يعتبر الوشم نوعاً من أنواع الفنون القديمة كممارسة ذات أبعاد ثقافية لدى الكثير من الشعوب القديمة، والتي تشير إلى هوية الشخص داخل المجتمع أو الانتقال إلى مرحلة البلوغ أو الانتماء القبلي أو الارتباط الروحي وما إلى ذلك، ولكن السؤال الذي يثير فضولاً متزايداً هو: لماذا يبقى الوشم دائماً على الرغم من أن خلايا الجلد تتجدد باستمرار؟
في هذا التقرير سنكتشف معاً علم الأحياء والكيمياء والتقنيات التي تجعل من الوشم أكثر من مجرد رسم على البشرة، كما سنلقي نظرة عميقة على السر الذي يجعل الوشم يبقى إلى الأبد.
لماذا يبقى الوشم دائماً ولا يزول؟
يقول باحثون فرنسيون إنهم وجدوا الإجابة على هذا السؤال، وقد وصفوا السر بأنه مفاجئ بعض الشيء، وفقاً لما ذكرته شبكة NBC News الأمريكية.
عندما يقوم شخص ما برسم وشم على مكان ما في جسده، يتم إدخال الإبر المستخدمة داخل طبقات الجلد بشكل دقيق، وهذه الإبر تحتوي على أسطوانة تحتوي على الحبر، وعند دخول الإبرة في الجلد، يتم حقن الحبر بدقة في الجلد.
ولكن من المعروف أيضاً أن خلايا الجلد تتجدد باستمرار في دورة تتراوح ما بين 15 يوماً عن الأطفال حتى 45 يوماً عند البالغين، لذلك فإنه من المنطقي أن يختفي الوشم بمجرد تجدد البشرة، ولكن ذلك لا يحدث.
بعد دخول الحبر إلى الجلد، تقوم خلايا الجهاز المناعي التي تسمى "البلاعم" أو "المكروفاج" بالتوجه إلى مكان الوشم لتخلص الجلد من الخلايا الغريبة التي دخلت إليه وهي "الحبر".
تقوم هذه البلاعم بأكل الحبر، ولكنها تموت وتطلق الحبر مجدداً في طبقة الجلد، فتأتي بلاعم أخرى لتقوم بالتهام الحبر وتموت أيضاً، فتطلقه مجدداً، فتأتي بلاعم أخرى، وهكذا يتم تمرير نقاط الحبر المجهرية من جيل من البلاعم إلى جيل آخر، وتستمر هذه الدورة لتكاد تكون لا نهائية، وفقاً لبحث نُشر في مجلة الطب التجريبي Journal of Experimental Medicine.
دراسة عملية فرنسية أثبتت صحة التفسير العلمي لعدم اختفاء الوشم
آنا بارانسكا ووهي باحثة من معهد الأبحاث الفرنسي INSERM في مرسيليا أكدت أنها أجرت دراسة رفقة عدد آخر من الباحثين وقد أثبتوا أن جزيئات صبغة الوشم يمكن أن تخضع لدورات متتالية من الالتقاط والإطلاق والاستعادة دون أن يختفي أي وشم، موضحة أنهم كانوا يقومون بتجارب تهدف إلى فهم عمل الخلايا المناعية في جلد الفئران من خلال إنشاء فئران معدلة وراثياً يمكن قتل بلاعمها بسهولة، وكانوا يراقبون كيف ومتى يتم استبدالها ببلاعميات جديدة، وقد استخدموا الوشم على ذيول الفئران لتتبع ذلك.
لقد عرف الباحثون أن خلايا الجهاز المناعي تشارك في مساعدة الجسم على تحمل الوشم، وبالتالي فإن الوشم لا يصبغ الجلد كما يعتقد لأنّ الخلايا الجلدية تموت وتتبدل مرات عدة، فيما تعتبر البلاعم هي سبب بقائه على الجلد طيلة الحياة.
وأضافت بارانسكا أنه لو كان الحبر يصبغ خلايا الجلد التي تسمى الخلايا الليفية، والتي تشكل النسيج الضام فكان الوشم سيزول حتماً.
فيما لفتت الدراسة إلى أن نتائجها قد تفتح الباب أمامهم للعثور على طرق أفضل لإزالة الوشم بعيداً عن الليزر، مثل أن يقوم تنشيط "الخلايا المناعية" الأخرى لحمل الحبر بعيداً عن الجلد.
لتوضيح الأمر الأكثر، فإن البلاعم الجلدية لا تتحرك كما تفعل بعض الخلايا المناعية الأخرى، لذا قد تكون الحيلة هي تنشيط خلايا الجهاز المناعي الأخرى التي يمكنها التقاط الحبر ونقله إلى العقد الليمفاوية، ليتم نقله في السائل اللمفاوي.
تاريخ الوشم
إن تاريخ الوشم يمتد لآلاف السنين ويمتزج بتطور الثقافات والتقنيات عبر العصور، كما تم العثور على أقدم دليل على الوشوم البارزة بموقع أثري في عين غزال بالأردن، على تمثالين مقطوعي الرأس من تماثيل آلهة الخصوبة من العصر الحجري القديم يعودان لـ8 آلاف سنة قبل الميلاد، مع خطوط خدوش سميكة تلتف حول الأرداف والبطن.
الوشم في العصور القديمة
العصور القديمة في مصر ونوبة: يعود تاريخ الوشم إلى العصور القديمة في مصر والنوبة؛ حيث كان يُستخدم الوشم كطقوس دينية وتعبير عن الهويات الثقافية والاجتماعية، وكانت تماثيل الفراعنة تحمل أدلة على وجود وشوم على جسد الأشخاص.
العصور القديمة في الهند: تمتلك الهند تاريخاً غنياً في فن الوشم، حيث كان يستخدم الوشم في تعبير الهويات الدينية والروحية وكذلك كعلامات للتمييز الاجتماعي.
الوشم في العصور الوسطى
اليابان والصين: في اليابان والصين القديمتين، تم استخدام الوشم كوسيلة للتعبير عن الانتماء والولاء والعقوبات الجنائية.
القرن الثامن عشر في أوروبا: عرف الوشم في أوروبا في القرن الثامن عشر بأنه توجه عصابات الجريمة والأفراد المنبوذين، وقد استفاد الوشم من تطور تقنياته في هذا الوقت.
الوشم في العصر الحديث
شهد القرن التاسع عشر والعشرون تطوراً كبيراً في تقنيات الوشم وتنوع الرموز والأساليب، ليصبح الوشم ثقافة شائعة، لا سيما لدى الشباب.