عند الحديث عن تاريخ المقاومة الفلسطينية، والحركات المختلفة التي تمَّت على فترات زمنية مختلفة من أجل التعبير عن الحرية، وصد الاحتلال، لاستعادة الأرض من جديدة، يمكن الإشارة إلى أبرز الرموز التي ظهرت، وأصبحت تعبِّر بشكل واضح عن النضال المستمر، والتضامن الدائم بين الفلسطينيين.
وغالباً ما يكون العلم الفلسطيني، وخريطة الدولة الفلسطينية، أول ما يتبادر إلى أذهاننا فيما يتعلق برموز النضال والمقاومة، إلا أن هناك رموزاً أخرى، والتي أصبحت ذات معنى كبير لكل فلسطيني وعربي، ولها دور في تعزيز الانتماء والتضامن فيما يخص هذه القضية.
نستعرض لكم في هذه المادة أبرز رموز المقاومة والنضال الفلسطينية، ودورها الكبير في مختلف المجالات، والأحداث التي شهدتها فلسطين منذ النكبة إلى غاية الآن.
الكوفية.. الشال الفلسطيني
يُعتبر الشال الفلسطيني "الكوفية" واحداً من بين الرموز غير الرسمية لدولة فلسطين وذلك منذ عقود، وهو عبارة عن قطعة من القماش يبلغ طولها متراً مربعاً، كان يرتديها الرجال الريفيون والبدو الفلسطينيون قديماً، لحماية رؤوسهم ورقابهم من الشمس في الصيف، والبرد في الشتاء.
فقد كانت تغطية الرأس مبدأ مهماً في الثقافة الفلسطينية التقليدية قديماً، وكانت الكوفية توفر تهوية جيدة للعمال والفلاحين، من خلال طيات القماش، لذلك كانت شائعة بشكل كبير بينهم.
وقد جاءت تسمية الشال الفلسطيني بـ"الكوفية" إشارة إلى مدينة الكوفة العراقية التي تقع جنوب بغداد على طول نهر الفرات، إذ ظهرت، حسب بعض الروايات، في القرن السابع، أثناء معركة بين القوات العربية والفارسية بالقرب من هذه المدينة.
إذ قيل إن العرب استخدموا الحبال المصنوعة من وبر الإبل لتأمين أغطية رؤوسهم والتعرف على رفاقهم في خضم المعركة، ليقوم العرب بالاحتفاظ بغطاء الرأس ذلك تذكيراً لهم بانتصارهم، وهي التي سُميت الكوفية بعد ذلك.
بدأ استعمال الكوفية للمقاومة، بعد خسارة الدولة العثمانية سيطرتها على أراضي الشرق الأدنى خلال الحرب العالمية الأولى، والثورة العربية ضد الحكم الاستعماري البريطاني عام 1936.
إذ كان الفلسطينيون يستخدمون الكوفية وسيلة لتغطية وجوههم لإخفاء هويتهم وتجنب الاعتقال من طرف السلطات البريطانية، لتصبح بعد ذلك رمزاً واضحاً للتضامن، فيما تحولت إلى رمز للنضال والمقاومة بعد النكبة سنة 1947.
وقد تم تكريس ظهور الكوفية رمزاً للمقاومة، بعد الظهور الدائم للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، خلال الستينيات من القرن العشرين، وهو يرتديها على رأسه، ويدلي الطرف الأطول على كتفه اليمنى، إذ كان يتم تفسير هذه الحركة على أنها تشبيه لخريطة فلسطين قبل الاحتلال الإسرائيلي.
أما عن دلالات شكل الكوفية، فإن هناك مجموعة من التفسيرات، وهي تشبيه لشبكة السيد، أو خلية النحل، أو ضم الأيدي، أو علامات التراب والعرق الممسوحين من جبين العامل، فيما يقول آخرون إن التصميم يمثل سنابل القمح، في إشارة إلى أريحا، إحدى أولى المدن المعروفة بزراعة الحبوب.
إذ إن تلك التطريزات عبارة عن لغة تحكي قصة وواقعاً بالنسبة للشخص الفلسطيني، ومعنى للحياة، وتاريخ طويل من الصراع من أجل الحرية، والاستقلال بأرض الأجداد.
غصن الزيتون.. رمز الصمود الفلسطيني
يعتبر غصن الزيتون رمزاً آخر من رموز النضال والمقاومة والحرية والصمود، الذي رافق الشعب الفلسطيني منذ عدة عقود، خصوصاً بعد سنة 1974، بعد أن استعمل هذا التعبير الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في خطابه التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وقد استخدم ياسر عرفات غصن الزيتون في خطابه الأول أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان ممثلاً شرعياً للشعب الفلسطيني في هذا المنبر الدولي من أجل تحديد مصيرهم في تقرير دولة مستقلة، تعبيراً منه عن استعداده للتفاوض منه من أجل إيجاد حل سياسي عادل للقضية الفلسطينية، شريطة أن تكون جميع حقوق الشعب الفلسطيني محفوظة ومعترفاً بها.
وقال الرئيس الفلسطيني الراحل في الخطاب، الذي ما زال محفوراً في ذاكرة الكثيرين من الفلسطينيين، ومناصري القضية الفلسطينية، إنه يحمل بندقية في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى، وإنه لا يسمح لأحد بإسقاط الغصن من يده، تعبيراً على أنه رمز للسلام والصمود والمقاومة الدائمة والمستمرة إلى بعد حين.
ومنذ زمن بعيد، كان يعتبر غصن الزيتون رمزاً صريحاً للإعلان عن السلام والمحبة والرحمة في الثقافات والديانات المختلفة.
