غالباً ما يترافق الإحساس بالجوع مع الغضب والمزاج السيئ، وهذه ليست معلومة جديدة، فالجوع والغضب شعوران متلازمان. وهناك كلمة إنجليزية شهيرة في هذا الإطار، وهي Hangry، المؤلفة من كلمة Angry (غاضب) وHungry (جائع).
يشير مصطلح Hangry إلى فكرة أن الناس يصبحون غاضبين عند رغبتهم بالأكل. لكن في الواقع، فإن القليل جداً من الأبحاث قد حدّدت مدى ارتباط الجوع بالمشاعر السلبية، بشكلٍ مباشر.
ومن هذا المنطلق، تؤثر الحميات الغذائية بشكلٍ كبير على صحتنا النفسية، حتى لو رغبنا في إنقاص وزننا، لأن الجوع والغضب مرتبطان. وقد ثَبت ذلك من خلال دراسةٍ نُشرت عام 2014 ضمن مجلة PLOS One، التي تغطي الأبحاث العلمية والطبية الأولية.
أُجريت الدراسة على 1979 شخصاً يعانون من وزنٍ زائد ويرغبون في فقدانه، وتبيّن أن الأشخاص الذين نجحوا في إنقاص وزنهم كانوا أكثر عرضةً بنسبة 80% للإصابة بأعراض الاكتئاب، مقارنةً بمن عجزوا عن إنقاص وزنهم.
لكن، هل الجوع والغضب متلازمان حقاً؟
يُمكن للجوع أن يعبث بعقولنا بطرقٍ مختلفة، وأولها أنه يجعلنا نشعر بالغضب، حين يمضي وقت طويل منذ تناولنا الوجبة الأخيرة. وقد تمكن فريقٌ من الباحثين البريطانيين من إثبات هذه النظرية، في دراسة نُشرت عام 2022.
جمع الفريق بيانات من 60 شخصاً، تواصلوا معهم بواسطة تطبيقٍ إلكتروني، وسألوهم بمعدّل 5 مرات يومياً عن إحساسهم بالغضب أو السعادة. وبعد تقييم المعلومات التي جُمعت في 21 يوماً، أكدت النتائج ارتباط الجوع بالأحاسيس السلبية.
وفي الواقع، بدأت الأبحاث تكشف أن للجوع تأثيراً سلبياً على كل شيء، بدايةً بمشاعرنا ووصولاً إلى إدراكنا وحكمنا على الأمور، إضافةً إلى طريقة اتخاذنا للقرارات. لكن كيف يمكن أن يؤثر على طريقة تفكيرنا؟
يُعتبر الجوع محركاً للمشاعر السلبية وسوء المزاج؛ هذا ما أثبتته دراسة نُشرت عام 2022 في مجلة Science Direct العلمية، وأجرتها أستاذة علم النفس نينكي يونكر وعدد من زملائها في جامعة "خرونينغن" الهولندية.
شارك في الدراسة 129 امرأة، وقد طلب الباحثون من نصف المشاركات الصيام 14 ساعة متواصلة، ثم سألوهن عن مستوى الجوع وعاداتهن في الأكل ومزاجهن.
فاكتشف الباحثون أن الجائعات أبلغن عن مشاعر أكثر سلبية، مثل: زيادة التوتر، والغضب، والاكتئاب، والإرهاق، والارتباك. كما أبلغن عن انخفاضٍ في مشاعرهن الإيجابية، وأبرزها الحيوية.
ولم يكن تأثير الجوع قليلاً. ففي الواقع، أبلغت النساء الجائعات عن شعورهن بالغضب أكثر من ضعف النساء اللواتي لم يجعن. وهنّ أنفسهن، أي الجائعات، كنّ غاضبات من الجوع حرفياً.
ارتباط الجوع بالمشاعر السلبية
يستطيع المزاج السيئ، الذي تسبّبه حاجتنا للأكل، أن يغيّر من طريقة رؤيتنا للعالم بشكلٍ جذري. وهذه حقيقة مُطلقة.
أجرت كريستن ليندكويست، أستاذة علم النفس والأعصاب في جامعة كارولينا الشمالية "شابيل هيل"، سلسلةً من التجارب في هذا الإطار، بالتعاون مع مجموعة من زملائها. وقد توصلوا إلى أن الجوع يزيد من ميل الناس إلى أن تسيطر عليهم المشاعر السلبية.
ففي ورقة بحثية نُشرت عام 2019، بعنوان "عندما يُنظر إلى الجوع على أنه عاطفة"، عرض الباحثون مجموعةً من الصور المحايدة والإيجابية والسلبية على 218 عاملاً، يشعر بعضهم بالجوع، ثم طلبوا منهم الاعتماد على حدسهم لتحديد ما إذا كانت إحدى الصور إيجابيةً أم سلبية.
