من منا لا يعرف قصة "الجميلة والوحش"، التي عرفناها جميعاً عن طريق أفلام الرسوم المتحركة التي قدّمتها ديزني في تسعينيات القرن الماضي، وتروي قصة أميرٍ شاب تحوّل إلى وحشٍ إثر لعنةٍ أصابته؟
تروي قصة الجميلة والوحش حكاية الوحش الذي عليه أن يعرف الحب حتى يتمكن من العودة إلى هيئته البشرية، الأمر الذي يتحقق في النهاية، بعدما ينجح في إيقاع الفتاة الجميلة بحبّه؛ فتنتهي لعنته، ويعيشان بسعادةٍ أبدية.
لكن هل تعرفون أن رواية الجميلة والوحش تعود أصولها إلى مأساةٍ إنسانية، جرت وقائعها في بلاط الملك هنري الثاني بين القرنين الـ16 والـ17، حين عانى رجلٌ مُصاب بـ"متلازمة الذئب البشري" -ويُدعى بيتروس غونسالفوس- من معاملةٍ لا إنسانية شملت أطفاله؟
قصة الجميلة والوحش الحقيقية
بدأت القصة عندما تُوّج الملك هنري الثاني ملكاً على فرنسا عام 1547، فتلقى هديةً كانت عبارة عن رجلٍ يُدعى بيتروس غونسالفوس، يكسوه الشعر من شعره حتى أخمص قدميه. أُطلق عليه وقتئذٍ اسم "رجل البرية"، وكان يُعامَل على أنه مسخ.
ووفقاً لموقع ati الأمريكي، فإن بيتروس غونسالفوس -وقبل "شحنه" إلى هنري الثاني- كان يعيش في إحدى جزر الكناري الإسبانية حيث أُلقي القبض عليه، وهو في العاشرة من عمره، ووُضع في قفص.
صار عبداً، وقد تمّت معاملته بوحشية مثل الحيوانات البرية، بحيث كانوا يُطعمونه اللحم النيء وعلف الحيوانات.
مع دخوله إلى القصر الملكي، سُجن غونسالفوس داخل أحد الدهاليز، وأُجريت عليه أبحاث عدة أشرف عليها أطباء البلاط، الذين اتفقوا بعد تجارب مختلفة، على أنه مجرد طفل لكنه يعاني من تشوهٍ خلقي.
إثر ذلك، قرر الملك هنري الثاني أن رجل البرية ليس وحشاً، فأطلق سراحه وأمرَ بمعاملته معاملة إنسانٍ طبيعي. فطلب إعطاءه ملابس جديدة، وتقديم وجباتٍ مطهوة إليه، كما علّمه وصار يُتقن 3 لغات.
ارتفع وضع بيتروس غونسالفوس الاجتماعي في البلاط، بقرارٍ من هنري الثاني، رغم أن الجميع كانوا ما زالوا ينظرون إليه على أنه وحش، فصار لقبه "الرجل النبيل المتوحش".
في رواية "الجميلة والوحش"، حاولت ديزني أن تجعل نهايتها جميلة، مثل جميع قصصها الخيالية. فوقعت الجميلة في حُب الوحش، وعاد بشرياً مرة جديدة، لكن قصة بيتروس لم تكن نهايتها رومانسية.
وفاة الملك تغيّر مصير بيتروس غونسالفوس
يروي الوثائقي الذي عرضته "الجزيرة الوثائقية"، تحت عنوان "عودة الجميلة والوحش"، كيف أن بيتروس غونسالفوس قد تغيّر مصيره بعدما آلت ملكيته إلى الملكة كاثرين دي ميديشي، إثر وفاة زوجها هنري الثاني عام 1559.
أرادت الملكة أن تجعل من بيتروس حقل تجارب من أجل التسلية والمفاخرة أمام ملوك أوروبا، فقررت تزويجه حتى يُنجب أطفالاً يشبهونه لتقدّمهم هدايا. وهذا ما حصل.
اختارت له امرأة جميلة وقوية، من بين مئات المرشحات اللواتي أُحضرن إليها، كانت تُدعى كاثرين وهي ابنة أحد العاملين في الديوان الملكي. لم تكشف الملكة كاثرين للعروس كاثرين عن هوية زوجها المستقبلي، بل تركتها تكتشف ذلك بنفسها ليلة الزفاف.
أُغمي على كاثرين حين اكتشفت الأمر، لكنها تحمّلت نصيبها بصمتٍ، فمن يجرؤ على مخالفة أوامر الملكة؟
ليلة الزفاف، خافت كاثرين من بيتروس كثيراً ونفرت منه، لكنه -وعكس المتوقع منه- تركها بسلام وجلس وحيداً، بعيداً منها.
مع مرور الوقت، التمست كاثرين في بيتروس إنسانيةً لا مثيل لها، فرقّ قلبها تجاهه حتى أُغرمت به وأنجبا 7 أطفال؛ عانى 4 منهم من حالة والدهم نفسها، أي فرط الشعر، الأمر الذي أسعدَ الملكة كاثرين، لأن مخططها نجح بتأسيس عائلةٍ من المسوخ.
حصلت الملكة كاثرين دي ميديشي على ما تريده، وقررت إرسال بيتروس غونسالفوس وعائلته في جولةٍ إلى ملوك أوروبا، للتباهي أمامهم بهذا "النسل الغريب". وهناك، خضع الأطفال لتجارب وأبحاث، بعدما حامت الشكوك حول إنسانيتهم.
لاحقاً عام 1591، أُجبر بيتروس على الهجرة وعائلته باتجاه إيطاليا، حيث امتلكهم الدوق الإيطالي رانوتشيو فارنيز، الذي عاملهم على أنهم ممتلكات خاصة. فتمّ توزيع الأطفال الذين يعانون من متلازمة الذئب البشري هدايا على عددٍ من النبلاء، ليصبحوا في النهاية "حيوانات أليفة" لدى أفراد الطبقة العليا.
النهاية المأساوية لـ"الجميلة والوحش"
بعد إجبارهم على التنقل من بلاطٍ ملكي إلى آخر، استقر بيتروس وزوجته في مدينة كابوديمونتي الإيطالية. ووفق سجلات المدينة، فارقت كاثرين الحياة عام 1623، بينما اختلفت المصادر في تحديد تاريخ وفاة بيتروس غونسالفوس، لأنه لم يتم تسجيله.
أمر الدوق الإيطالي فيما بعد برسم بيتروس وزوجته وأطفاله المصابين فقط، وفق موقع History vs Hollywood، وقد أصبحت لوحاتهم من أشهر اللوحات في أوروبا وهي محفوظة حتى اليوم في المتاحف.
وهكذا، فالفرق شاسع جداً بين قصة ديزني الخيالية عن الجميلة والوحش، وحكاية بيتروس غونسالفوس الحقيقية. فالأولى كانت نهايتها جميلة مثل قصص الأحلام، أما الثانية فقد كانت أكثر واقعية وملاءمة لتاريخ أوروبا.