في أرجاء فلسطين توجد العديد من البلدات والقرى التي قاومت الاحتلال الإسرائيلي، من بينها بلدة دير إستيا "Deir Istiya" التي تروي أزقتها حكايات تعود لأكثر من ألفَي سنة من عبق التاريخ، ما جعلها مقصداً ووجهة للسياح المحليين والأجانب.
دير إستيا.. بلدة فلسطينية تقاوم الاستعمار
تقع بلدة دير إستيا على بُعد 9 كيلومترات من مدينة سلفيت، حيث تُعتبر واحدة من الوجهات السياحية المميزة في فلسطين. تتميز البلدة بأجوائها المعتدلة وخيراتها الطبيعية، إضافةً إلى جمال حقولها الوفيرة طوال العام، ما جعلها تحتل مكانة مرموقة على خارطة السياحة الفلسطينية وتنافس بفخر في قائمة العشر بلدات الأجمل.
بالإضافة إلى جاذبيتها الطبيعية، تحتفظ بلدة دير إستيا بتاريخ غنيّ يمتد إلى العصرين الروماني والمملوكي. يتوسط البلدة نحو عشرين مبنى تاريخياً، من بيوت وقصور وقلاع وخانات، وقد شهدت المنطقة جهوداً جادة في إعادة إعمارها وترميمها بأسلوب يحترم الطابع الأثري، حيث يصعب وصف وتقدير جمال فن العمارة فيها.
تُعد قرية دير إستيا واحدة من القرى ذات التاريخ الغنيّ في فلسطين، حيث تُسمى باسم الضريح القريب لإستيا، الذي يُعتبر وفقاً للباحث الإثنوغرافي توفيق كنعان والمؤرخ موشيه شارون، بالاسم العربي للنبي إشعيا.
في فترة العصر الحديدي الثاني، تم العثور على قشور الفخار والعديد من الآثار التاريخية التي تعود إلى العصور الصليبية والأيوبية والمملوكية في دير إستيا. وفي جزء بشمال غرب القرية، تم اكتشاف حوض استحمام طقوسي يعود إلى فترة الهيكل الثاني، ولكن لم يُعرف بوضوح ما إذا كان السامريون أم اليهود كانوا يستخدمونه.
في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، خلال فترة الصليبيين، كانت دير إستيا مأهولة بالمسلمين، في عام 1394، فُرض على دير إستيا توريد العدس وزيت الزيتون والدقيق كوقف ديني للمسجد الإبراهيمي في الخليل بأمر من السلطان المملوكي برقوق. ومنذ تلك الفترة، أصبحت دير إستيا مركزاً للزراعة المستندة إلى الزيتون.
دير إستيا بين العهد العثماني والانتداب البريطاني
في العهد العثماني، كانت القرية جزءاً من سنجق نابلس ابتداءً من أوائل القرن السادس عشر. وفي القرن التاسع عشر، شكلت القرية جزءاً من المنطقة الجبلية المعروفة باسم "جورات عمرة" أو "بلاد جماعين".
ووفقاً للمؤرخ روي ماروم، كانت هذه المنطقة تعتبر منطقة وسيطة بين الوحدات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لمناطق القدس ونابلس.
أما على الصعيدين السياسي والاقتصادي، عانت بلدة دير إستيا من عدم الاستقرار بسبب هجرة القبائل البدوية والمنافسة المستمرة بين العشائر المحلية من أجل حق تحصيل الضرائب نيابةً عن السلطات العثمانية.
أثناء الحقبة البريطانية، استولت بريطانيا على فلسطين من العثمانيين في عام 1917، وفي عام 1921، تم ضرب أحد السكان حتى الموت علنياً في دير إستيا بتهمة حيازته أسلحة.
عينت بريطانيا قيادة القرية لفرع واحد من عائلة أبو حجلة، ما أدى إلى التنافس مع الفرع الآخر. أسس البريطانيون مدرسة في القرية في عام 1923، وكان ذلك إقامة المدرسة هو ما جعل من دير إستيا واحدة من القرى الرئيسية في وسط وغرب الضفة الغربية.
