في تحقيقٍ تلفزيوني أثار جدلاً واسعاً حول العالم عام 2014، كشفت مديرة بنك الجلد الإسرائيلي أن احتياطي دولة الاحتلال من "الجلد البشري" وصل إلى 170 متراً مربعاً في ذلك الوقت، وهو رقم هائل نسبةً إلى عدد الإسرائيليين المتبرعين وسنة إنشائه.
وبنك الجلد عموماً هو عبارة عن نظام تخزين عينات من الجلد من متبرعين، يتم استخدامها في عمليات ترقيع أو زراعة الجلد، سواء للتشوهات أو للحروق على اختلاف درجاتها.
التحقيق الذي عرضته القناة العاشرة الإسرائيلية تضمّن اعترافات من مسؤولين رفيعي المستوى حول أخذ أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين والعمال الأفارقة، واستخدامها في علاج الإسرائيليين، مع التأكيد على أن بنك الجلد الإسرائيلي تابع مباشرةً لجيش الاحتلال.
بنك الجلد الإسرائيلي
تعود فكرة إنشاء بنك الجلد الإسرائيلي إلى ما بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، حين قرّرت دولة الاحتلال أنه يجب علاج جنودها الذين يُصابون بحروقٍ خلال المعارك، على جميع الجبهات العربية.
تأخر إنشاء البنك حتى العام 1985، بسبب وجود خلافات إسرائيلية حول أحقية المشروع من الناحية الدينية، لكن مجلس الحاخامات الرئيسي عاد وأعلن مشروعيته.
خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية، لعب بنك الجلد الإسرائيلي دوراً كبيراً في إنقاذ عددٍ كبير من المستوطنين والجنود الذين أُصيبوا بحروقٍ، نتيجة العمليات الاستشهادية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في الجانب الإسرائيلي.
في حديثٍ إلى قناة "العربي"، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية أنس أبو عرقوب إن بنك الجلد الإسرائيلي هو الأكبر في العالم، متفوقاً على بنك الجلد الأمريكي الذي أُنشئ قبله بـ40 سنة، مع الإشارة إلى أن عدد سكان إسرائيل أقل بكثير من سكان الولايات المتحدة الأمريكية.
أبو عرقوب يؤكد أن سرقة أعضاء من جثامين فلسطينية ليست مجرد شكوك، ويقول إنه "حتى الإعلام الإسرائيلي يقرّ بأنها عملية انتزاع من دون معرفة ذوي الشهداء".
احتياطي دولة الاحتلال من الجلد البشري -ويعادل 170 متراً مربعاً- المحفوظ داخل بنك الجلد الإسرائيلي يؤكد على رواية أبو عرقوب، إذا أن الرقم لا يُعتبر منطقياً، نسبةً إلى أن إسرائيل تحتل المرتبة الثالثة في رفض سكانها التبرع بالأعضاء، وهذا مردّه إلى معتقدات دينية يهودية.
فصل آخر من جرائم الاحتلال
في كتابها "على جثثهم الميتة"، كشفت البروفيسورة الإسرائيلية مئيرة فايس النقاب عن سرقة أعضاء من جثامين الشهداء الفلسطينيين من أجل زرعها في أجساد المرضى الإسرائيليين، واستعمالها في كليات الطب العبرية لإجراء الأبحاث عليها.
كما أوردت بعض الحقائق حول التمييز في التعامل بين جثامين الإسرائيليين والفلسطينيين داخل معهد أبو كبير للطب الشرعي، حيث يُمنع استئصال أعضاء من الجثامين الإسرائيلية ويُسمح باستئصالها فقط من الفلسطينيين، بهدف تخزينها والاستفادة منها للمرضى الإسرائيليين.
في المقابلة مع القناة العاشرة الإسرائيلية، تقول فايس: "أجريت مقابلة مع مدير معهد الطب العدلي الذي سبق يهودا هس، وقال إنهم ضغطوا عليه كثيراً ليوافق على أن يكون المعهد مصدراً لبنك الجلد الذي سيتم إنشاؤه، إلا أنه رفض وقال لي إن رفضه كان سببا كافياً لإقالته".
وأضافت فايس، وهي أستاذة في الأنثروبولوجيا: "خلال وجودي في المعهد شاهدتُ كيف كانوا يأخذون أعضاء من جسد فلسطيني، ولا يأخذون من الجنود. كانوا يأخذون قرنيات، وجلداً، وصمامات قلبية".
تؤكد مئيرة فايس أن معهد الطب العدلي الإسرائيلي -الذي عملت فيه سابقاً- يزود بنك الجلد الإسرائيلي بأعضاء بشرية، مشيرةً إلى أنه في فترات محددة تم أخذ أعضاء من الفلسطينيين، ثم المهاجرين الجدد، والعمال الأجانب.
في الإطار نفسه، تقول فايس إنه لا يمكن للناس غير المهنيين أن ينتبهوا إلى نقص هذه الأعضاء من الجسم، لأنهم كانوا يضعون مكان القرنيات شيئاً بلاستيكياً، وفي معظم الحالات كانوا يأخذون الجلد من الظهر، اعتقاداً منهم بأن العائلة لن تكتشف ذلك.
