزة؛ حيث استعاد الثقة بين القوات المصرية وأهالي غزة، ونجح في بناء تقارب مع المتطوعين من جماعة الإخوان المسلمين، الذين قادوا بفضل قيادة الصاغ محمود لبيب وكامل الشريف وغيرهما خلال تلك المعارك.
في 22 ديسمبر/كانون الأول 1948، أطلقت قوات الاحتلال الاسرائيلي عملية "حوريب" ضد الجيش المصري بهدف طرده نهائياً من فلسطين.
كانت خطة الاحتلال تهدف إلى تحييد القوات المصرية عن غزة، وتقسيمها إلى مجموعات صغيرة ضعيفة لسهولة التعامل معها لاحقاً. نفّذوا هجوماً مضللاً على دير البلح والمناطق المجاورة، مثل "التبة 86″، وقاموا بتحريك القوات المصرية لتشتتها.
وفي هذا السياق، تحمل القوات المصرية بقيادة اللواء صادق مسؤولية الدفاع عن هذه المناطق بشكل مستميت.
رغم تفوق الاحتلال في التسليح بفضل الدعم الأمريكي، كانت قوات اللواء صادق غير متسلحة بشكل كاف، ولكنهم تمكنوا من هزيمة قوات الاحتلال بشجاعة وتضحية. عند "التبة 86″، نفذت القوات المصرية والإخوان المسلمون خطة دقيقة أعدها اللواء صادق، مما أدى إلى النجاح في صد هجوم الإسرائيلي وتحقيق الانتصار.
تبرز شجاعة وتصميم اللواء أحمد فؤاد صادق في الدفاع عن غزة، حيث رفض الالتزام بالأوامر وأصرّ على حماية السكان والدفاع عن الأرض. هذا الرفض البطولي قد قاد إلى تحقيق نجاحات في صد الهجمات الإسرائيلية وبقاء قطاع غزة على شكله الجغرافي الحالي.