تمكن فريق علمي من رفع الآمال لدى البشر المصابين بالشلل في استعادة القدرة على المشي، بعد أن استطاع تحفيز الحبال الشوكية المكسورة لدى "فئران تجارب" على النمو من جديد، فاستطاعت تلك الفئران أن تتحرك وتمشي بعد أن كانت عاجزة عن الحركة، بحسب ما نشرته صحيفة The Times البريطانية، الجمعة 22 سبتمبر/أيلول 2023.
وتتفاوت الإصابات المؤدية إلى الشلل، فبعض الإصابات لا ينقطع فيها الحبل الشوكي بالكامل، ومن ثم يمكن للحبل في هذه الحالات أن يشفي نفسه ويتعافى.
وفي حالات أخرى، ينقطع الحبل تماماً، فلا سبيل حينئذ للإصلاح الطبيعي ولا التعافي دون تدخل علاجي.
جديرٌ بالذكر أن الحبل الشوكي حزمة من الخلايا العصبية التي تحمل أوامر الدماغ إلى الجسم في هيئة رسائل من الإشارات الكهربائية.
كان الباحثون قد تمكنوا من قبل من تحفيز الخلايا العصبية الموجودة في الحبل الشوكي المقطوع تماماً على النمو مرة أخرى. واستطاعوا إصلاح هذا الضرر في الفئران المصابة التي فقدت القدرة على المشي. ومع ذلك، فقد عجزوا عن تحفيز الخلايا لحمل الرسائل الكهربائية، وبقيت الفئران مشلولة.
بناءً على ذلك، استمرت تجارب الباحثين ومحاولات إصلاح الخلل في تجاربهم، فاعتنوا بدراسة الخلايا التي عادت إلى النمو في الفئران التي تضررت حبالها الشوكية جزئياً، وتمكنت من التعافي.
اكتشف العلماء أن "الخلايا العصبية ذات البروز المحوري الطويل" كانت عاملاً أساسياً في عملية الشفاء هذه. وتبين لهم أن هذه الخلايا لا تزيد نسبتها على نحو 0.05% فقط من الخلايا العصبية المكونة للحبل الشوكي.
أما الخطوة التالية، فكانت ترجمة هذه النتائج إلى وسائل علاجية، فاستخدم الباحثون الفيروسات لنقل أجزاء من الشيفرة الجينية إلى الخلايا العصبية في النخاع الشوكي على جانب واحد من الإصابة، أي حاولوا حث الخلايا على إنتاج مزيج من البروتينات المحفزة لمحاورها العصبية -وهي ألياف طويلة تمتد خارج الجسم الرئيسي للخلية وتحمل الرسائل الكهربائية- على النمو.
على الجانب الآخر من الحبل الشوكي المقطوع، استخدم الباحثون نوعاً آخر من الفيروسات لحمل جزء آخر من الشيفرة الجينية إلى الخلايا في "المنطقة المستهدفة"، أي الموقع الذي يُفترض بالمحور العصبي المتنامي أن يتصل به. والغرض من ذلك هو تحفيز الخلايا المستهدفة لإطلاق بروتين يعمل كمنارة التوجيه، بحيث يجذب المحاور العصبية المتنامية للتواصل مع المواقع الصحيحة من محطات استقبال الإشارات بالخلية.
تجارب على القرود
كان العلاج فعالاً، فقد استعادت الفئران المصابة بإصابات النخاع الشوكي القدرةَ على المشي. وتشابهت حركتها مع حركة القوارض التي استأنفت المشي بعد إصابات جزئية في النخاع الشوكي، والتي شفيت بطريقة طبيعية.
وقال مايكل سوفرونيو من كلية الطب بجامعة كاليفورنيا، وهو أحد كبار مؤلفي الدراسة التي نشرت في دورية Science العلمية: "توفر دراستنا تصورات مهمة عن تعقيد عملية التجدد في المحاور العصبية، ومتطلبات التعافي الوظيفي بعد إصابات النخاع الشوكي"، و"تسلط الضوء على [أن عملية التعافي] لا تستلزم فقط تجديد المحاور العصبية، بل توجيهها أيضاً بطريقة فعالة للوصول إلى المناطق المستهدفة من أجل استعادة التواصل العصبي المحفز لتنفيذ الأوامر الدماغية".
تتضمن الخطوة التالية اختبار هذه التجارب على القرود، ويستغرق ذلك عدة سنوات. وإذا نجحت، يمكن بعد ذلك إجراء الاختبارات على البشر.
والغاية النهائية هي دمج هذه الآلية العلاجية في العلاج الحالي الذي يقوم على تحفيز الحبل الشوكي بنبضات كهربائية، وهو النهج الذي ساعد العديد من المرضى على المشي مرة أخرى، ولكنهم كانوا ينتمون جميعاً إلى المصابين بكسر جزئي في الحبل الشوكي وليس الكلي.
وقال الباحث غريغوري كورتين، من جامعة هارفارد الأمريكية، نحن "نعتقد أن الحل الكامل لعلاج إصابة النخاع الشوكي سيتطلب كلا النهجين: العلاج الجيني لإعادة نمو الألياف العصبية ذات الصلة، وتحفيز العمود الفقري لتعظيم قدرة هذه الألياف والحبل الشوكي المصاب على إنتاج الحركة".