ماذا سيحدث لو ذاب القطب الجنوبي؟ سؤال بات يطرح نفسه، لا سيما مع بدء الانهيار المناخي الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة مؤخراً، والذي أثر على جميع دول العالم، ولكن هل لذوبان تلك الثلوج الواقعة في قارة أنتاركتيكا غير المتصلة مع القارات المأهولة تأثير كبير علينا فعلاً؟
ماذا سيحدث لو ذاب القطب الجنوبي؟
يمتد الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية ليشمل مساحة تقارب 14 مليون ميل مربع (36.3 مليون كيلومتر مربع)، أي ما يعادل مساحة الأراضي اليابسة للولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك معاً.
تراكم هذا الجليد على مدار آلاف السنين، لكن التحول الصناعي أطلق الغازات الدفيئة دفع العلماء للاعتقاد بأنَّ ذوبان كل الجليد في القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) لم يعد احتمالاً بعيداً، بل هو حدث قادم لا محالة، وتداعياته ستكون مذهلة.
ووفقاً لما ذكره موقع Listverse، يعتقد العلماء أنفسهم أنّ الذوبان سيحدث بحلول عام 2060، وبالتالي يجب اتخاذ إجراءات جذرية للحد من الانبعاثات الكربونية العالمية لإيقاف حدوث ذلك، إذا تعذر خفض انبعاثات الكربون، سيشهد العالم ذوباناً كارثياً للجليد على نطاق واسع.
أما العواقب التي تنتظرها البشرية فهي واضحة، وستكون على الشكل الآتي:
1- الجاذبية ستتغير بشكل جذري
من الواضح أنَّ ذوبان الجليد في القارة القطبية الجنوبية سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر، وبالتالي ستكون التأثيرات أكثر تعقيداً من مجرد إضافة هذا الحجم من المياه الذائبة حديثاً إلى المحيطات.
ووفقاً لما ذكره موقع The Conversation الأسترالي، فإنّ العالم سيشهد عدداً من التداعيات الفرعية، من بينها تحول الجاذبية.
هذا التحول سيسمح باتساع بعض مناطق الأرض وارتفاعها، الأمر الذي بدوره سيخفف من تأثير ارتفاع مستوى سطح البحر.
ومع ذلك، سيظل هناك عواقب وخيمة أخرى، إذ لا تزال التأثيرات الدقيقة على مستويات سطح البحر العالمية وحركة الأراضي على المستوى الإقليمي معقدة وغير مفهومة بالكامل، ولذلك يشعر العلماء بالقلق إزاء هذا التغيير الجذري؛ لأنَّه سيكون بمثابة هزة مفاجئة وصادمة للتوازن البيئي الدقيق للأرض.
ساعدت حسابات لاحقة أجراها علماء رياضيات آخرون في تحسين فهمنا للتأثيرات الإقليمية لذوبان الجليد فيما يتعلق بمستويات سطح البحر، ومع ذلك، يبقى المبدأ ثابتاً متمثلاً في أنَّ ذوبان الجليد يسبب تحولاً في الجاذبية من شأنه إحداث تأثير متفاوت في مستويات سطح البحر في أجزاء مختلفة من العالم.
على سبيل المثال، سيؤدي ذوبان الجليد في جزيرة غرينلاند إلى انخفاض مستويات سطح البحر بالقرب من تلك الكتلة الأرضية وارتفاعها جنوباً.
ستزيد هذه التوزيعات غير المتكافئة من صعوبة نقل أعداد كبيرة من السكان بأمان إلى الداخل باتجاه اليابسة بعيداً عن المد والجزر، وهو ما يفاقم حدة التداعيات إلى حد كبير.
2- محور الأرض سيتحول على نحو خطير
لا يدور محور الأرض بانسيابية، بل يتمايل قليلاً بسبب توزيع الكتلة في جميع أنحاء العالم.
