تشتهر الصين بأنها من بين أبرز الدول القادرة على تقليد المنتجات والأشياء بطريقة احترافية، وبدقة يمكن أن تجعلك تشك فيما إذا كانت حقيقية فعلاً، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالملابس، والإكسسوارات، والإلكترونيات.
لكن هل خطر في بالك أن يصل الأمر إلى تقليد الصين لمدن شهيرة عبر العالم، عن طريق استنساخها كاملة، أو استنساخ بعض معالمها الشهيرة؟
لا تستغرب، لأن هذا الأمر أصبح حقيقياً فعلاً، وتمكّنت الصين، ضمن مشاريع مختلفة، من بناء واستنساخ مدن أوروبية عديدة في مناطق مختلفة من البلاد، لتقريب العالم إلى المواطن، دون الحاجة إلى السفر لمسافات طويلة من أجل عيش التجربة الأوروبية.
استنساخ المدن في الصين.. لماذا؟
اختارت الصين، خلال السنوات الأخيرة، بناء واستنساخ العديد من المدن الشهيرة، والتي تُعرف على أنها مصدر جذب للسياح من مختلف بقاع العالم.
وجاءت هذه الفكرة، التي تم تطبيقها في إطار مشاريع مختلفة، بهدف تعزيز السياحة الداخلية في البلاد، وتمكين من هم من الطبقة الوسطى من زيارة أماكن شهيرة عبر العالم دون الحاجة إلى التنقل خارج البلاد، ودفع مبالغ مالية كبيرة من أجل ذلك.
كما أن هذه الخطوة تساعد على الاحتفاظ بالموارد المالية داخل البلاد، إذ عوضاً عن صرف تلك الأموال على السياحة الخارجية في بلدان أخرى، ستصرف تلك الأموال داخل الصين، مع الحصول على فرصة الاستمتاع بجمال المناطق السياحية الشهيرة في أوروبا.
استنساخ المدن في الصين له هدف آخر، وذلك حسب مشروع يحمل اسم "مدينة واحدة، تسع مدن"، والذي تم العمل عليه ابتداء من سنة 2001، والذي يعمل على تقليل الازدحام والكثافة السكانية في المدن الصينية الكبرى، وبناء مجمعات سكنية في مدن أوروبية مستنسخة داخل الصين، وذلك لإضفاء نوع من التغيير بالنسبة للأشخاص الذين يبحثون عن العيش في أماكن ذات روح وطابع مختلفين.
برج إيفل والشانزليزيه.. باريس في الصين
عند الوصول إلى مقاطعة جيجيانغ، المتواجدة غرب الصين، ستجد نفسك محاطاً بعالم باريسي حقيقي، وذلك بعد أن تم استنساخ مدينة الأنوار باريس بشكل يحاكي الواقع هناك، في مدينة تحمل اسم "ستاندوشينغ".
فقد تمت صناعة برج إيفل شبيه بالنسخة الأصلية، ولكن هذه المرة من صنع الصين، إضافة إلى شارع الشانزليزيه المطابق للشارع الحقيقي، من خلال الشكل والمساحة.
ليس هذا فقط، فقد تم نسخ نوافير ساحة الجمهورية الشهيرة، وحدائق فيرساي التي تعتبر الأشهر في العاصمة الفرنسية.
ومن أجل عيش هذه التجربة، يمكن زيارة باريس الصينية للسياحة، أو الاستقرار بشكل كامل، من خلال اكتراء شقق مطلة على المكان، والتي يتراوح سعرها ما بين 100 إلى 200 يورو في الشهر الواحد، وهو السعر الذي يعتبر رخيصاً جداً مقارنة بأسعار الإيجار في مدينة باريس الحقيقية.
التايمز تاون الصينية.. قطعة من إنجلترا
اختارت إحدى الشركات العقارية الرائدة في هذا المجال في الصين، والمتواجدة في مدينة شنغهاي، استنساخ مدينة التايمز الإنجليزية، وبناءها في قرية تحمل اسم "هالستات"، القريبة من المدينة.