وقد أشارت فايس إلى أن فترة الانتفاضة الأولى في العام 1987 شهدت أكبر عمليات سرقة الأعضاء، مع زيادة عدد جثامين الفلسطينيين، لافتةً إلى أن العاملين في المعهد تلقوا أمراً عسكرياً بتنفيذ السرقات التي جرت من دون علم ذوي الشهداء طبعاً.
من جهته، اعترف الرئيس السابق لمختبر الطب الشرعي الإسرائيلي يهودا هيس أن إسرائيل أقدمت على نزع أعضاء من جثامين فلسطينيين في التسعينيات من دون الحصول على إذنٍ من أفراد أسرتهم. وتعترف إسرائيل بحدوث هذه الممارسة، لكنها تؤكد أنها انتهت منذ سنوات.
ووفقاً لتقريرٍ نُشر في موقع CNN الأمريكي عام 2009، فقد ظهر يهودا هيس في مقابلةٍ تلفزيونية على القناة الثانية الإسرائيلية عام 2000، وقال إن كل ما تمّ فعله في التسعينيات "كان غير رسمي إلى حدٍّ كبير".
احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين
جاء كتاب الطبيبة مئيرة فايس حول سرقة أعضاء الفلسطينيين ليؤكد إفادات أهالي الشهداء وصحة شكوكهم، حين كانوا يشتكون من سرقة أعضاء من جثامين أبنائهم، بعيد تسلمها من الجانب الإسرائيلي.
بدأت تلك الشكوك تراود الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى، مما حدا بهم إلى تعمّد خطف جثامين الشهداء من المستشفيات ودفنها قبل وصول جنود جيش الاحتلال، خوفاً من نقل الجثامين إلى المستشفيات الإسرائيلية وسرقة الأعضاء.
ووفقاً لمنسق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، حسين شجاعية، تحتجز إسرائيل نحو 398 جثماناً فلسطينياً؛ 256 جثماناً منها في مقابر الأرقام، و142 في ثلاجاتها، مع الإشارة إلى وجود عددٍ من المفقودين.
ومقابر الأرقام هو اسمٌ رمزي لمجموعة كبيرة من المقابر السرية التي أنشأتها دولة الاحتلال الإسرائيلي، من أجل دفن جثامين الشهداء، الفلسطينيين والعرب. تحمل هذه المقابر أرقاماً وبعض الجثامين تُدفن من دون أن ترفق معها بطاقة تحمل اسم وتاريخ استشهاد صاحبها.
وفي هذا الإطار، عودة إلى أنس أبو عرقوب الذي يؤكد أن إسرائيل -وعلى مدار عقود- حرصت على الاحتفاظ بجثامين شهداء عرب وفلسطينيين، وامتنعت عن تسليمها إلى ذويهم من دون مبرر.
وفي حال سلّمتها، كان جيش الاحتلال يُجبر عائلات الشهداء على دفنهم ليلاً بوجود قوة عسكرية كبيرة، من دون السماح لها بكشف الجثة، فلا تعلم ماذا تدفن. ما يعزز القناعة بأن إسرائيل كانت تستولي على أعضاء من الجسم، بما فيها الجلد وغيره.
في الواقع، لم تشرح السلطات الفلسطينية -سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية- جثمان أي شهيدٍ سلّمته إسرائيل بعد احتجازه، لإثبات أن دولة الاحتلال متورطة بشكلٍ قاطع في سرقة الأعضاء.
وفي هذا الإطار، يوضح شجاعية أن الجثمان بحاجة إلى يومين أو ثلاثة حتى يتم تشريحه، في وقتٍ تفرض فيه إسرائيل دفنه مباشرة بعد التسليم. كما يشير إلى أن تخوف الأهالي من الموافقة على التشريح نابع من اعتقادهم بأنه قد يتم اختطاف الجثمان من المستشفى.
ولفت شجاعية إلى أن إسرائيل تحتجز الجثمان أسابيع قبل تسليمه إلى عائلته، في ثلاجات بدرجة حرارة تتراوح بين 60 و80 درجة مئوية تحت الصفر، حتى يصعب تشريحه ومعرفة ما إذا تمت سرقة أعضاء من جسده.
في القانون الدولي، لا يحق لأي دولة احتجاز جثامين القتلى؛ فالمادة الـ15 من اتفاقية جنيف الرابعة تجرّم احتجاز الجثمان وأخذ أعضاء من الجثامين إلا بعد موافقة أهل القتيل، سواء في المعارك أو داخل السجون، وتشدد على عدم استخدام أعضائه حتى لو بدافع إنساني.
كما تحدثت معاهدات لاهاي عن عدم جواز احتجاز الجثامين والكشف عن أماكن احتجازها، إلا أن "الكابينيت" (المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر) أصدر عام 2020 قراراً يقضي باحتجاز جثمان كل فلسطيني بصرف النظر عن انتمائه السياسي، لاستخدامه ورقة مساومة في أي عملية تبادل مع الفصائل في غزة.