تغيّر ميل محور الأرض بحوالي 34 قدماً (10.4 متر) بين عامَي 1899 و2018 بسبب عوامل مختلفة، سواء بيئية أو من صنع الإنسان، لكن ذوبان الجليد يُشكّل بالفعل جزءاً مهماً من تلك المشكلة.
وفقاً لما ذكره موقع وكالة Nasa، فإنّ العلماء يقدرون أنَّ أكثر من نصف هذا التحوّل حدث بسبب ذوبان الجليد، الأمر الذي بدوره أدَّى إلى تغييرات في مجال جاذبية الأرض وحجم عدد من الكتل الأرضية؛ إما بالتوسع أو الانكماش.
أدى مجموع هذه التغييرات إلى تغيير حركة دوران الأرض حول محورها. لم يفهم العلماء بعد هذه العملية بالكامل، لكن يتضح أنَّ ذوبان الجليد يؤثر كثيراً في محور الأرض.
في الواقع، درس العلماء ظاهرتَي محور الأرض وذوبان الجليد لفترة طويلة، لكن مدى ارتباطهما ببعضهما البعض ليس مفهوماً تماماً.
بينما قد يساهم ذوبان الجليد في حركة محور الأرض، ثمة عوامل أخرى -مثل حركة وشاح الأرض- تؤدي دوراً أيضاً.
ومع ذلك، ليس من الضروري أن يذوب كل الجليد الموجود في القارة القطبية الجنوبية حتى تشهد الأرض عواقب وخيمة.
3- اختفاء الكثير من المدن الكبرى في العالم
تحتوي القارة القطبية الجنوبية وجزيرة غرينلاند على الكثير من الجليد الذي سيجلب ذوبانه تداعيات وخيمة على الحياة على كوكب الأرض.
وفقاً لقناة "ناشيونال جيوغرافيك"، إذا ارتفعت مستويات سطح البحر، سَتغمر المياه عدداً من المدن الكبرى في العالم مثل:
أمريكا الشمالية: سوف يختفي الساحل الأطلسي بأكمله، إلى جانب فلوريدا وساحل الخليج. وفي كاليفورنيا، ستصبح تلال سان فرانسيسكو مجموعة من الجزر والوادي الأوسط خليجاً عملاقاً، سيمتد خليج كاليفورنيا شمالاً إلى ما بعد خط عرض سان دييغو، ولا يعني ذلك أنه سيكون هناك سان دييغو.
أمريكا الجنوبية: سيصبح حوض الأمازون في الشمال وحوض نهر باراغواي في الجنوب مداخلاً للمحيط الأطلسي، مما يؤدي إلى محو بوينس آيرس وساحل أوروغواي ومعظم باراغواي. ستبقى الامتدادات الجبلية على طول ساحل البحر الكاريبي وفي أمريكا الوسطى.
أفريقيا: مقارنة بالقارات الأخرى، فإن أفريقيا سوف تفقد قدراً أقل من أراضيها بسبب الكارثة النهائية التي ستصل إلى مستوى سطح البحر، ولكن ارتفاع حرارة الأرض قد يجعل معظمها غير صالح للسكن، وفي مصر، سوف يغرق البحر الأبيض المتوسط الإسكندرية والقاهرة.
أوروبا: لندن والبندقية ستصبحان من الذكرى، كما ستكون هولندا قد استسلمت للبحر، وسوف يختفي معظم الدنمارك أيضاً، وفي الوقت نفسه، فإن مياه البحر الأبيض المتوسط المتوسعة سوف تؤدي أيضاً إلى تضخم البحر الأسود وبحر قزوين.
آسيا: الأراضي التي يسكنها الآن 600 مليون صيني سوف تغرق، وكذلك بنغلاديش التي يبلغ عدد سكانها 160 مليون نسمة، وقسم كبير من المناطق الساحلية في الهند سيؤدي غمر دلتا نهر ميكونغ إلى جعل جبال كارداموم في كمبوديا عالقة كجزيرة.