وتبيّن أن أولئك الذين شاهدوا صورةً سلبية، من مجموعة الصور الأولى، كانوا أكثر ميلاً إلى اعتبار الرسم الأخير سلبياً، رغم أن الباحثين طلبوا منهم ألا يتركوا الصورة الأولى تؤثر عليهم.
اللافت هنا أن الأشخاص، الذين أعربوا عن إحساسهم بالجوع قبل التجربة، كانوا أكثر ميلاً إلى السقوط في الفخ نفسه. والجوع لا يجعلنا نشعر بالسلبية أو المزاج السيئ فحسب، بل يمكنه أن يجعلنا أيضاً مندفعين.
فقد دعت كريستن 236 شخصاً إلى مختبرها، طالبةً من النصف تقريباً الصيام لـ5 ساعات على الأقل، بينما تناول النصف الآخر الطعام قبل الاختبار مباشرةً. ثم طُلِبَ من المشاركين تأدية مهمة مرهقة تنصّ على تدوير أشكال هندسية على اللابتوب.
عطّلت كريستين اللابتوبات أمام المشاركين بعدما وصلوا إلى نصف الطريق، ما اضطرّهم إلى إعادة المهمة برمتها من البداية. وفي نهاية التدريب المُحبط، حصل المشاركون على فرصةٍ لتقييمها، أي كريستين.
وتبيّن أن الأشخاص، الذين شعروا بالجوع، كانوا أكثر ميلاً إلى تقييم الباحثة (كريستين) على أنها شخصية تُصدر الأحكام على الآخرين.
لماذا نغضب ويسوء مزاجنا عند الجوع؟
بالنسبة لكثير منا، يبدو الأمر كما لو أن معدتنا على وشك أن تأكل نفسها، ويشعر جسمنا بأنه مستنزف. ومع زيادة الرغبة الشديدة في تناول الطعام، فقد ينتهي بنا الأمر بتناول وجبة سريعة غير صحية، بعدما نشعر بانعدام الخيارات الغذائية المثلى أمامنا.
لكن، ما الذي يجعلنا هكذا؟ وماذا يحدث فعلاً عندما نكون في حالة من الجوع؟
1- هرمون الدوبامين
عندما نأكل الطعام، تضيء منطقة الدماغ التي تعالج المتعة والمكافأة، وتفرز الدهون والسكريات الموجودة في الوجبة مواد كيميائية تُعرف باسم المواد الأفيونية، التي ترتبط بالمستقبلات في الدماغ.
يؤدي هذا إلى إطلاق الدوبامين، المعروف بـ"هرمون السعادة"، والذي ينظم السلوك والعاطفة والاندفاع. ولأنّ تناول الطعام مرتبط بالسعادة، فإن عقلك يريدك أن تكرر باستمرارٍ هذا الشعور الممتع.
لكن، وحين نشعر بالجوع، فإن مستويات الدوبامين في الدماغ تنخفض بالفعل؛ ما يفسّر إحساسنا بالمشاعر السلبية، وأبرزها الغضب وسوء المزاج.
2- هرمون الجريلين
عندما تشعر بالجوع، كل شيء يبدأ مع هرمون الجريلين، احفظوا هذا الاسم جيداً. فعندما تفرغ المعدة، تُفرز الجريلين، المعروف بـ"هرمون الجوع"، والذي يحفز الشهية.
يتم إنتاج الجريلين في القناة الهضمية، استجابةً لجدول وجباتك المعتاد، أو بمجرد رؤية الطعام أو شمّه. والجريلين يُرسل لدماغك إشارة بأن جسمك يحتاج إلى مزيد من الطعام، لإفراز الطاقة.
ووفقاً لموقع Zoe، عندما يضرب الجريلين الدماغ، فإنه يحفز المناطق التي تتحكم في عمليات الجسم التلقائية، والتمثيل الغذائي. لذلك، عندما تحرم عقلك هذا الإحساس، فأنتَ حقاً تغضبه.
3- تأثير الجلوكوز
يمكن لانخفاض نسبة السكر في الدم (الجلوكوز) أن يكون له تأثير كبير في قدرة الدماغ على السيطرة العاطفية، ما يؤثر على العواطف التي تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة، مثل ضبط النفس والغضب.
في دراسة نُشرت عام 2015، تبيّن أن الجلوكوز هو المسؤول الأساسي عن ضبط النفس. وكلما كانت مستويات الجلوكوز منخفضة، ازداد شعورنا بالغضب والقلق تجاه الآخرين وأي شيء حولنا.
كما أظهرت الدراسة أنه، مع إعطاء المشاركين وجبة خفيفة تحتوي على السكر، تحسّنت قدرتهم على ضبط النفس بسبب ارتفاع مستويات الجلوكوز وعودتها إلى المستوى الطبيعي.
يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.
إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.