يعكس التطريز الفلسطيني، الذي يدخل في خانة الفنون الشعبية، ثقافة وهوية وتاريخ الشعب الفلسطيني، ويشكل صورة من صور تعاقب الحضارات المختلفة على البلاد، قبل الاحتلال.
إذ يتم تطريز أنواع مختلفة من الأقمشة، سواء كانت ألبسة أو مفروشات يدوية من طرف النساء الفلسطينيات بأشكال وزخارف مختلفة ومتنوعة، لكل واحدة منها دلالة ورمز، حسب المنطقة، والحالة الاجتماعية.
إلا أن التطريز الفلسطيني لم يبقَ مجرد تراث فني أو جمالي، بل تحوّل إلى رمز للنضال والمقاومة ضد الظلم والاستعمار بعد النكبة، عندما هُجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين من أراضيهم.
فقد بقي التطريز نوعاً من أنواع التعبير عن الهوية الفلسطينية حتى بعد الاحتلال، وتم نقله للأجيال الجديدة، للتعبير عن تاريخهم، وتعزيز روح الانتماء للأرض التي ما زالت تُقام الحروب والثورات من أجل استرجاعها.
إلا أنه تطور بعد الانتفاضة الأولى، فظهرت رسومات جديدة ترمز إلى الثورة والتحرير، مثل الخريطة والعلم والمفتاح والزيتونة والكوفية.
فن التطريز.. هوية فلسطينية
تطور فن التطريز الفلسطيني مع مرور الزمن، حسب الحضارات التي تعاقبت على المنطقة، من بينها الكنعانية واليبوسية والعمورية وغيرها، وقد كان يعتبر واحداً من بين الحرف التي توفر مورد رزق لكثير من النساء الفلسطينيات، اللواتي كنّ يخترنه، كونه يمثل المهنة التي تتلاءم مع البيئة الاجتماعية المحافظة.
وكانت المرأة الفلسطينية الريفية أكثر من يتقن فن التطريز، وتستخدمه في تزيين ملابسها، وأدواتها المنزلية، ومفروشاتها ذات القيمة العالية.
وهذا ما يفسر وجود التطريز الفلسطيني في كل المنازل منذ القدم، إذ كان يتم التفريق بين نساء كل منطقة من خلال الرسومات والألوان والتشكيلات الزخرفية المستوحاة منها.
كما أن هذه الرسومات والزخارف كانت تختلف حسب الحالة الاجتماعية، في حال تم تطريزها على الملابس النسائية، إذ إن الثوب الذي ترتديه العزباء يكون مختلفاً عن ذلك الذي ترتديه المقبلة على الزواج، أو المتزوجة على سبيل المثال.
تطور التطريز الفلسطيني على مر الزمن
بدءاً من القرن الـ19 وصولاً إلى الربع الأول من القرن الـ20، كانت الأنماط والرسومات التطريزية هندسية الشكل في المقام الأول.
من بين هذه الرسومات، كانت غرزة الفلاحة، ورسمة النخلة، وخيمة الباشا، والوسادة، والمقص، والحجب، والأقواس، ولكل واحدة ترمز لمنطقة معينة في فلسطين.
أما في الثلاثينيات من القرن الماضي، فقد ظهرت مؤثرات جديدة، غيّرت في خصوصية التطريز التقليدي، فدخلت خيوط التطريز المصنّعة في أوروبا، والكتيبات الخاصة بالتطريز الغربي إلى الأسواق الفلسطينية، وانتشرت الرسومات الغربية مثل الأزهار والطيور والحيوانات في أثواب النساء التقليدية.
وقد كانت هذه التطريزات يتم توارثها من جيل لآخر، فالمرأة تتعلم هذه الرسومات من أمها وجدتها، وتنقلها إلى أثوابها للتعبير عن أصولها.
رمز للبقاء.. دمج التطريزات الفلسطينية في ثوب واحد
كانت بداية تناقل الرسومات والتطريزات التقليدية في الملابس النسائية تظهر بعد بداية التزاوج بين أبناء أنحاء فلسطين المختلفة، وتطور وسائل النقل، والتنقل والتزاور بين الناس.
إذ كان يتم من خلال كل هذه العوامل تبادل الرسومات والزخارف التطريزية بين المناطق المختلفة، الشيء الذي أعطى شكلاً مختلفاً وجديداً لكل هذه التطريزات.
إلا أن النكبة سنة 1948، وتهجير العائلات من منازلها، كان سبباً آخر في دمج هذه الرسومات بشكل أكبر، وبطريقة مختلفة، لتصبح لغة تعبيرية عن الهوية الفلسطينية الحقيقية، بعد أن بدأت النساء اليهوديات بارتداء الزي الفلسطيني القديم، الذي وجدنه في خزانات ملابس النساء اللواتي تعرّضن للتهجير.
فقد تم تشكيل تطريزات جديدة دامجة لكل الجهات والمناطق الفلسطينية، خصوصاً تلك التي تم احتلالها من طرف اليهود، فكانت بذلك طريقة للاتصال بالتاريخ والهوية والثقافة والأرض.
إذ كان يمكن من خلال هذه الطريقة التعرف على النساء الفلسطينيات، وتميزهن عن اليهوديات، اللواتي كن يرتدين الأثواب ذات التطريز القديم، والذي يكشف عن منطقة واحدة فقط.
التطريز الفلسطيني ومقاومة الاحتلال
تحول التطريز الفلسطيني، إلى نوع من أنواع المقاومة والنضال ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ تم استعماله من طرف النساء الفلسطينيات من أجل إيصال عدة رسائل مختلفة من خلاله، كما هو حال الكوفية.
إذ إنه خلال فترة الانتفاضة الأولى بين عامي 1987 و1993، شرعت النساء في التعبير عن رأيهن من خلال فن التطريز، خصوصاً في فترة حظر التجول التي كانت مفروضة على الفلسطينيين.
فقمن بدمج العديد من الرموز الجديدة في الملابس التي يتم تطريزها، والتي تعبر عن الانتفاضة، والحرية، والمقاومة، من بينها قبة الصخرة والخط العربي وصور لأشخاص يرشقون الحجارة، ومفتاح القدس، والكوفية.
فيما تظهر الطيور أيضاً بشكل ملحوظ على الملابس التقليدية، والتي ترمز للحرية، جنباً إلى جنب مع رموز النجوم والقمر.
الشيء الذي جعل الملابس المطرزة بالطريقة الفلسطينية، وخصوصاً ذات الرموز الجديدة، يتم تداولها بشكل كبير حتى خارج الأراضي الفلسطينية، ويتم ارتداؤها في مختلف المحافل والمناسبات التي تسلط الضوء على القضية الفلسطينية.