أستراليا: ستكتسب القارة، التي تهيمن عليها الصحراء، بحراً داخلياً جديداً، لكنها ستفقد جزءاً كبيراً من الشريط الساحلي الضيق؛ حيث يعيش الآن أربعة من كل خمسة أستراليين.
4- تأثر الحياة الحيوانية
لا يغرك أنّ القارة القطبية الجنوبية باردة وخالية من الحياة البشرية، فإنها بالنسبة للحيوانات ليست كذلك، لأنها موطن للعديد من الحيوانات المختلفة، مثل الطيور البحرية والبطاريق والحيتان.
وبالتالي، فإن ذوبان القطب الجنوبي سيشكل تهديداً كبيراً لتواجدها لا سيما البطاريق التي هي أساساً تعاني من انخفاض في أعدادها بشكل مستمر بسبب التغير المناخي.
5- تفاقم مشكلة المياه في العالم
أظهرت دراسة جديدة نشرتها وكالة Nasa أن 7 من المناطق التي تهيمن على فقدان كتلة الجليد العالمية تذوب بمعدل متسارع، كما أن معدل الذوبان المتسارع يستنزف موارد المياه العذبة التي يعتمد عليها الملايين من الناس.
ومع تسارع ذوبان الجليد، فإن التأثير سيصل أيضاً إلى الزراعة وإمدادات مياه الشرب في المجتمعات حول العالم، لا سيما أن 60% من المياه العذبة في العالم تأتي من الصفائح الجليدية في القطب الجنوبي.
ووفقاً للدراسة التي أجراها العلماء في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا؛ جامعة كاليفورنيا، إيرفاين؛ والمركز الوطني لأبحاث الغلاف الجوي في بولدر، كولورادو، فإن الأنهار الجليدية تعتبر مصدراً رئيسياً لمياه الشرب والري لعدة مئات الملايين من الأشخاص.
ومع مرور السنين، سيبدأ البشر، الذين يعيشون في المناطق اليابسة الداخلية، في مواجهة أزمة تخص نقص المياه وكيفية معالجتها، ستصبح مشكلات مياه الشرب واقعاً يومياً -حتى في الأماكن البعيدة عن القارة القطبية الجنوبية وجروفها الجليدية.
6- تفشّ للأمراض الجماعية
وفقاً لما ذكرته مجلة Smithsonian الأمريكية العلمية، فإنّ جليد القارة القطبية الجنوبية يحتوي على كائنات حية دقيقة موجودة منذ ما يقرب من 750 ألف عام، أي قبل وقت طويل من وجود البشر.
أجناس البكتيريا الموجودة في كل من عينات الهواء والقطب الجنوبي تشمل المكورات العنقودية، العصوية، الوتدية، المكورات الدقيقة، العقدية، النيسرية، والزائفة. كما تم العثور على بكتيريا تعيش في البرد والظلام في بحيرة مدفونة على عمق نصف ميل (0.80 كيلومتر) تحت الجليد في القارة القطبية الجنوبية.
بعض هذه الأنواع من البكتيريا تحمل جينات تمنحها مقاومة طبيعية للمضادات الحيوية ومضادات الميكروبات ولديها القدرة على الانتشار خارج المناطق القطبية، وبالتالي فإنّ انتشارها في العالم سيجعل من السهل تفشي الكثير من الأمراض الخطيرة بين الناس.
وقال أندريس ماركوليتا، الباحث من جامعة تشيلي الذي ترأس دراسة منشورة في مجلة Science of the Total Environment في مارس/آذار 2022، إن هذه "القوى الخارقة" التي تطورت لمقاومة الظروف القاسية موجودة في أجزاء الحمض النووي المتنقلة التي يمكن نقلها بسهولة إلى البكتيريا الأخرى.
وأضاف: "في سيناريو محتمل، يمكن لهذه الجينات أن تترك القطب الجنوبي، لتعزز ظهور وانتشار الأمراض المعدية في جميع دول العالم".