أما بالنسبة للشعب الفلسطيني، فقد ارتبط تاريخه واقتصاده بشكل كبير بشجرة الزيتون، فهي تعود إلى آلاف السنين، وتشكل مصدر رزق لآلاف المزارعين، وهي أبرز ما يشهد على أحقية أهل الأرض بالأرض، ومعاناتهم الطويلة بسبب الاحتلال.
إذ إن شجرة الزيتون الفلسطينية، كالفلسطينيين، لم تسلم من اضطهاد دولة الاحتلال، الذين قاموا بقطعها وحرقها، مصادرتها، رغبة منهم في محو الهوية الفلسطينية وقطع جذورها.
وقد تم استعمال غصن الزيتون في الكثير من المحافل، والمناسبات، والأغاني الداعمة للقضية الفلسطينية، تعبيراً عن الرغبة في السلام، والنضال الدائم والتحدي والمقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، الذي لم يستجب لغصن الزيتون الذي حمله ياسر عرفات سنة 1974، واستمر في شن حروبه المستمرة إلى غاية سنة 2023، آخرها في شهر أكتوبر، على قطاع غزة.
حنظلة.. ناجي العلي الطفل رمز النضال
طفل صغير، في العاشرة من عمره، يرتدي ملابس مهترئة، يضع يديه وراء ظهره، ويتجول حافي القدمين في عالم مليء بالظلم والصراعات، إنه الرسم الكاريكاتيري لحنظلة، الرمز الشهير الآخر للقضية الفلسطينية، الذي ظهر للعالم لأول مرة سنة 1969 في جريدة السياسة الكويتية.
قام برسم الطفل حنظلة الرسام الفلسطيني ناجي العلي، الذي اشتهر برسوماته العديدة التي تعبّر عن مقاومة الاحتلال، ورفضه الكامل والقطعي للوضع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، خصوصاً أنه كان من بين ضحايا النكبة، بعد أن غادر مجبراً رفقة عائلته أرضه إلى مخيم عين الحلوة في لبنان وعمره لم يتجاوز 10 سنوات.
فقد استوحى ناجي العلي رسمته الشهيرة، والتي تحولت إلى أحد رموز المقاومة الشهيرة، من قصته الشخصية، وما عاشه مكرهاً في طفولته، رفقة آلاف الأطفال الآخرين، الذين كبروا مضطرين في مخيمات للاجئين، بعد أن كانوا يعيشون حياة طبيعية كما بقية الأطفال.
ومن بين المعاني التي يرمز لها الطفل حنظلة، الذي استوحى ناجي اسمه من الصحابي حنظلة بن أبي عامر، الذي استشهد في غزوة أحد، هي توقف الزمن به في عمره الصغير هذا، منتظراً عودته إلى أرضه فلسطين، مع تعجبه الكبير حول ما يحدث من حوله حول أحداث كبرى، يصعب على عقله الصغير أن يستوعبها.
في عام 1973، أدار حنظلة ظهره للقارئ وعقد يديه خلف ظهره، كرد فعل على حرب أكتوبر ومحاولات التسوية الأمريكية للقضية الفلسطينية.
وقد بقي الطفل حنظلة في هذا الموقف إلى أن توفي ناجي العلي، باستثناء بعض المرات التي ظهر فيها حنظلة مواجهاً للقارئ، أو رامياً حجارة على الاحتلال، أو كاتباً على الجدار، كونه توقيعاً شهيراً لناجي العلي الدائم.
وما زال لغاية يومنا هذا يعتبر الطفل حنظلة رمزاً قوياً وصوتاً صارخاً من أجل الحرية، وضد الاحتلال الإسرائيلي، يتم اعتماده من طرف بعض الفنانين والنشطاء المدافعين عن القضية الفلسطينية.
البطيخ.. المقاومة الإلكترونية
في ظل الدعم الذي يقوم به الكثير من الفنانين، ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي للقضية الفلسطينية، عبر مختلف المنصات، والتضييق الكبير على حرية النشر والتعبير عن الرأي عندما يتعلق الأمر بالمطالبة بحقوق الفلسطينيين في أرضهم التي يتم احتلالها منذ سنة 1947، تم اللجوء إلى حيلة ذكية للتعبير عن الرأي، والتي تحولت إلى رمز جديد للمقاومة في عصر "السوشيال ميديا" وهي البطيخ.
إذ حسب ما نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية سنة 2021، فقد اعتمد الفلسطينيون صورة البطيخ، لتجنب القوانين التي تحظر استخدام العلم الفلسطيني بألوانه، الأحمر والأخضر والأبيض والأسود، في مواقع التواصل الاجتماعي وذلك لأنه يحمل نفس ألوان العلم.
وليس فقط لأن البطيخ يحمل نفس لون العلم الفلسطيني، ولكن لأنه كذلك يعتبر واحدة من بين الفواكه المحلية الفلسطينية التي تزرع بشكل كبير في المدن الفلسطينية، الشيء الذي يجعله مناسباً ليكون رمزاً جديداً للمقاومة، وصوتاً ضد القمع الحاصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وقد تم اختيار البطيخ، سواء من خلال الصور، أو الصور التعبيرية "الإيموجي"، ليكون تمويهاً وتحايلاً على خوارزميات الشبكات الاجتماعية التي تحظر كل شيء أو صوت داعم، خصوصاً داخل حدود الأراضي الفلسطينية.
وقد صرَّح خالد حوراني، الفنان الفلسطيني المقيم في رام الله بالضفة الغربية، والذي ظهرت أعماله ضمن صور البطيخ المتداولة على الإنترنت: "الفن أحياناً يمكنه أن يكون سياسياً أكثر من السياسة نفسها".
لكن قبل بداية الحظر على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن رمزية استعمال البطيخ تعود إلى تكتيكات التنظيمات الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى، في الفترة التي سبقت معاهدات أوسلو عام 1993.