إذا كنت قد وقعت في نمط مشاهدة الأخبار يومياً في الفترة الأخيرة، فقد تعرضت على الأرجح لمقاطع الفيديو القاسية والصور الدموية يغلب عليها المشاهد المأساوية الصادمة. وبالرغم من ظن البعض أن المشاهدة لا يمكنها أن تؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية والعقلية، إلا أن المحتوى الذي نستهلكه يومياً يؤثر بشكل جذري على تفكيرنا وسلوكنا وعواطفنا.
قد تتسبب مقاطع الفيديو الصادمة والصور الدموية في حدوث تأثيرات بالغة قد تصل إلى حد تغيير كيمياء الدماغ وحتى المعاناة من حالة فقدان مؤقت في الذاكرة!
المتابعة الإخبارية المتواصلة
في عصر الإعلام الحديث الذي يتسم بالمنافسة الشديدة والمستمرة اليوم، تميل التغطية الإخبارية ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسليط الضوء على الأخبار الأكثر سلبية أو دراماتيكية.
وهذا يؤدي إلى المعاناة النفسية العميقة، فعلى الرغم من عدم وجود اضطراب أو معايير تشخيصية معترف بها رسمياً، فإن العديد من علماء النفس يرون المرضى الذين يعانون من التوتر المرتبط بالأخبار ومشاهدة مقاطع الفيديو القاسية والصور الدموية ويسعون للحصول على إرشادات حول كيفية مساعدتهم.
أثر بالغ على الصحة النفسية والعقلية
كشفت الأبحاث العلمية المتخصصة أن مشاهدة مشاهد الدم، التي تتضمن عادةً محتوى قاسياً وصريحاً يصور العنف والدماء والمشاهد المزعجة، يمكن أن تكون له تأثيرات نفسية وعاطفية مختلفة على الناس.
فيما يلي بعض التأثيرات المحتملة:
- فقدان القدرة على التأثُّر: قد يؤدي التعرض للمحتوى الدموي والعنيف بمرور الوقت إلى عدم التحسس مثل السابق، حيث يصبح الأفراد أقل تأثراً أو استجابة للعنف. وهذا يمكن أن يؤدي إلى تراجع استجابة الشخص العاطفية لمواقف الحياة الواقعية التي تنطوي على العنف والأحداث القاسية.
- زيادة القلق والخوف: بالنسبة لبعض الأفراد، يمكن أن تؤدي مشاهدة الدماء إلى زيادة القلق أو الخوف أو حتى تتسبب في معاناتهم من الكوابيس. ويمكن أن تؤدي الطبيعة المزعجة لمثل هذا المحتوى إلى استجابات عاطفية قوية وفرط القلق العام عند الشخص بمرور الوقت.
- قد تسبب الصدمات واضطراب ما بعد الصدمة: قد يكون الأشخاص الذين عانوا من الصدمات في الماضي أكثر عرضة للتأثر بالمحتوى الدموي والمشاهد القاسية، مما قد يؤدي إلى تفاقم أعراض اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) لديهم، أو التسبب في استرجاع واجترار ذكريات الماضي المؤلمة.
- السلوك العدواني: تشير بعض الدراسات إلى وجود صلة محتملة بين التعرض للمحتوى العنيف، بما في ذلك مقاطع الفيديو الغنية بالدماء، وبين زيادة الأفكار والسلوكيات العدوانية.
- التأثير على مستوى التعاطف عند الشخص: قد يساهم التعرض المفرط للمحتوى العنيف والدموي في انخفاض الشعور بالتعاطف والرحمة تجاه الآخرين، حيث قد يصبح المشاهدون غير حساسين تجاه معاناة الأفراد الذين تم تصويرهم في هذا المحتوى ويفقدون قدرتهم على التفاعل معهم مع التكرار والاستمرار في استهلاك هذا النوع من المحتوى.
- المعاناة من الكوابيس واضطرابات النوم: الصور الدموية ومقاطع الفيديو القاسية والمزعجة يمكن أن تعطل أنماط النوم وتساهم في المعاناة من الكوابيس؛ مما يؤدي إلى اضطرابات النوم التي بدورها تسبب تأثيرات سلبية على الصحة العامة.
- العمى وفقدان الذاكرة المؤقت: وجد علماء النفس في جامعة فاندربيلت الأمريكية في دراسة أجروها على تأثير مشاهدة مقاطع الفيديو الدموية قبل بضع سنوات أن الدماء تسبب "عمى" مؤقتاً في اللحظات التي تلي المشهد، وقد أصدر باحثون في جامعة سنترال فلوريدا وجامعة إنديانا أيضاً دراسة تظهر أن تلك المشاهد يمكنها أن تمحو ذاكرتنا عما حدث قبل ظهور مشاهد الدماء الأولى.
المسؤولية الفردية عند مشاركة الصور الدموية
في حين أن مشاركة مقاطع الفيديو المتعلقة بالأحداث القاسية يمكن أن تساهم في الشعور بالهوية الجماعية والتضامن مع الأشخاص المستضعفين الذين يقع عليهم الظلم، فإن تكرار هذا السلوك يمكن أن يسبب صدمة نفسية وألماً مستمراً.
وبدون الشفاء أو التعبير، يمكن لهذا الحزن الناجم عن المشاهدة المفرطة للصور الدموية والفيديوهات القاسية أن يخلق أنماطاً مستمرة "تجعل الناس يؤذون أنفسهم ويؤذون بعضهم البعض"، بحسب خبراء الصحة النفسية المتخصصين.
لذا قبل تشغيل أو الضغط على زر "مشاركة" لمقطع فيديو دموي، من المهم أن يراجع الناس نواياهم لنشر هذا المحتوى. كما من المهم أيضاً تضمين تحذيرات وتوضيح سياق المحتوى، مع إدراك أن كل مشاهد يعاني من الألم بشكل مختلف.
وفي النهاية الأمر متروك لتقدير المشاهد.
ضرورة وضع حدود صحية لتلك العادات
وختاماً، من المهم للأفراد، وخاصة الشباب، أن ينتبهوا للمحتوى الذي يستهلكونه وتأثير مشاهدة الصور الدموية المحتمل على سلامتهم النفسية وصحتهم العقلية. إذ يجب على الآباء والأوصياء والمعلمين أن يكونوا على دراية بالمحتوى الإعلامي الذي يتعرض له الأطفال والمراهقون وأن يقدموا التوجيه بشأن اتخاذ خيارات مسؤولة.
وإذا وجد شخص ما أن مشاهدة المحتوى الدموي أو العنيف تؤثر سلباً على صحته العقلية أو حياته اليومية، فمن المستحسن طلب الدعم من متخصصي الصحة العقلية والمعالجين النفسيين المعتمدين.