يُعتبر عبد الرحمن الزغل أصغر أسيرٍ فلسطيني أُفرج عنه ضمن الدفعة الثالثة من صفقة تبادل الأسرى، التي جرت بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خلال الهدنة الإنسانية التي استمرت 7 أيام في غزة، قبل أن تعود وتستأنف إسرائيل حربها ضدّ القطاع.
وكان الزغل (14 عاماً) الطفل الوحيد الذي يمكث في الحبس المنزلي، من بين 69 طفلاً مقدسياً أسيراً شملتهم الصفقة، بعدما خضع لعمليةٍ جراحية في مستشفى "هداسا عين كارم" إثر إصابته بجروحٍ خطرة في رأسه يوم 19 أغسطس/آب 2023.
وما يُعرف بـ"الحبس المنزلي" يتمثل في إجبار الأسير على المكوث في منزلٍ تختاره سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمدة قد تكون غير محددة، وتمنعه خلالها من الخروج إلا في حالاتٍ استثنائية أو أوقات معيّنة، ويتم اختيار أحد أفراد عائلة الأسير لضمان عدم خروجه، مع تقييد كاحله بسوارٍ إلكتروني يرصد تحركاته.
"أطلقوا عليّ 30 رصاصة وأسروني في المنزل بساعةٍ إلكترونية في القدم"؛ بهذه الكلمات رَوى عبد الرحمن الزغل تجربته في الأسر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد الإفراج عنه يوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
فمن هو عبد الرحمن الزغل؟ ولماذا أُسر؟
وُلد الزغل في 15 مايو/أيار 2009، وقد خسر والده قبل 4 سنوات فقط، ويعيش مع والدته في حارة مراغة ببلدة سلوان – جنوب المسجد الأقصى.
مساء 19 أغسطس/آب 2023، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي النار عليه خلال ذهابه لشراء الخبز ليلاً، فأصابته برصاصاتٍ عدة في رأسه نُقل على أثرها إلى مستشفى "هداسا عين كارم"، داخل قسم العناية المركزة.
كانت حالة عبد الرحمن الزغل حرجة، فقد أدّت الرصاصات التي أصابت رأسه إلى تهشّم جمجمته وتضرر عينه اليسرى، إضافةً إلى إصابته بشظايا في منطقة الحوض. وعلى مدى أيام، عاشت الأم حالة من القلق الشديد على حياة ابنها بعدما مُنعت من رؤيته وشاع خبر استشهاده.
فقد نُقل عبد الرحمن إلى المستشفى وعولج وهو مقيَّد اليدين والقدمين، فقد كانت غرفته تخضع لحراسةٍ شديدة من قوات الاحتلال، التي منعت والدته من زيارته.
أصيب الفتى برصاصة في منتصف جبينه، لكنها اخترقت رأسه وخرجت من الجهة اليسرى فوق العين، ما أدّى إلى إصابته بكسورٍ في الجمجمة واستدعى إبقاءه تحت تأثير التخدير وإيصاله بأجهزة التنفس في غرفة العناية.
لاحقاً، بعدما أخبرها الأطباء أن ابنها نجا بأعجوبة لكنه يحتاج إلى متابعة طبية دقيقة وعمليات إضافية، سُمح للأم بالاقتراب من طفلها في أوقاتٍ محددة ونادرة، لكنها رفضت أن تغادر المستشفى، فكانت تختلس النظر إليه عبر نافذة الغرفة.
خضع عبد الرحمن الزغل في البداية لعمليةٍ جراحية معقدة استمرت نحو 5 ساعات، أُدخل من بعدها إلى غرفة العناية المركزة لأنها تسببت بإزالة جزءٍ من جمجمته، وطُلب من والدته أن تستعد لكل الاحتمالات.
عاشت الأم لحظاتٍ من الرعب لم تحتملها عشية تلك الليلة، خصوصاً أنها -وحين دخلت إليه في غرفة العناية المركزة التي كان الاحتلال يحاصرها- رأت رأسه منتفخاً، فأُصيبت بجلطة دماغية فَقدت على أثرها الوعي ونُقلت إلى الطوارئ، كما تروي في حديثٍ لها إلى "الجزيرة".
وتقول الأم: "كنتُ كلما أحاول رؤيته، يسخر مني عناصر شرطة الاحتلال. في إحدى المرات، أمسك أحدهم القيود في يدي وقدميْ ابني، وبدأ يهزها مستهزئاً"؛ كما تشير إلى أنهم منعوا الممرضة من إطعامه، وأنها لم تتمكن من زيارته إلا بعد 3 أيام من نقله إلى غرفته".
بقي عبد الرحمن الزغل مقيّداً خلال كل الفترة التي أمضاها في المستشفى، وتعمّدت عناصر الاحتلال أن تُبعد عنه حتى عمال النظافة منعاً من تواصله مع العالم الخارجي.
بعد أسبوعين، نُقل من المستشفى إلى سجن مستشفى الرملة حيث اعتُقل بتهمة إلقاء زجاجاتٍ حارقة على قوات الاحتلال. ولأن حالته كانت تحتاج إلى رعاية خاصة، لم يلقها طبعاً وهو في الأسر، فالتهب جرحه.
في حديثٍ إلى "مركز معلومات وادي حلوة" (Silwan)، نفى خال عبد الرحمن ما ورد في بيان شرطة الاحتلال عن اعتقال ابن أخته، مؤكداً أنه لم يكن يحمل زجاجة حارقة ولم يلقها باتجاههم، مضيفاً: "كان بيده 10 شواكل، ومتوجهاً لشراء الخبز. فأولاد أختي هم سند والدتهم بعد وفاة والدهم".
بقيَ في سجن مستشفى الرملة 12 يوماً، ولم يُسمح بإعطائه إلا المسكنات، وقد أُفرج عنه في 14 سبتمبر/أيلول 2023 بشرط الحبس المنزلي المفتوح في قرية بيت نقوبا غربي القدس، والإبعاد عن منزله في الحارة الوسطى ببلدة سلوان.
طوال فترة الحبس المنزلي، بقي عبد الرحمن داخل المنزل، ومُنع بطبيعة الحال من الذهاب إلى المدرسة، ولم يُسمح بزيارته إلا للأم التي عاشت معه لأنها الكفيل الوحيد له، فاضطرت أن تترك عملها -وهو مصدر رزقها الوحيد- للاعتناء بعبد الرحمن والحرص على عدم خروجه من البيت.
وقد استمرت على هذه الحال، حتى مساء 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حين فكّت شرطة الاحتلال السوار الإلكتروني من قدم عبد الرحمن الزغل، وأُفرج عنه ضمن صفقة تبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل.
أمام عبد الرحمن اليوم سلسلة من العمليات الجراحية، ويحتاج إلى متابعة طبية دورية أيضاً، من أجل استعادة النظر في عينه اليسرى، وترميم جمجمته التي تشوهت بسبب الرصاصة التي اخترقتها.
في حديثٍ مع "الشرق"، يقول عبد الرحمن الزغل إنه نجا من الموت 4 مرات سابقاً، ويؤكد: "لا أتذكر شيئاً مما حصل معي".
ثم يتابع الحديث عن شكل جمجمته الجديد، قائلاً: "كنت أقرف من حالي لما أشوف حالي"، ويشير إلى رأسه، موضحاً: "رأسي اليوم يُعتبر عادياً، لكني كنتُ أستطيع أن أرى القطب بداخله، ولم يكن بالشكل الذي ترونه الآن".