أُعيدَ إحياء رائحة لم يتم شمها منذ قرابة 3500 عام، إذ تمكَّن العلماء من إعادة تركيب بلسم استُخدِمَ لتحنيط امرأة مصرية نبيلة ماتت عام 1450 قبل الميلاد، واُكتشفت مقبرتها عام 1900، وفق صحيفة The Times البريطانية.
وقال العلماء إنَّ الرائحة، التي أطلق عليها الباحثون "عبق الخلود" أو "عبق الحياة الآخرة"، يمكن أن تكون بمثابة "جسر حسي إلى الماضي"، وذلك قبل الكشف عنها في أحد المتاحف الدنماركية.
وتحتوى الرائحة على عناصر من شمع العسل، والزيوت النباتية، والدهون الحيوانية، وراتنجات من أشجار الصنوبر، وكذلك مركبات تحتوي على رائحة تشبه الفانيليا ربما كان مصدرها القرفة أو البازلاء.
اُكتشفت مقبرتها عام 1900
النبيلة المصرية التي تُدعى سينيتناي، ويُقَال إنَّها كانت تقوم على رعاية الفرعون المصري القديم أمنحتب الثاني، عاشت في فترة معروفة باسم الأسرة الثامنة عشرة، أولى أسرات عصر الدولة الحديثة في مصر القديمة، والتي استمرت من حوالي عام 1550 إلى 1292 قبل الميلاد وشملت عهد الملك توت عنخ آمون.
وقد حُنِّطَت عند موتها في عملية شهدت إزالة الأعضاء الداخلية من الجسم قبل تجفيفها ولفّها. واستُخدِمَ البلسم لحفظ الأعضاء التي نُزِعَت في جِرار.
وكشف عالم الآثار الإنجليزي كارتر اللثام عن مقبرتها، المعروفة باسم المقبرة "KV42" في وادي الملوك عام 1900، قبل أن يكتشف مقبرة توت عنخ آمون عام 1922، وقد استعاد اثنتين من الجرار الكانوبية التي حُفِظَت فيها الأعضاء التي حُنِّطَت.
البلسم الأكثر تعقيداً
بدورها، قادت باربرا هوبر، وهي باحثة دكتوراة بمعهد ماكس بلانك للعلوم الجيولوجية المرتبطة بالإنسان في ألمانيا، فريقاً باستخدام عمليات مثل الكروماتوغرافيا الغازية والقياس الطيفي الكتلي لتحليل التركيب الكيميائي لبلسم قديم جرى كشطه من داخل الجرار، حيث وجد الفريق أنَّه البلسم الأكثر تعقيداً الذي يُكتَشَف من هذه الفترة.
وقالت هوبر لمجلة New Scientist: "يمكن القول إنَّ الرائحة السائدة تشبه تلك الرائحة الخشبية القوية الشبيهة بالصنوبر في أشجار الصنوبر. لكنَّها تمتزج بعد ذلك مع مسحة بسيطة أكثر حلاوة من شمع العسل. ثُم يكون لدينا بعد ذلك هذا النوع من رائحة البيتومين الدخانية القوية. وهي تشبه إلى حد ما رائحة القطران الذي رُصِفَ به الشارع حديثاً".
ووجدت الدراسة أيضاً أنَّ بعض المكونات في البلسم جاءت من مناطق بعيدة، وهو ما يُقدِّم نظرة عميقة على طرق التجارة التي كان يستخدمها المصريون القدماء.
إذ قالت الأستاذة نيكول بويفين، كبيرة الباحثين في الدراسة التي نُشِرَت في مجلة "التقارير العلمية": "المكونات الموجودة في البلسم توضح أنَّ المصريين القدماء كانوا يحصلون على مواد من خارج مملكتهم منذ فترة مبكرة. ويسلط عدد المكونات المستوردة في البلسم أيضاً أهمية سينيتناي باعتبارها عضواً رئيسياً في الدائرة المقربة للفرعون".
كانت راتنجات شجرة الصنوبر من المكونات المستوردة، ربما من شمال البحر المتوسط، في حين يبدو أنَّ البلسم احتوى أيضاً على راتنجات الدمر، التي تأتي من غابات جنوب شرقي آسيا. ومن شأن هذا أن يعني أنَّ المصريين كانوا يتاجرون بهذه الراتنجات بفترة أسبق بألف عام مما كان يُعتَقَد سابقاً.
وسيكون شم رائحة البلسم متاحاً في متحف موسغارد في مدينة آرهوس الدنماركية.