في إحصاء فلسطين لعام 1922، كانت دير إستيا تضم 674 نسمة، كلهم مسلمون، ارتفع عددهم إلى 886 خلال إحصاء سنة 1931، أما سنة 1945، فسُجل تعداد سكاني بلغ 1,190 نسمة من المسلمين بينما كانت المساحة الإجمالية للأرض أزيد من 34 ألف دونم، وفقاً للدراسة الرسمية للأرض والسكان. من بين هذا، كانت 6,373 دونماً مخصصة للمزارع والأراضي القابلة للري، و4,896 دونماً للحبوب، بينما تم تصنيف 65 دونماً كمناطق مبنية.
الاحتلال الإسرائيلي لدير إستيا
بعد حرب 1948 بين العرب وإسرائيل، ضمت القرية إلى المملكة الأردنية، ومن عام 1950 إلى 1960، أصبح حزب الشيوعي الفلسطيني بارزاً في القرية، مما أكسبها اللقب المحلي "بيرلين الصغرى".
في مرحلة ما بعد عام 1967، استهدفت القوات الإسرائيلية القرية خلال حرب الستة أيام. تم تجميع معظم السكان، مع النساء في المسجد والرجال في المدرسة، وأُمِرَ رئيس البلدية جمال أبو حجلة بتنفيذ أوامر إسرائيلية في القرية. منذ حرب 1967، وتحت الاحتلال الإسرائيلي، تمت إدارة دير إستيا.
على مدى الجزء الأول من الاحتلال الإسرائيلي، من 1967 إلى 1990، هاجر نصف السكان تقريباً من السكان إلى الكويت أو دول الخليج الأخرى. في سبعينيات القرن الماضي، زادت المقاومة المحلية في شكل الصمود في القرية، بما في ذلك رفع الأعلام الفلسطينية وكتابة الجدران، وإغلاق الطرق. نتيجة لذلك، تم اعتقال حوالي 50 رجلاً في عام 1974، وقد قضوا فترات زمنية تتراوح بين ستة أشهر وثلاث سنوات في السجن.
بعد اتفاقيات عام 1995، تم تصنيف 17% من أراضي القرية كأراضي المنطقة "ب"، في حين أن الـ 83% المتبقية تعتبر أراضي المنطقة "ج". قد امتلكت إسرائيل أراضي من دير إستيا لإنشاء عدة مستوطنات إسرائيلية.
سلَّطت سلطة الطبيعة والحدائق الإسرائيلية نفوذها في وادي قانا، محتلة الأراضي الزراعية الفلسطينية الخاصة التي كانت تعمل قبل أن تعلن السلطات الإسرائيلية أنها حديقة.
وفي عام 2012، أمرت الإدارة المدنية الإسرائيلية بأن يقوم سكان القرية المحليون بقلع أكثر من ألف شجرة زيتون من المنطقة.
يعتبر واد قانا واحداً من أشهر الوديان دائمة الجريان في فلسطين، وتوجد به مزارع وبيارات كثيرة تتم زراعة الحمضيات والفواكه فيها، ويعد من المواقع الهامة التي حاول الكيان الإسرائيلي السيطرة عليه وإخضاعه لسيطرته كونه يعد منطقة زراعية مهمة.
عند فشل الاحتلال الإسرائيلي في ذلك قام المستوطنون اليهود الذين يسكنون إلى جوار الوادي بفتح شبكات الصرف الصحي إليه وبالتالي التسبب في مشكلة كبيرة في المكان.
على الرغم من ممارسات الاحتلالن فإن الوادي يعتبر مكاناً سياحياً يقصده الفلسطينيون من شتى أرجاء الضفة الغربية للاستمتاع بكل ما فيه من جماليات الطبيعة.