7- تيارات المحيط ستغيّر مسارها
الدورة الحرارية الملحية هي نظام عالمي لتيارات أعماق المحيطات وتحدث من خلال الاختلافات في درجات الحرارة ومستوى ملوحة المياه المالحة.
وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، فإنَّ الرياح هي المسؤولة عن خلق تيارات المحيط السطحية، لكن القطبين الشمالي والجنوبي ووجود الجليد يؤديان دوراً رئيسياً في خلق تيارات المياه العميقة.
يحدث هذا عندما يتجمد الماء ويتحول إلى جليد بحري، وهو ما يزيد من ملوحة الماء. تهبط المياه الأكثر كثافة وملوحة في قاع المحيط وتحل محلها مياه أقل ملوحة من السطح.
تستمر هذه العملية في دورة تعرف باسم "الدورة الحرارية الملحية" أو "حزام النقل العالمي".
تُغيّر هذه الخطوة كيفية تحرك مياه المحيطات حول العالم، الأمر الذي بدوره يُغيّر مسار هجرة مجموعات الأسماك وأسماك القرش وغيرها من أشكال الحياة في المحيطات، ويؤثر في كيفية عيشها وبقائها على قيد الحياة.
تؤدي القارة القطبية الجنوبية على وجه التحديد دوراً حيوياً في تنظيم درجة الحرارة والملوحة في المحيطات الجنوبية. لذا، سيؤدي ذوبان الجليد البحري إلى تغيير جذري لتلك المحيطات إلى الأبد.
قد يشهد العالم العديد من التداعيات السلبية إذا اختفت الطبقة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية.
سينتهي ما حدث من تطور على مدار ملايين السنين مع تغيّير مسار تيارات المحيطات. سيتغير مسار هجرة الثروة السمكية وقد تختفي، ما يجعل البشرية معرضة لخطر نفاد مصدر رئيسي للغذاء العالمي.
8 – هل أنتم مستعدون لعصر جليدي جديد؟
الطبقة الجليدية في القارة القطبية الجنوبية ليست مستقرة، فقد ذابت كميات كبيرة منها في الماضي، وكان آخرها قبل 5000 عام.
ووفقاً لما ذكره موقع Norwegian SciTech News النرويجي، فإنّ معظم ذوبان/فقدان الجليد في القارة القطبية الجنوبية حدث من خلال ذوبان الأرفف الجليدية، هذا يؤدي بدوره إلى تسارع تيارات الجليد على الأرض وتصريف كميات أكبر من الجليد في المحيط، حيث يضيع عند الذوبان أو الانفصال.
عندما انفصلت الجبال الجليدية عن الغطاء الجليدي في القارة القطبية الجنوبية وانجرفت إلى المحيطات المجاورة قبل ذوبانها أدى تدفق المياه العذبة من الجبال الجليدية الذائبة إلى اضطراب التوازن العالمي للمياه المالحة والمياه العذبة، وهو ما أسفر عن سلسلة من ردود الفعل في النظام البيئي.
تمتص المحيطات أيضاً نسبة من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي، وهو ما يساعد على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة ويقلل من ظاهرة الاحتباس الحراري.
لكن هذه العملية تؤدي أيضاً إلى تبريد كوكب الأرض. درس الباحثون عينة لبّية من قاع المحيط على عمق 500 ميل (804.7 كيلومتر) قبالة ساحل الجنوب الأفريقي. احتوت العينة على السجل المناخي لآخر 1.6 مليون سنة.
كشف تحليل العلماء أنَّه خلال كل عصر جليدي، كانت هناك علامات على ذوبان جليد القارة القطبية الجنوبية، والذي ساهم كثيراً في تبريد كوكب الأرض.
نواجه اليوم ظروفاً مشابهة لبداية ذلك العصر الجليدي القديم فيما يتعلق بذوبان الأنهار الجليدية، صحيح أن هذا سيستغرق الكثير من الوقت حتى يتحقق، ولكن التغييرات التي بدأت مؤخراً ستكون لها عواقب وخيمة لآلاف السنين المقبلة.