وقد تم تحويل هذه البلدة لنسخة طبق الأصل من التايمز تاون، بدءاً من أكشاك الهواتف الحمراء، والشوارع المرصوفة بالحصى، وصولاً إلى الكاتدرائية الكاثوليكية، ونهر التايمز الشهير.
ويحمل هذا المشروع اسم "مدينة واحدة، تسع مدن"، بهدف تقليل الضغط على مدينة شنغهاي، وتحويل الاستثمارات، والمشاريع إلى هذه المدينة المستنسخة الجديدة.
إلا أن الأمر لم ينجح، وتحول المكان إلى مدينة مهجورة، يزورها الناس بين الحين والآخر، بعيداً عن فكرة شراء عقار خاص، بسبب ارتفاع أسعارها.
هالشتات في الصين.. أقدم قرية نمساوية
تعتبر هالشتات القرية الأقدم في النمسا، والتي تم إدراجها مؤخراً ضمن التراث العالمي من طرف اليونسكو، كما أنها من بين أكثر الأماكن المتواجدة في جبال الألب جذباً للسياح.
كل هذه العوامل جعلت بعض المهندسين الصينيين يقررون استنساخ هذه القرية الشهيرة، وذلك بالضبط في مقاطعة غوانغدونغ جنوب البلاد.
ومن أجل تقديم صورة مطابقة لهذا المكان النمساوي الساحر، تم استنساخ منازل القرية الملونة، ذات الواجهات المليئة بالزهور المنسدلة من النوافذ، والمقاهي الصغيرة، المعالم السياحية الشهيرة.
ورغم فتح مجال شراء منازل القرية، والاستقرار بها، فإن الأمر لم يتحقق، وفضل الصينيون الاكتفاء بزيارة المكان والتقاط صور تذكارية، ثم العودة إلى حياتهم المعتادة في منازلهم بالمدن الكبرى.
حي سكني ألماني على الطريقة الصينية
بالقرب من مدينة شنغهاي مرة أخرى، وضمن نفس مشروع "مدينة واحدة، تسع مدن"، يمكن إيجاد مدينة أنتينج الألمانية، التي تم استنساخها للحصول على أجواء مشابهة لتلك الحقيقية.
وتمتاز هذه المدينة كونها نسخة مشابهة للمدينة الشهيرة، من حيث المباني الخشبية التي تحاكي العصور الوسطى، والمقاهي الصغيرة التي تشتهر بها.
كما تم تصميم مساحات خضراء، والتماثيل البرونزية المتواجدة في المدينة، ولكن بصناعة صينية هذه المرة، وذلك لخلق حي سكني ألماني داخل الصين.
ورغم كل الدقة التي تميزت بها مدينة أنتينج، فإنها اليوم مصنفة على أنها مدينة أشباح، وذلك عدم وجود أي مستثمرين يريدون اقتناء العقارات بها، أو سكان يطمحون لتغيير حياتهم العادية، للعيش في مكان شبيه بأرض ألمانية.
المدينة الزرقاء في الصين.. شفشاون المغربية
بعيداً عن الحلم الأوروبي، واستنساخ مدن من القارة العجوز، فإن مدينة شفشاون المغربية، والملقبة بالجوهرة الزرقاء، تعتبر المدينة العربية الوحيدة التي تم استنساخها في الصين؛ وذلك لأنها تعتبر واحدة من بين أكثر المدن السياحية جذباً للسياح في المغرب.
وقد تم تشييد مدينة شفشاون المستنسخة، داخل منتجع سياحي متواجد في مدينة تشنغدو الصينية، وهي نسخة مشابهة للمدينة من حيث الأزقة الصغيرة المطلية جدرانها باللون الأزرق.
كما أنه تم تصميم المباني الصغيرة ذات الطابع التقليدي، والأبواب الخشبية القديمة المصممة على الطريقة المغربية، زيادة إلى الأرض المتعرجة والغير مستوية التي تشكل هوية المكان الحقيقي.