يعتبر السيرك من بين الفنون التي تعتمد على ترويض الحيوانات، من أجل تقديم عروض تجمع بين الترفيه والإثارة، إذ إنه قادر على إثارة إعجاب الصغير قبل الكبير.
لكن مع ذلك، هناك حيوان واحد يمكن القول إنه من المستحيل رؤيته في أحد عروض السيرك، وهو الذئب، وذلك لصعوبة ترويضه، بسبب شخصيته المختلفة عن بقية الحيوانات، لو كان الأسد ملك الغابة نفسه.
لنتعرف في هذا المقال على الأسباب الكاملة التي تمنع مروضي الحيوانات، مهما كانت مهارتهم عالية، من تربية هذا الحيوان، وعدم الاستعانة به في تقديم عروض السيرك.
لا يقبل الخضوع.. كل ما يجب معرفته عن شخصية الذئب
قبل معرفة السبب وراء عدم الاستعانة بالذئب في السيرك، يجب معرفة تفاصيل سلوكه، والطبيعة التي يتأقلم معها، ويستطيع العيش فيها.
إذ إن الذئاب حيوانات مفترسة تعيش في البرية، وتمتلك غريزة صيد قوية، الشيء الذي يجعلها تُعرف على أنها ماكرة، ولا يصح الاقتراب منها أو التعامل معها بشكل مباشر.
كما أن هناك مجموعة من المعلومات الشائعة عن هذا الحيوان، والتي تفيد بأنه لا يقبل الخضوع أو الامتثال للأوامر، كما أن حركته التالية تكون دائماً غير متوقعة، ولا يمكن أبداً التنبؤ بها، كما هو الحال مع العديد من الحيوانات.
وكذلك الذئب من الحيوانات التي تفضل العيش في مجموعة، وليس بشكل منفرد، فدائماً ما تجد أن هناك عائلة من الذئاب تعيش مع بعضها البعض، ولا تبتعد عن بعضها إلا في بعض الحالات الخاصة، فيما تكون القيادة من نصيب الأكبر سناً أو الأكثرة خبرة بينها.
وما يميز الذئاب كذلك هو اعتمادها على العمل الجماعي في الحصول على فريستها، إذ دائماً ما تتم مطاردة الفريسة من طرف ذئب واحد إلى أن تتعب، فتنقض عليها البقية عندما تكون فرصتها في الهرب غير ممكنة.
إذ إن هذا الحيوان الذي لا يتجاوز وزنه 45 كيلوغراماً، يمكنه بمساعدة 6 ذئاب أخرى اصطياد فريسة قد يصل وزنها إلى 300 كيلوغرام فما فوق، فقط انطلاقاً من مهارته في العمل الجماعي.
أسباب عدم تدريب الذئب لعروض السيرك
كانت هناك العديد من المحاولات لتدريب الذئاب، خصوصاً من طرف السوفييت، الذين كانوا يرون أنفسهم قادرين على التعامل مع جميع الحيوانات، مهما كانت درجة خطورتها، وقدرتهم على إشراكها في عروض السيرك بكل سهولة.
إلا أنه، وكما هو متوقع، قد باءت كل هذه المحاولات بالفشل، خصوصاً عند محاولتهم ترويضها على القيام ببعض الحركات المتقنة والمعقدة، والتي تدخل في خانة الحركات البهلوانية، وذلك لأن الذئب لا يقبل على نفسه القيام بشيء خارج عن إرادته الخاصة.
كما أن احتمالية تعرض المدرب والجمهور للخطر تكون مرتفعة جداً في حال اعتماد الذئب في أحد العروض، وذلك لأنه غير مطيع أولاً، وثانياً لأن خطواته التالية تكون دائماً غير متوقعة كما ذكرنا سابقاً.
أضِف إلى ذلك أن عملية إخراج هذا الحيوان من مكانه الطبيعي، وهي الحياة البرية، ومحاولة جعله يتأقلم مع فضاء مختلف تعتبر شبه مستحيلة، ما يزيد من احتمالية قيامه بتصرفات خطيرة جداً، بسبب فقدانه السيطرة على نفسه داخل فضاء جديد بعيد عن المجموعة التي يجب أن يكون بينها.
حتى في حال تمكّن أحد مدربي السيرك من التعامل وترويض أحد الذئاب، وهو الأمر غير الممكن في جميع الأحوال، فإن تربية هذا الحيوان تحتاج إلى موارد مالية كبيرة جداً، وذلك لتوفير مساحة كبيرة لتربيته، والاحتياجات الغذائية والطبية باهظة الثمن.
الماكر الذي لا يلعب في السيرك.. هكذا يتم النظر إلى الذئب
هناك العديد من الأمثلة والمقولات الشهيرة المرتبطة بشكل مباشر بالذئب، وذلك انطلاقاً من شخصيته المميزة والفريدة.
ومن بين أبرز هذه الأمثلة، تلك التي تقول: "الذئب أضعف من النمر والدب، لكنه لا يلعب السيرك"، وذلك في إشارة إلى قوة الشخصية.
كما أنه غالباً ما يُلقّب صاحبُ الشخصية الماكرة والسيكوباتية، خصوصاً في مجال العمل، بأنه ذئب، وذلك لأن تصرفاته تكون دائماً في صالحه، وغير متوقعة في غالبية الأحيان.
كما أن الذئب يعتبر رمزاً لعدد من الأشخاص في دول مختلفة عبر العالم، وذلك باعتبار أنه يشكل شعاراً واضحاً للإرادة الحرة، ورفض الخضوع تحت أي ظروف.
ومع ذلك فإن هذا الحيوان تعرض لعدة حروب على مر التاريخ، باعتباره مهدِّداً لسلامة الآخرين، وهذا ما حصل خلال القرون الأربعة الماضية، في معظم دول أوروبا، عندما تمت محاولة إبادته من خلال مطاردته المستمرة.
وقد تسببت عمليات الإبادة هذه في تقليل وجود هذا الحيوان البري، الذي يعتبر جزءاً مهماً من التوازن الطبيعي، والذي أسهم فيه لآلاف السنين.